فضاء الجمعيات

بلاغ إخباري بشأن التقرير العالمي حول التنمية البشرية 2024/2023 التنمية البشرية بالمغرب : “دينامية مترنحة وتفاوتات اجتماعية مقلقة

تفاعلا مع التقرير العالمي حول مؤشر التنمية البشرية بالمغرب، الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بناء على بيانات إحصائية دقيقة، تقيس قطاعي الصحة والتعليم ومتوسط العمر ومستوى المعيشة وعلاقتة المتلازمة بالقدرة الشرائية؛ نشير إلى أنه ثمة هناك خلل في تنزيل برامج السياسات العمومية لدى الحكومات المغربية، حيث لازالت مؤشرات التنمية تعرف تباطؤا بفعل مجموعة من العوامل التي تعيق التقدم المنشود، من قبيل استمرار الهشاشة الإجتماعية والهدر المدرسي في صفوف الفتيات وضعف مستويات الدخل وتراجع الإدماج الاجتماعي للشباب في سوق الشغل.

ورغم ارتقاء المغرب في تصنيف مؤشر التنمية البشرية العالمي بثلاث رتب، إلا أنه لازال يتذيل الترتيب العالمي في مؤشر التنمية البشرية، حيث يحتل المرتبة 120 و برصيد 0.698 نقطة من أصل نقطة واحدة، مقارنة مع دول أخرى تشهد صراعات وحروبا ومشاكل سياسية، اقتصادية واجتماعية، بينها العراق ولبنان وفلسطين وليبيا والجزائر وأوكرانيا..

وفي هذا الإطار، نشير إلى أن التنقيط الحالي، مرده بالأساس يرجع إلى استمرار الفجوة في مواكبة التطورات الجارية في العالم، بفعل تداعيات الإستقطاب السياسي الدولي، والإملاءات التخريبية لصندوق النقد والبنك الدوليين، والارتباط الأعمى بالدولار وضعف الرؤية جيو-ستراتيجية وعدم الانضمام إلى مجموعة دول “بريكست..”

أما على المستوى الوطني، فإن مجموعة من العوامل تعيق التنمية البشرية وتحول دون تقدم المملكة المغربية اقتصاديا؛ حيث لازال التخبط في تنزيل النموذج التنموي الجديد، بسبب غياب الأجرأة الفعلية في تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على مستوى جميع مؤسسات الدولة، ضف على ذلك عدم رضى المواطنين والمواطنات عن النظام التعليمي القائم وعن جودته، ناهيك عن غياب معايير الشفافية والنزاهة في بعض الصفقات العمومية وانتشار الفساد والمحسوبية وعدم تطبيق القوانين والتهرب الضريبي، وانتشار الرشوة والمحسوبية وتضارب المصالح، ضف على ذلك انتشار الإثراء غير المشروع، والإنحراف المالي والإقتصادي والسياسي، فضلا عن ضعف الحكامة المالية لبعض المؤسسات .

وفي سياق متصل، نسجل أيضا إلى أن هذا الترنح في دينامية التنمية البشرية راجع إلى ضعف بعض النخب السياسية وأطر الإدارة الترابية في صنع السياسة العمومية بسبب انعدام المسؤولية والجدية وعدم القدرة على تدبير عمومي ترابي ذي جودة وفعالية وحكامة.

إن هذا النكوص التنموي المعبر عنه في التقرير العالمي حول التنمية البشرية 2024/2023، تتداخل فيه كذلك عدة عوامل؛ وهي لا تعيق التنمية البشرية فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى تفاقم الحقوق المدنية والإجتماعية والإقتصادية، و تآكل الثقة في المؤسسات، إذ يعيش المغرب وضعا حقوقيا صعبا يتعلق في التضييق على حرية الرأي والتعبير، ومتابعة مجموعة من النشطاء السياسيين والنقابيين والحقوقيين والمدونين والصحفيين.

كما أن الاحتقان الذي شهده قطاع التعليم، ونتج عنه شلل كبير وتوقف للدراسة في المدارس العمومية، ضف على ذلك التـــوقيفـــات الإداريـــة والماليـــة التعسفيــة والإقتطــاع الــلاقـــانـوني من أجــور المضربـــيــــن والمضــــربــــات، ناهيك عن متابعتهم ومحاكمتهم، فإن من شأن كل ذلك أن يرخي بظلاله على جمود مؤشر التنمية البشرية.

كما ساهمت أزمة العطش والجفاف وندرة المياه، وتغير المناخ وأزمة الفلاحة والمخطط الأخضر وغلاء المعيشة بسبب ارتفاع الأسعار، علاوة على جشع شركات المحروقات، في تباطؤ دينامية التنمية البشرية بالمملكة.

