يا صاح …
بقلم أبو أيوب
لعل ما يجري من أحداث على صعيد الأقاليم الجنوبية قد يجسد حقيقة مفترق طرق بين الواهم و المتوهم .
الأول يسعى لفرض سيطرته على المعبر الحدودي مع موريتانيا لتشديد الخناق على الحركة التجارية المغربية مع العمق الإفريقي ، و بالتالي فرض أمر واقع آخر على الأرض و تكبيد الإقتصاد المغربي خسائر فادحة اقتصاديا ، و نجاحا جيوسياسيا في الزمكان المغاربي و الإفريقي على الخصوص .
نجاح قد يستثمر لشد عضده بالأمم المتحدة و في مجلس الأمن الدولي ، و ما الرسالة التي بعث بها زعيم الخصم إلى الأمين العام الأممي و من خلاله إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي ، إلا خير دليل على تصعيد في اللهجة و نهج جديد مؤداه إمكانية التحلل من التزاماته مع المنظمة الدولية ، في حالة إخلال بعثتها المينورسو و عجزها عن تجسيد ما انتذبت لأجله وفق القرارات الأممية ذات الصلة ( تنظيم استفتاء تقرير المصير بحسب زعمه) .
رسالة تستمد رمزيتها و خطورتها ممن تكفل بحملها ( دولة جنوب إفريقيا ) و هذا ما قد يشكل منعطفا خطيرا في معالجة نزاع الصحراء ، خطورته تكمن في رمزية حامل الخطاب ( رئاسة الإتحاد الإفريقي/ عضو غير دائم بمجلس الأمن الدولي ) .
أما الطرف الثاني و بعد مرحلة من الجمود زادتها أزمة كورونا تفاقما ، يبدو في الفترة الأخيرة و كأنه يسابق الزمن أو في عجلة من أمره ، و في هذا هو في أمس الحاجة إلى تحقيق اختراقات ديبلوماسية لبعض الدول الإفريقية الحليفة ، تعويضا عن فشله في أزمة معبر الكركرات … فلا هو بقادر على وضع حد للأمر المفروض و لا الأمم المتحدة نجحت في نزع فتيل الأزمة … فتح قنصليات جديدة بمدينة الداخلة حاضرة وادي الذهب أمر جيد ، لكنه لا يرقى إلى مستوى التحدي لا سيما في حالة إغلاق المعبر نهائيا ، و هذا هو المتوقع من خلال استقراء معطيات و مجريات الأمور من زاوية جيوسياسية .
أمام هذا الوضع الطارئ على الجغرافيا ، بعض التسريبات تشير إلى إمكانية استغناء المغرب عن معبر الكركرات و الإستيعاض بدلا عنه اقتصاديا بمينائي الداخلة أو مهيريز ، لتفادي أية مواجهة مباشرة مع الأمم المتحدة إن هو حاول عسكريا وضع حد للأمر المفروض بالكركرات ، و في هذه الحالة قد يصبح متهما بخرق البند العسكري الأول من اتفاق وقف إطلاق النار ، بالتالي يكون الخصم قد حقق إنجاز إغلاق المعبر ،من شأن هذا أن يتسبب بتكاليف إضافية في المعاملات التجارية للمغرب مع إفريقيا ، و خسارة جيوستراتيجية ( فشل في بسط سيطرته و سيادته على كامل جغرافية الإقليم ، بهذا تفرغ مقولة من طنجة إلى الكويرة من محتواها من منطلق أن الأمر لم يعد يتجسد بعد في الجغرافيا ) .
التحدي الأساس ، الوضع المتفاقم بالأقاليم الجنوبية سواء ما تعلق منها بتحركات بوليساريو الداخل أو المخيمات ( أميناتو حيدر – إنتخاب رئيس جديد للكوديسا – قناة ميزيرات للإعلام – وقفات المعطلين بالمدن الصحراوية/ تحركات معبري الكركرات و مهيريز – تحركات ما يسمى بالمجتمع المدني الصحراوي في البلدات التي يسيطر عليها الخصم شرق و جنوب الخط الدفاعي المغربي – إعلان حالة الإستنفار القصوى في النواحي العسكرية – نشر أفراد ما يسمى بالدرك الوطني وراء مواقع المعتصمين بالكركرات …) .
تحدي لم تجد الأمم المتحدة مقابله بدا من تعزيز أطقم بعثتها المينورسو إلى الصحراء في الوقت الذي ينكب فيه مجلس الأمن الدولي ، على البحث عن أرضية تساعد الأمم المتحدة على إيجاد حل عملي مقبول من كل الأطراف ، أمر يصعب الحصول عليه أمام تمترس كل الأطراف حول رؤيتها للحل … بالتالي و على ضوء تعذر اتفاق الفرقاء يصبح لزاما على مجلس الأمن التدخل و الضغط على الطرفين أو أحدهما ، مع ترقب نقل الملف من البند السادس (غير إلزامي) إلى البند السابع ( إلزامي مع فرض عقوبات ….) من ميثاق الأمم المتحدة .
مطالب ممثل الصين الدائم بالأمم المتحدة إلى أمينها العام السيد أنطونيو غوتيريش أثناء تدخله في كلمة له أمام الجمعية العامة للمنظمة الأممية ، طالب من خلالها الأمين العام الأممي بضرورة الإسراع في إجراء استفتاء تقرير المصير للأقاليم 17 التي لم يقرر مصيرها بعد ( الصحراء الغربية المغربية واحدة منها بحسب التوصيف الأممي ) . كلمة من هذا القبيل تحيلنا إلى موقف الصين العضو الدائم إلى جانب ر سيا بمجلس الأمن الدولي و نظرتهما للنزاع حول الصحراء ، و هذا ما يشكل بتقديري ضغطا على المملكة المغربية ، و إلا بماذا نفسر نظرتها للأقاليم السبعة عشر ، موقف في حد ذاته يساند ضمنيا الأطروحة المعاكسة للطرح المغربي .
كما تجدر الإشارة إلى أن المغرب قد عمد منذ حوالي سبع سنوات إلى طرد بعض من المكون المدني و العسكري لبعثة المينورسو من الصحراء ، و كان هذا بمثابة رد صريح على ( انزلاقات المبعوث الأممي السابق الأمريكي كريستوفر روس / تصريحات الأمين العام الأممي السابق الكوري الجنوبي بان كي مون التي اعتبرها المغرب آنذاك مستفزة و غير حيادية ) . وقتذاك صدر قرار لمجلس الأمن الدولي يطالب المغرب السماح بعودة المكون المدني و العسكري .
الأخبار الواردة من الأمم المتحدة تفيد اتخاذها قرار تعزيز بعثتها للصحراء بحوالي 100 عنصر على دفعات بداية من شهر مارس الماضي ، لكن جائحة كورونا حالت دون الإسراع في التنفيذ .. و قد تعذر الأمر لمدة معينة قبل تفعيله من جديد و مباشرة إرسال الدفعات .
قبل حوالي شهرين ، شهد مطار الحسن الأول بالعيون وصول المجموعة الأولى من التعزيزات ، و اليوم الأحد وصلت الدفعة الثانية من المكون العسكري إلى مطار محمد الخامس الدولي ، كمحطة أولى قبل الإنتقال جوا نحو مقرات البعثة الأممية لمباشرة مهامهم ، دفعة وصل قوامها عشرة أفراد ثمانية صينيين و عنصران من جمهورية الهوندراس ( الأولى متعاطفة مؤيدة ضمنيا و الثانية معترفة علانية …!) ، و قد يعتبر الأمر ضغطا نفسيا فمن يدري ؟ .
بالتالي يطرح السؤال ، هل انصاع المغرب للمشيئة الأممية ؟ و في هذه الحالة و على ضوء التراجع عن موقفه السابق ، يكون المغرب قد وضع نفسه في موقف محرج ، و أبان شيئا ما عن ضعف موقفه في مواجهة متطلبات المرحلة الحالية …! مرحلة تستوجب الحسم و الصرامة و القطع النهائي مع سياسة انتهجها منذ أمد بعيد و لم توصل إلى نتيجة تذكر .
شعارات براقة من قبيل من طنجة للكويرة و المغرب في صحرائه و الصحراء في مغربها قد تفقد بريقها بحسب بعض المحللين ، تمكن المغرب من استرجاع مساحات واسعة من الجغرافيا أمر منم ، لكن الأهم في نفس الوقت أنه فشل في كسر شوكة الخصم ” الكركرات / عدم التمكن من حل الهيأة الصحراوية لمناهضة … و العجز عن تقديم مؤسستها أميناتو حيدر للمحاكمة مثال ” ، و هذا ما يوحي إلى عدم توفقه بدرجات مختلفة في كسب قلوب الساكنة … البعض منهم لا زالوا متشبثين بمواقفهم المناوئة في مدن كالسمارة و العيون و بوجدور و الداخلة .
فالوصف بالمحتجزين قسرا و المغرر بهم ( تظاهراتهم في الكركرات و مهيريز و بلباو و باريس لا تجسد كونهم محتجزين ….! و النعث بالبلطجية و المرتزقة كما جاء على لسان وزير الخارجية المغربي لا تستميل القلوب ، قلوب إخوان لنا وجبت استمالتها و تعاطفها مع قضايا الوطن ، إذ كيف نطالب مرتزق و مغرر به و محتجز غصبا عنه أو لاجئ يعيش بكندا أو فرنسا أو إسبانيا بالعودة إلى رحاب وطن ينعثه بأقدح الصفات ) .
بالرجوع إلى قضية فتح القنصليات و تصريحات الوزير المغربي في الخارجية ذات الصلة بافتتاح قنصلية بوركينافاصو بالداخلة ، تمت الإشارة إلى أن حجم الإستثمارات المغربية بفولتا العليا سابقا رسى على 10% من حجم استثماراته بعموم إفريقيا ( شيء جميل يشكر عليه ) ، لكننا بالمقابل لا نعرف مقدار الأرباح و المداخيل و لا أحد باستطاعته الكشف عن رقم المعاملات …! ، و قد شمل الإستثمار المغربي قطاع البنوك و الإتصالات و التعمير و بناء الطرق و استصلاح الأراضي و تصدير مشتقات الفوسفاط ….
هذا ما يعجل بطرح السؤال عن مدى استفادة خزينة الدولة من أرباح و مداخيل الإستثمار ، أي بما معناه ، قطاع البنوك مهيمن عليه من طرف فئة محصورة/ شركة الإتصالات ملكية أغلب أسهمها كانت من نصيب فيفاندي الفرنسية التي فوتتها لدولة الإمارات …!/ التعمير تستحوذ عليه شركة الضحى لصاحبها مول الغاسول سابقا …!/ إستصلاح الأراضي و تصدير الأسمدة من نصيب المكتب الشريف للفوسفاط ، مداخيله غير مدرجة في ميزانية الدولة و أسهمه غير مدرجة كذلك في بورصة القيم ..!
بالتالي علامات استفهام كبرى تطرح عمن المستفيذ من هذه الإستثمارات …، مع سابق العلم أنه ليس الإقتصاد المغربي بكل تأكيد ، بالتالي يصبح الإستثمار شخصانيا خاصا و ليس مشروع دولة يدر موارد مالية على خزينتها و قيمة مضافة للمشاريع التنموية ….
زوار موقع الجديدة نيوز و متتبعيها ، كانت هذه قراءة من نوع مغاير لمجريات الأحداث ، قد نتفق حولها أو تتعارض الآراء بشأنها ، لكنها في نهاية المطاف تبقى عبارة عن تساؤلات و تكهنات قد تفتح بابا للنقاش ، لنا نحن معشر المغاربة المعنيون مباشرة بمخرجاته ، يؤلمنا ما يتعرض له الوطن من استفزاز و ابتزاز ، كما يضرنا ما نتعايش معه من تطاول و تكالب و محاولات إطباق طوق حصار ….
الجميع معني بمصير البلد و لا أحد بإمكانه أن يزايد على أحد في وطنيته و انتمائه مهما علا أو تدنى شأنه ، هكذا ولدت و ترعرعت قبل الفطام … غيور وطني أنا حتى النخاع … و إذ أكتفي بها ، أستودعكم على أمل أن يتجدد اللقاء ، فاللهم لا تورينا في هذا الوطن مكروها ، و احفظه بما حفظت به السبع المثاني ، و اشف مرضاه و نور عقلية من أسند لهم أمره ، و اسق زرعه و ضرعه يا ذا الجلال و الإكرام .