مجرد رأي

عزمي بشارة: المصلحة الوطنية لكل بلد عربي تقتضي دعم الفلسطينيين اليوم.

استبعد المدير العام لـ”المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” الدكتور عزمي بشارة تحقق أي سيناريو لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أو الضفة الغربية طالما أن هناك موقفا رافضا جديا من مصر والأردن. وفي حين اعتبر بشارة، خلال حوار هو الرابع له مع تلفزيون “العربي” من مدينة لوسيل في دولة قطر، أن المقاومة لم تشرك سوى عشرة في المائة من قدراتها حتى الآن في القتال، رأى في المقابل أن الأمن الوطني لكل بلد عربي يفرض على الأنظمة اتخاذ الموقف الصحيح اليوم من إسرائيل وإلى جانب الفلسطينيين، وأعرب عن اعتقاده بأن مصر لا تستغل ما لديها من نفوذ لكسر حصار غزة، وكشف على صعيد آخر تفاصيل جديدة تتعلق بمفاوضات تبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال.
أداء المقاومة:
وقال المفكر العربي عزمي بشارة إن جزءاً صغيراً ربما لا يتجاوز العشرة في المائة من قدرات المقاومة الفلسطينية أُشرك في القتال حتى الآن، متوقعاً أن تزداد ضراوة هذه المقاومة عندما يتجرأ الاحتلال على النزول إلى حيث هي، أي “تحت الأرض” في الأنفاق، ورأى أن إفراغ إسرائيل المناطق والمنشآت من سكانها سيرتد عليها، لأن ذلك يزيد ضراوة أعمال المقاومة، ذلك أنه “بعدما تنتهي إسرائيل من المهمة السهلة، أي قتل المدنيين، يبدأون مواجهة المقاومة الشرسة” مثلما حصل أخيراً في مستشفى الرنتيسي وأماكن رئيسية في شمال غزة أُفرغت من سكانها وتتركز أعمال المقاومة هناك حالياً. وكرر بشارة الإفصاح عن قناعته بأن القدرة الإسرائيلية على تحمل الخسائر ليست غير محدودة، لكنهم قادرون على تحمل المزيد حتى الآن طالما أن الإجماع الداخلي على الحرب لا يزال موجوداً وطالما أن الدعم الأميركي لا يزال متوفراً، وقارن ما بين قدرتهم على تحمل الخسائر بين قطاع غزة وحرب لبنان 2006، ففي هذا البلد قدرة تحمل الخسائر “محدودة لأن لا إجماع إسرائيلياً على احتلال لبنان على عكس حال غزة”. ونال أداء المقاومة الإعلامي حيزاً من ملاحظات بشارة الذي شدد على أن “الناس اليوم أكثر ميلاً لتصديق سردية المقاومة لذلك عليها سردها بتفصيل أكثر”.
ومن بين ما يجب تشريحه، بحسب مدير المركز العربي، ما حصل بالتفصيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في إشارة إلى العملية العسكرية في المستوطنات. واستدرك بشارة بأنه “نظراً إلى حجم ما حصل منذ ذلك اليوم إلى الآن، قد تبدو العودة إلى أحداث 7 أكتوبر تفصيلاً وغير مناسبة ربما، لكن نشر إسرائيل نفسها بعض ما حصل في ذلك اليوم يوفر توقيتاً مناسباً للمقاومة لكي تقدم روايتها” لتلك الأحداث، في إشارة إلى كشف الإعلام العبري عن عدد الإسرائيليين الذين قتلهم جنود الاحتلال عن طريق الخطأ واحتُسبوا من ضمن من قتلهم الفلسطينيون في ذلك “السبت الأسود” وفق التسمية الإسرائيلية. وفي إطار متصل بالفكرة نفسها، أوضح بشارة أن بعض المؤسسات الإعلامية الدولية تحاول حفظ ماء الوجه حالياً مثل “بي بي سي” و”سي أن أن” لاستدراك ترويجها للأكاذيب الإسرائيلية، مشدداً على أن “هذه معركة إعلامية يجب أن تخاض بلا هوادة من أجل الحقيقة وكشف الأكاذيب”.