ويرجع أيضا هذا التباطؤ في التفاوتات الطبقية وغياب العدالة الإجتماعية، وتسجيل ارتفاع مضطرد لمعدلات البطالة في صفوف الخريجين وحاملي الشواهد العليا، إذ وصل المعدل الوطني إلى% 13، أمام عجز الحكومة عن توفير فرص التشغيل، حيث تم تسجيل 1.580.000 عاطل على المستوى الوطني، وفق تقديرات مندوبية التخطيط.

كما يعزى تدني مؤشر التنمية البشرية حسب التقرير الأممي إلى التفاوت المسجل في مؤشرات التنمية بين العالم الحضري والعالم القروي، وبين جهات المملكة. بالإضافة إلى عوامل الهجرة القروية و ارتفاع النمو الديمغرافي.

ورغم المجهودات التي بذلها المغرب من أجل تنفيذ مختلف أوراش الدولة الاجتماعية طبقا للرؤية الملكية، لا سيما من خلال مباشرة إصلاح عميق لمنظومة الصحة والتعليم، وتعميم الولوج للتغطية الصحية وإطلاق برنامج الدعم الاجتماعي المباشر والدعم المباشر للسكن وإقرار منحة الولادة، فلا زالت مجموعة من الإختلالات تحول دون تنزيلها على أرض الواقع، بفعل تعمد الحكومة المغربية إقصاء شريحة واسعة وعريضة من المجتمع المغربي، تضم فئات من الفقراء والمعوزين؛ من برنامج “أمو تضامن ” وبرنامج الدعم الاجتماعي المباشر، ناهيك على هذا الأخير والمحدد في مبلغ الــ 500 درهم ضئيل جدا وغير كاف بالنسبة للفئات الاجتماعية، التي تحتاج إلى المساعدة، وتشمل الأطفال في سن التمدرس، أو الأطفال في وضعية إعاقة، أو الأطفال حديثي الولادة، إضافة إلى الأسر الفقيرة والهشة بدون أطفال في سن التمدرس، أو التي تعيل أفرادا مسنين، ما يحول دون التزام تام بالأجندة الملكية المعلنة.

بينما على المستوى المحلي، فمؤشرات التنمية البشرية يعكسها التقرير العالمي في الهشاشة الإجتماعية، وذلك راجع لضعف أداء السياسات العمومية بمختلف برامجها الموجهة للشباب والمرأة والطفولة.

ومن هذا المنطق، فقد شهدت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مجموعة من الإختلالات بفعل انعدم تناسبية البرامج والمشاريع المستهدفة، وعدم التقائيتها وتكاملها ونجاعتها، ما ساهم في جمود التنمية المستدامة وعدم تفعيل التوجيهات الملكية السامية، كما عرفت المبادرة الوطنية طغيان منطق الريع والمحاباة وتفريخ الجمعيات غير المسؤولة والهجينة المدعومة حزبيا، ما ساهم في تبديد الأموال العمومية وتعثر الأوراش الملكية وفشلها، كما أن بعض المشاريع التنموية غير موجودة في الواقع، بل هي مجرد عناوين في جرائد إلكترونية وورقية.

هذه الإختلالات انتقدها العاهل المغربي الملك محمد السادس في أحد خطاباته عن الواقع الاجتماعي في المغرب، حيث قال بأن المغرب يشهد “مفارقات صارخة من الصعب فهمها”، وأن “برامج التنمية البشرية والترابية، التي لها تأثير مباشر على تحسين ظروف عيش المواطنين، لا تشرفنا، وتبقى دون طموحنا”، ودعا بإعادة هيكلة شاملة وعميقة، للبرامج والسياسات الوطنية، في مجال الدعم والحماية الاجتماعية.

هذا الوضع المعيب والمقلق، المضمن في التقرير جاء نتيجة وجود اختلالات تنموية، سواء على مستوى وجود فوارق وإكراهات اجتماعية يعكسها انتشار الفقر والتهميش ووجود إشكالات تتعلق بمنظومة التعليم والصحة والتشغيل والتشغيل الذاتي، إضافة إلى تراجع مكانة الطبقة المتوسطة داخل المجتمع، و وجود اختلالات مجالية يجسدها واقع التنمية غير المتوازنة بمختلف الجهات.

وتجدر الإشارة إلى أن برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية، يعتمد في تقاريره على خبراء محايدين، لا ينحازون لأي دولة، كما أن المنهجية التي يتبعها في إنجاز تقاريره و دراساته تكون موحدة بالنسبة لكل الدول موضوع التقارير.

المكتب التنفيذي :

بتاريخ 29 مارس 2024

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى