سقوط الأقنعة
بقلم أبو أيوب
القرار الأممي الصادر سنة 2014 فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب و الجريمة المنظمة … ينص على الإمتناع أو التجاوب أو التعامل مع التنظيمات الإرهابية المصنفة بموجب القرارات الدولية ( القاعدة و تفرعاتها بدول الساحل و الصحراء – داعش – جبهة النصرة – بوكو حرام … مثال ) . تقديم فديات مقابل إطلاق سراح رهائن محتجزين لدى التنظيمات الإرهابية محرم دوليا ، لكن بعض الأنظمة السياسية التي تتشدق بالديموقراطية و المساواة و حرية الرأي و التعبير … تأبى التجاوب مع ما صوتت لصالحه و مررته كقانون باسم الشرعية الدولية بينما تخرقه في وضح النهار …
منذ حوالي ثلاثة أشهر و الدولة العميقة في بلد اللوفر و المسارح و الأنوار ، تباشر مفاوضاتها مع مجموعة إرهابية تنشط شمال مالي ، من أجل اطلاق سراح ثلاث رهائن أوروبيين بينهم المواطنة الفرنسية صوفي بونتنان ، و هي بالمناسبة الفرنسية التي أشهرت إسلامها و تسمت باسم مريم بمجرد أن وطأت قدماها أرضية المطار بعد إطلاق سراحها ، و هي نفسها التي استقبلها الرئيس ماكرون شخصيا بالمطار بهدف استغلال الحدث انتخابيا .
المفاوضات في آخر المطاف أفضت إلى اتفاق و إطلاق سراح الرهائن الأوروبيين مع بداية أكتوبر الجاري ، مقابل فدية مالية بمبلغ ثلاثين مليون يورو و إطلاق سراح حوالي 200 عنصر إرهابي شمال مالي حيث تنشط القوات الفرنسية في محاربة الإرهاب ..! فعن أي إرهاب يتحدثون بعدما وفروا له سيولة نقدية بالعملة الصعبة ؟ بالتالي ألا يعد هذا تمويلا لتنظيم إرهابي و إضفاء لشرعية ؟
غريب أمر فرنسا و عجيب تعاملها مع التنظيمات الإرهابية ، التي تتخذها بحسب بعض المحللين مطية لتبرير تواجدها العسكري و ديمومة سيطرتها السياسية على أنظمة الحكم و استغلال ثروات و خيرات شعوب المنطقة … و يزداد الأمر غرابة و لغزا ، أي بما معناه محتوى الرسائل المراد بعثها من خلال تزامن المدة التفاوضية “3 اشهر” و العدد “3 رهائن” و الفدية” 30 مليون يورو” و تاريخ إطلاق السراح “3 أكتوبر” مع اختلاف في عدد الإرهابيين المطلق سراحهم “200 إرهابي” … فهل هي مجرد صدفة أم نتاج تخطيط و خطة مدروسة …؟ تساؤلات تطرح …
( يوم 27 أكتوبر الجاري و في بلاغ رسمي صادر عن وزارة الدفاع الجزائرية ، من خلاله تم الإعلان عن اعتقال أحد العناصر الإرهابية المفرج عنهم مؤخرا حيث تم توقيفه بتلمسان في الغرب الجزائري ، و يتعلق الأمر بالمدعو مصطفى جرار الذي التحق بصفوف التنظيمات الإرهابية سنة 2012 …!) ، حيث قطع آلاف الكيلومترات من مكان إطلاق سراحه شمال مالي ، مرورا عبر الحدود المالية الجزائرية في اتجاه الشمال الغربي للجارة الشرقية حيث تم اعتقاله .
و هذا ما يعطي الإنطباع بأنه كان مراقبا منذ عملية الإفراج … و بأن عملية تسلل الإرهابيين تكشف حجم التعاون و التنسيق المخابراتي الفرنسي مع التنظيمات الإرهابية بشمال إفريقيا و منطقة الشرق الأوسط ( تصريحات لوران فابيوس الوزر الفرنسي السابق عن سؤال وجه له بشأن الحرب على سوريا حيث أجاب بوقاحة : Je peux dire que DAEICH et NOSRA font du bon travail , و هي إشارة إلى الأعمال الإرهابية التي كانت تقوم بها داعش و جبهة النصرة بسوريا ) .
اليوم الدولة العميقة ببلد الحريات تسقط القناع عن سياساتها الخبيثة في حربها على الإسلام و معتنقيه ، تارة بطرد طالبات محجبات و التضييق عليهن ، و تارة تعمد إلي تشويه سمعة المسلمين و وصفهم بالإرهابيين ( الإستغلال السياسوي الدعائي لمقتل الأستاذ مؤخرا ) ، و تارات أخريات بالتشجيع على الكراهية و الإزدراء و التشنيع تحت مسمى احترام حرية الرأي و التعبير ” الكاريكاتير و الرسومات المسيئة للنبي محمد صلعم ” … و ليست الوحيدة بالمناسبة بل من ورائها تقف كل المنظومة الغربية على حد سواء مع بعض الإستثناءات .
في البدء كانت صفة الإرهاب تلصق بحركات التحرر عبر العالم ( الإرهاب السياسي ) ، الثورة الكوبية أو الجزائرية مثال كانت تصنف فرنسيا إرهابا … و كذلك جيش التحرير المغربي و رجالات المقاومة المغربية … كل حركات المقاومة هي إرهابية بعرف الغرب ، لا لشيء سوى أنها كانت تريد الإنعتاق من ربق الإستعمار و تحصين استقلالية قرارها السياسي و حماية خيرات و ثروات الشعوب و سيادة الأوطان … هزيمة الجيش الأحمر بأفغانستان تحت ضربات ما سمي آنذاك بالمجاهدين العرب و الأفغان ( زج بهم و تم استغلالهم بوازع ديني و منظور سني و من بعد حوربوا و حوصروا من طرف مشغليهم و مموليهم ) ، و سقوط الإتحاد السوفياتي و تفكك دويلاته أسسا لتخريجة جديدة تحت مسمى الإرهاب الإسلامي و التي كانت بمثابة حرب على الإسلام شيعة و سنة …
تأسيس حزب الله اللبناني بالمفهوم العسكري سنة 1982 على أنقاض حركة أمل التي كان يتزعمها آنذاك نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني حاليا ، كانت بمثابة جرس إنذار للغرب عموما ، حينذاك كان نصف بيروت تحت سيطرة الجيش الاسرائيلي بقيادة الجنرال شارون ، حيث تزامن احتلال اول عاصمة عربية ما بعد نيل الاستقلال مع تلهي و تنويم الشعوب العربية بمباريات المنتخبات الكروية لكأس العالم لنفس السنة .
خطورة تأسيس الحزب أبانت عن جدواها من خلال الهجوم على مقر قوات المارينز الأمريكية التي كانت تتواجد بأفخم فنادق بيروت ، حيث قتل زهاء 450 من عناصرها ، حدث زرع الرعب في قلوب الأمريكيين الذين سارعوا إلى الإنسحاب و قصف العاصمة ، استهدافها انطلاقا من البوارج الحربية قبالة السواحل اللبنانية تغطية على عملية الإنسحاب ، و بنفس القدر ارتعبت الربيبة بعدما زرع عملاؤها تأجيجا للحرب الأهلية بين مختلف الطوائف اللبنانية، و بعدما ضمنت خروج الكوادر العسكرية و سلاح منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت .
لكن الجانب الأكثر رعبا و الأشد خطورة و وقعا و الذي سيدفع بالغرب إلى التفكير و إعادة رسم الإستراتيجيات ، تأكدهم أن الحرب العربية الإسرائيلية المستقبلية لم تعد حربا إيديولوجية بالمفهوم العربي ( القومية العربية/ المد الإشتراكي الشيوعي/ صراع حدود فقط … مثال) ، بل إن الصراع أصبح يكتسي طابعا دينيا بالتالي صراع وجود و ليس نزاع حدود .
مقابل أرض الميعاد و شعب الله المختار و هي منطلقات فكرية دينية عقائدية و عليها تأسست دويلة الكيان ، تقابلها نفس المنطلقات الدينية العقائدية من الطرف الآخر ، ألا إن حزب الله هم الفائزون و أرض الإسراء و المعراج و بيت المقدس الذي باركنا حوله … هنا بالضبط مكمن الخطورة التي انتبه لها الغرب و إسرائيل و نام عنها من تبقى من عربان حالمة ( حلم استرجاع الأرض بالمفاوضات و الوسائل السلمية ….) .
التفطن الغربي المبكر دفع به إلى النظر في تأسيس جبهة دينية سنية موازية للمد الشيعي ، المد الذي أصبح يمثله حزب الله اللبناني على الحدود مع إسرائيل ، و شيعة المناطق الشرقية بالسعودية و البحرين و الكويت بالخليج ، و شيعة سوريا و العراق و اليمن للحد من نفوذ إيران و تأثيرها في مجمل الصراع الوجودي بالمنطقة . و لكي تسهل عملية تشويه الإسلام بمذاهبه المختلفة و من ثم نعثه بالإرهاب . فبركة سيناريو مجموعة أبو سياف بالفلبين و ميلاد تنظيم القاعدة و ما استتبعها من بعد من تفرعات ( الزرقاوي مثال ) ، و نشر عمليات الذبح و السحل و الشنق و التفجيرات الإرهابية ، و اليوم داعش و النصرة و فيلق الرحمان و القاعدة في الغرب الإسلامي و بوكو حرام وسط إفريقيا ( نيجيريا / النيجر …) .
تنظيمات في مجملها سنية المذهب ، ليسهل من بعد إلصاق تهمة الإرهاب بالجانب الثاني من المعادلة الإسلامية ، أي بما معناه ، غرب يندد و يشجب ما تقوم به القاعدة و داعش و تفرعاتهما ، و إسرائيل الربيبة و أول دولة ديموقراطية بالشرق الأوسط تندد و تشجب إرهاب الشيعة و السنة على حد سواء ، إرهاب بعرفها يمثله حزب الله اللبناني و حركة حماس و الجهاد الإسلامي .
هي إذن عملية تقاسم أدوار بين غرب ليبرالي متوحش مستغل لثروات المنطقة ، و ربيبة حامية لمصالحه الإقتصادية ضامنة لاستمرارها بالتالي المفروض تقويتها عسكريا و استخباراتيا حفاظا على الهيمنة الغربية ، استعدادا لما بعده من ربط مصير العبقرية اليهودية و المال العربي ( التطبيع الجاري مع دويلة الكيان مثال ) .
بالرجوع إلى كتاب (مكان تحت الشمس) لمؤلفه النثن – ياهو رئيس وزراء إسرائيل الحالي ، و إلى تصريحات لوران فابيوس الوزير الفرنسي السابق بخصوص داعش و جبهة النصرة ، و من ثم نعرج على افادات الحسناء الامريكية و سيدة امريكا الاولى و وزيرة خارجيتها و المترشحة السابقة للرئاسيات الأمريكية السيدة هيلاري كلينتون ، يتضح بما لا يدع مجالا للشك بأن الإرهاب الإسلامي في شقه السني ( القاعدة و داعش و التفرعات ) هو صناعة أمريكية إسرائيلية غربية بامتياز ..
و قد استحدث لمجابهة الإسلام الشيعي المناهض للتواجد الغربي بالشرق الأوسط و الخليج ، و إلا بماذا نفسر غياب أية عملية مهما كان نوعها للتنظيمات السنية كالقاعدة و داعش و جبهة النصرة داخل إسرائيل ؟ ثم بماذا سنبرر توفير العلاج للجرحى و المصابين من جبهة النصرة و داعش بالمستشفيات الإسرائيلية ؟ فمجمل العمليات تستهدف الدول العربية و الإسلامية و لماما مجتمعات غربية ، لذر الرماد و تأليب الرأي العام و تأجيج الحنق و الحقد على الإسلام بعدما تأكد الغرب عموما من انتشاره بدرجات مقلقة خاصة وسط الشباب …
سياساتهم في هذا تنتهج أسلوبا مخابراتيا حيث يتمازج الشك باليقين ضمن ما يعرف بخطة 5-1 ، و هي تعتمد في أساسها استهداف عقل المتتبع من خلال ما يروج من أخبار عبر وسائل الإعلام من أجل ربح المصداقية و الثقة ، أي ، يتم نشر خمسة أخبار واحد منها مزيف ، و هكذا دواليك إلى أطول فترة ممكنة حتى يتم التحكم في فكر المتتبع و نيل ثقته ( الجزيرة مثال أيام الحرب على أفغانستان و العراق إلى أن أضحت أفيون المتتبعين العرب من الخليج إلى المحيط ) .
آنذاك تبدأ عملية التلاعب الكبرى من خلال تسريب أكبر عدد من الأخبار الزائفة أو الملفقة أو المفبركة حشوا لعقل المتتبع بعدما تم تدجينه و تهجينه ، و ما عليه إلا الإسراع بتلقفها و نشرها في وسطه و محيطه و كأنه يمتلك الحقيقة ، فتراه يجادل و يقسم بأغلظ الإيمان بأن الخبر صحيح و قد نشر على كذا و كذا من قناة مستدلا بموضوعية و تجرد القناة ناشرة الخبر …
زوار موقع الجديدة نيوز ، خرجة فرنسا اليوم تؤرخ لسقوط الأقنعة عن وجهها الذميم و خبثها المتأصل ، بعد استحمار و استغفال و استبلاد لعقولنا عمر طويلا ، و قد آن الأوان لنستفيق من سبات أهل الكهف بعدما بلغت العجرفة و الإزدراء حدودها القصوى . و حتى لا نعود لتاريخها الأسود نكتفي بالبني منه ، ففي الأمس القريب ، يومها زارنا كارلوس غصن المدير العام لشركة رونو نيسان حاملا لنا بشرى الساعة الإضافية غصبا عنا ، و يوم أصدر الرئيس ماكرون تعليماته و أوامره للحكومة المغربية ، باتخاذ ما يلزم من أجل ترحيل الفرنسيين العالقين بمطار لمنارة الدولي نحو وطنهم فتمت الإستجابة الفورية ، و يوم قررت فرنسا غلق مصانعها لتركيب السيارات و يوم قررت إعادة فتحها دون استشارتنا ، و يوم أخذت الكلمة باسمنا في مؤتمر الرؤساء الأفارقة …
اليوم ماما فرنسا لا زالت متشبتة بنهجها مستقوية بتعاليها و سكوتنا نحن ، لقاء وزير الداخلية الفرنسي بوزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية المغربي مثلا ..! ما هو مسوغه و ما علاقة الوزير الفرنسي بالشأن الديني المغربي ؟ بعض الأخبار المسربة تقول بتوصية وجهت لخطباء الجمعة بمساجد المملكة ، تحذرهم من مغبة التطرق أو الإشارة أو التشجيع على مقاطعة المنتوجات الفرنسية ، و الإقتصار على الخطبة الرسمية لا غير …!
و تزداد العجرفة أكثر من خلال تصريح وزير فرنسي آخر عن سؤال حول تخوفه من دعوات المقاطعة بالدول العربية و الإسلامية ، فكان جوابه على ما يبدو و هو متأكد 100% من أن المغاربة لن يشكلوا خطرا على المنتوجات الفرنسية و لن يقاطعوها ، فما هو رأيك أختي المتتبعة/ أخي الممتبع ؟
عيدكم مبارك سعيد و كل عام و أنتم بخير ، بهذا زوارنا و متتبعينا أستودعكم(ن) في حفظ من لا تضيع ودائعه و إلى مقال آخر بإذن الله .