ورداً على سؤال عن عدم اتعاظ الدولة العبرية من دروس التاريخ لتدرك عدم جدوى الضغط على البيئة الشعبية لكي تتخلى عن المقاومة، لفت بشارة إلى أن الاستعمار الاستيطاني الإحلالي ينتج مفاهيم شبيهة بمنطق حكام إسرائيل أن الفلسطينيين “حيوانات بشرية”، وهذا منطق “يمنعهم من التفكير بعقلانية لإدراك أن الحل السياسي هو الحل الوحيد مع الفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقيين”، وأشار إلى أن هؤلاء، في حال أبرموا سلاماً مع إسرائيل، يكونون هم من تنازلوا وليس إسرائيل. وخلص في هذا الإطار إلى أن “هذه المقاومة الفلسطينية التي يريدون القضاء عليها ولا يجرؤون على النزول إلى حيث هي تحت الأرض، سيكونون مجانين لو رفضوا لاحقاً محاورتها سياسياً”.
صفقة الأسرى :
وتوقف بشارة عند بعض تفاصيل مفاوضات تبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال بوساطة قطرية، فاستبعد أولاً وجود هذا الكم الذي يُحكى عنه أحياناً من الخلافات بين المسؤولين الإسرائيليين في كل ما يتعلق بالحرب، ذلك أن الجنرالات يضعون خطة الحرب وهم ماضون فيها ومتفقون عليها وهو ما يسري على مفاوضات “صفقة الأسرى”، كذلك فهم جميعاً متفقون على أن الطريقة المثلى لتحرير الأسرى والرهائن الإسرائيليين هي الضغط العسكري الإضافي على حماس، وهو ما وصفه بـ”التدمير الانتقامي القبلي البدائي” للمجتمع الفلسطيني لكي يشكل ذلك ضغطاً على حماس، وهذا أحد تعريفات الإرهاب. وعن هذا الموضوع كشف أن الجنرالات لا يزالون يرفضون عدد أيام وقف إطلاق النار الذي تطالب به “حماس”، ولا يزالون غير مصدقين أن “حماس” تدرك مكان احتجاز خمسين مدنياً إسرائيلياً فقط في القطاع، وأعرب عن تمنيه وتوقعه أن تنتهي هذه الصفقة “اليوم أو غداً”. كذلك كشف بشارة أن الإسرائيليين تخلوا عن أصحاب الجنسيات المزدوجة، وأوضح أن “حماس” تطلق سراح هؤلاء “بمبادرة منها”. أدلّة كثيرة دفعت بالمفكر العربي إلى التأكيد مجدداً أن الأسرى الإسرائيليين “ليسوا أولوية لحكومة نتنياهو”، منها أن “حماس” حذرتهم مراراً من أن بعض هؤلاء الأسرى يلقون حتفهم. وذكّر بشارة بأن عدم إيلاء الأسرى الإسرائيليين الأولوية لحكومات تل أبيب “ليس أمراً جديداً والتاريخ يقدم لنا أمثلة عديدة على ذلك”. وختم رده على سؤال يتعلق بمفاوضات صفقة التبادل بأن المطروح حالياً هو أن “حماس” تدرك مكان وجود خمسين أسيراً ورهينة في غزة، وهي تعرض وقف إطلاق نار لعدد أيام كاف لجمعهم في مكان واحد وتأمين نقلهم لتسليمهم للسلطات الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح الأطفال والنساء الفلسطينيين الأسرى، ومقابل إدخال المعونات بشكل كاف ويتجاوز الـ150 شاحنة وقود وغاز كافية لتشغيل القطاعات الحيوية، “والقرار في الملعب الإسرائيلي لرفضه أو الموافقة عليه”.
التهجير مستبعد:
وعما يُحكى عن مخططات التهجير، بدءاً من أهل غزة وصولاً إلى الضفة الغربية، وصف بشارة هذا الاحتمال بـ”الصعب” لأن ذلك “لن يحصل من دون سماح الإقليم بذلك، مصر ولاحقاً الأردن بشكل أساسي”، وإن لم يقلل من خطر ما يفكر به “بعض المهووسين الإسرائيليين” لناحية تخفيف عدد سكان غزة. لكنه رجح أن يكون الهدف الحقيقي من وراء الإجرام الإسرائيلي الفائق، هو استعادة هيبة الردع التي فقدوها في السابع من أكتوبر والقضاء على حماس وليس التهجير، فالمجتمع الإسرائيلي، على حد تعبير بشارة، “يتصرف خلال الأزمات كقبيلة تتوحد بشكل ثأري بدائي لكي تلقّن الطرف الآخر درساً”. وعما يحصل في الضفة الغربية مع طرد فلسطينيين من منازلهم، شرح بشارة أن المستوطنين هناك يحاولون استغلال ما يحصل في غزة لابتزاز السكان الذين يطمعون في أراضيهم الزراعية ولتهجيرهم، “وهذا لفت انتباه العالم”. لكنه جزم بأن “تهجير أهالي الضفة إلى الأردن قضية صعبة الحصول، وبمقدور العرب، مصر والأردن، إفشال مخططات التهجير”.
مصر وكسر الحصار :
وفي الانتقال إلى تقييمه للسلوك المصري تجاه الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، اختصر بشارة الوضع بالقول: “طالما أن دولة كبيرة مثل مصر تنتظر إذناً من الطرف الآخر لإدخال أو إخراج جرحى ومساعدات، فهي لا تستغل كل ما لديها من نفوذ كأكبر دولة عربية متوقع منها أن تفعل أكثر مما تفعله اليوم”، وذكّر في هذه الغضون بأن “لا أحد في غزة يريد أي مشكلة مع مصر، الجار العربي الوحيد لهم”. ومن نقاط قوة مصر، برأي بشارة، أن “إسرائيل وأميركا كلتيهما بحاجة إليها ولن تفتحا حرباً ضدها” في حال قررت إدخال الشاحنات بقرار سيادي منها، من دون نسيان أن مصر مدعومة بتعهد من 58 دولة (عربية ومسلمة)، في إشارة إلى مقررات قمة 11 نوفمبر/تشرين الثاني العربية ــ الإسلامية المشتركة في الرياض. هذا في الجانب الإنساني، أما سياسياً، فكرر بشارة ما سبق له قوله في مقابلاته السابقة مع تلفزيون “العربي” عن أن “ما يحصل في القطاع يحتاج إلى موقف عربي فيه خطوات تأخذها إسرائيل بجدية مثل قطع العلاقات وأمور استراتيجية أخرى”. في مقابل ما هو مطلوب عربياً، توقف بشارة عند حقيقة أن بعض الدول العربية تمنع رفع العلم الفلسطيني، وهو ما لا يحصل في إسرائيل حتى، وتمنع أي تظاهرة تضامن مع الفلسطينيين. وفي حين استعرض مبرر بعض البلدان العربية في ما يتعلق باتخاذ موقف سلبي تجاه القضية الفلسطينية، بأنه يتصل بالعلاقات مع أميركا وبعدم الرغبة في مشاكسة الموقف الغربي، حذّر بشارة من أن “ما يجب أن يفهمه الحكام العرب أن مصلحتهم ومصلحة الأمن الوطني لبلدانهم تفرض عليهم اتخاذ الموقف الصحيح اليوم من إسرائيل وإلى جانب الفلسطينيين”.
أميركا والسلطة الفلسطينية المتجددة
وفي حواره الرابع مع تلفزيون “العربي” منذ بدء العدوان على غزة، أصرّ بشارة على أن لا خلاف جدياً بين أميركا وإسرائيل حتى الآن. وقد أقر بوجود ما سماها “خلافات تفصيلية” مثل المدى الذي من الممكن أن تصل إليه إسرائيل في حربها، لكنه وصف كل ذلك بأنه “طلبات وتمنيات بلا إدانة ولا موقف”، بدليل ما ورد في مقال الرئيس الأميركي جو بايدن في صحيفة “واشنطن بوست” قبل أيام، ووصف الحديث الأميركي عن “إعادة تجديد القيادة الفلسطينية” لتحكم غزة يوماً ما بأنه يندرج في إطار “الوعد بأمر جديد” وكأن المشكلة في فلسطين تكمن في تغيير القيادة في الضفة وليس الاحتلال والعدوان والاستيطان. وسخر بشارة من واقع أن بايدن وإسرائيل يريان أن الرئيس محمود عباس متشدد في بعض المواقف (حدود الرابع من حزيران/ يونيو والقدس) ويريدان منه تقديم تنازلات أكثر. ونبّه من أن بايدن يتحدث عن حل الدولتين “في إطار الرأي الشخصي” وليس كسياسة أميركية ملزمة، لذلك “كل الثرثرة اليوم عن حل الدولتين هو بيع كلام رخيص لأن الموضوع اليوم ليس أي أمر غير وقف الحرب على غزة”، على حد تعبير المفكر العربي عزمي بشارة، الذي لاحظ أنّه “حتى هذا الكلام غير الملزم لا توافق عليه إسرائيل لأنها تفضل أن تجد مليشيا تحكم قطاع غزة بدل أن تكون هناك سلطة واحدة تحكم الضفة وغزة”. وأشار بشارة إلى أنه “إذا استمر هذا اللاموقف العربي إزاء ما يحصل، فستشعر إسرائيل بعد انتهاء الحرب بأنها غير ملزمة بتقديم أي شيء نهائياً للعرب”. وبرأي بشارة، فإنّ سلوك السلطة الفلسطينية يُظهرها كأنها عدوة نفسها مع أنها تعرف حجم المؤامرة الإسرائيلية عليها وأن الدور آتٍ عليها. وتساءل بشارة في هذا السياق: “هل يعقل أن أول اتصال تجريه السلطة بحركة حماس يحصل بعد 40 يوماً من بدء العدوان؟”. وسرد بشارة أمثلة على ما يسميها رداءة مواقف السلطة، منها أن ممثليها ومؤسساتها لم يتوجهوا حتى اليوم إلى معبر رفح في إطار الضغط لفتحه.
عزمي بشارة: بايدن يتحدث عن حل الدولتين في إطار الرأي الشخصي وليس كسياسة جدية
متلازمة المستشفيات:
وفي اليوم الـ44 للعدوان، خلص بشارة إلى أنه أصبحت لدى الاحتلال ما يمكن تسميتها “متلازمة المستشفيات” في قصفها وقتل المرضى وصولاً إلى إخلائها وهذا أمر غير مسبوق في وحشية استهداف المستشفيات، وكرر التذكير بفداحة الكذب الإسرائيلي الذي فُضح في ما يتعلق بالأنفاق والتجهيزات العسكرية في المستشفيات، لكنه استدرك بأنه “حتى ولو كان هناك مقاتلون في المستشفيات، وهو ما لم تظهر صحته، ممنوع قصف المستشفيات”، وختم بالقول إن فضيحة استهداف المرافق الصحية “فضيحة برسم المجتمع الدولي وليس لإسرائيل فحسب”. في الخلاصة، بقي بشارة مصرّاً على أنه “طالما أن هناك ضوءاً أخضر أميركياً وإجماعاً إسرائيلياً على الحرب وغياب أي خطوات عربية جدية، فيجب علينا توقع الأسوأ”.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى