إلى الإخوة الإسلاميبن بالجزائر
بقلم : امحمد الهلالي
يتابع نظراؤكم الاسلاميون في المغرب مواقفكم من قضية الصحراء، وهي موقف ليس فيها اي جديد، رغم ما يجري حولكم من تحولات وما تتابعونه في محيطكم من متغييرات تحفز تطلعات الوحدة والتكتل وتشجع طموحات العمل المشترك فيما ينفع تنمية الاوطان ونهضة الامم، وما يفيد في تحقيق التصالح مع منطق التاريخ وحتمية الجغرافيا وروح ومقاصد الشريعة ومنطق الحضارة وعمرانها.
ان الانطلاق من المرجعية الاسلامية والانحياز الى خيارات الامة في الوحدة ومناهضة مخلفات الاستعمار في التجزئة يقتضي تجاوز اخطاء الماضي والتحرر من الارتهان الى ظروف الحرب الباردة، التي فرضتها الامبريالية على شعبينا وبلدينا في زمن الصراع على النفوذ والمصالح، وعصر التسابق على منابع المواد الخام واسواق تصريف فوائض الانتاج، وما خلفه ذالك من صراعات وخصومات ومنافسة على الزعامة بين نخب جيل التحرير في بلدينا مما ادى الى اضعافهما وحال دون التسابق الجاد على حجز مكانة لائقة بهما في سلم التنمية البشرية والترتيب المناسب لهما في تصنيف الاقتصادات الصاعدة والامم الناهضة .
قد تظنون ان عتابنا عليكم هو بسبب تماهيكم مع المواقف الرسمية لبلادكم او بسبب تبنيكم ما يخدم دولتكم أو يراعي مصالحها وامنها القومي او اننا نستكثر عليكم ان تنحازوا الى ما يمثل صالح وطنكم وماىيبرهن على وطنيتكم ويدفع عنكم شبهة تسبيق الولاء للامة على الولاء للوطن كلا ثم كلا.
وانما عتابنا هو بسبب عدم فاعليتكم في منع الانسياق وراء ما يتوهمه حراس معبد سايس- بيكو، على انه مصلحة وطنية وهو في جوهره تركة استعمارية.
اننا لا نريد منكم الا ان تكونوا في طلائع من يخدم بلادكم فعلا، ومقدمة من يرعى مصالحها حقا لا توهما، وان تدفعوها الى الانحياز الدائم الى مبادىء الحق والعدل صدقا، لا الى الجور والظلم حقيقة، والى المبادئ والقيم الدائمة والى المصالح المشروعة وليس المصالح الشخصية والتقديرات المزاجية .
كما اننا لا نأمل منكم سوى ان تسهموا في تحرير بلديكم من جميع الاغلال التي وضعتها السياسات الخاطئة التي نناضلون في مستويات اخرى من اجل التحرر منها، في حقل الاقتصاد وفي حقل تداول الثروة او في حقل تعزيز الديموقراطية وحقوق الانسان في حقل السياسة، وان تسهموا في جعل المصالح العليا لبلدكم تسمو على ما سواها من اوهام واهواء جنبا الى جنب مع مساعيكم اليوم الى التحرر من الاستبداد والفساد، وبنفس مسعى الامس للتحرر من الاستعمار والتبعية .
وحتى لا تذهب بكم الظنون كذلك فاننا لا نريد منكم ان تتخذوا موقفا مجامل لنا اوداعم لبلدنا على حسابكم او ضد بلدكم، لاعتبارات تتعلق بالمرجعية الاسلامية او المنهجية الوسطية التي نتشاطرها معكم، كلا ثم كلا، انما نريدكم ان تكونوا اكثر فائدة في خدمة بلادكم في المقام الاول اكثر قدرة على صيانة ثروات ومقدرات شعبكم وخدمة أمن بلادكم القومي حقيقة لا توهما، وان يكون اسهامكم في خدمة القيم الجامعة والمصالح الحيوية لفاعلية بلادكم في وحدة وامن واستقرار ونهضة المنطقة التي نتقاسم معكم قدر الجوار الجغرافي فيها وقدر التاريخ الحضاري للامة التي تجمعنا معا اواصر الانتماء اليها .
لكننا في المقابل لا نخفي عليكم اننا نحرص على ان لا يسبقكم غيركم من اصحاب المرجعيات المنافسة الى هذا الفضل وهذا الفهم لاسيما في ضوء ما بدا يخرج الى العلن من مواقف جديدة ودعوات جريئة لطي صفحة “النيف العنيدة المتجافية” وبدء صفحة العقل والاخوة المتصافية.
لذلك وقطعا لهذه الظنون، فانه ليس من اللائق بنا ان نطلب منكم ولا بكم ان تستجيبوا لاي موقف فيه ضرر بالمصالح الحقيقية لبلادكم أو فيه محاباة لمصالح بلادنا على حساب بلادكم، لكننا لن نتوانى ولن نكل او نمل في ان ندعوكم ونجدد الدعوة اليكم والى كل الفضلاء من الوطنيين والديموقراطيين في بلادكم من اجل الانحياز الى الموقف الراشد القمين بالمساعدة على الفرز بين الوهمي والحقيقي من المصالح المشروعة وبين النافع والضار من اسباب الاستقرار ودعائم الامن وموجبات الرخاء لشعبينا وبلدينا.
ان ما لا تدركونه وانتم تصرون على تكرار موقف تقليدي موروث من الحقبة الماضية، هو ان التاريخ وصناعته والحضارة ودورات العمران فيها، انما يتم بالمواقف التاريخية المقدامة وبالحسابات الجيوستراتيجية الصحيحة والمقاربات الاستباقية الراشدة، وليس بانصاف المواقف او بموقف اللاموقف، لان رائد القوم لا يكذب أهله.
عندما كنتم في وضع المضطر للتماهي مع ما تعتبرونه مواقفا لدولتكم ومن مقتضيات السيادة الخارجية التي لا تملك الاحزاب المرخص بها ان تخرج عنها، كانت الاعذار ملتمسة ومتفهمة من منطلق استحضار فقه الاستطاعة وفقه الرخصة بالنسبة لمن اكره على التجزئة وقلبه مطمئن بالوحدة.
غير ان التطورات اليوم لم تعد تسمح للقوى الحية من امثالكم ان تفوتوا على بلادكم فرصة الاستفادة من التحولات التي يعيشها العالم ومعه المنطقة لتسهموا ولو بالتدرج في ترجيح الموقف الكفيل بدفع بلادكم للانخراط في استحقاقات المرحلة التي تتهيئ المنطقة برمتها للولوج اليها .
اخوتنا الاعزاء بالجزائر الشقيقة، اننا نتابع باهتمام ما بدأ يتململ في المواقف المعبر عنها من قبل بعض الشخصيات السياسية او العسكرية او الثقافية او الشعبية او الاعلامية، وقد كان بودنا ان نراكم ضمن هذه الطليعة وفي مقدمة هذه الموكب بل ان تكونوا من اولي السبق ومن اهل العزم في المبادرة الى التغيير الفعلي والبناء لفائدة بلدكم ودولتكم وتطلعات شعبكم.
وقد يتذرع البعض بان السياسة تقتضي ان تتبنى الاحزاب الوطنية الموقف الرسمي لدولتها، لكن مقتضى السياسة النافعة المبنية على المقصد الشرعي والتقدير المصلحي المعتبر الذي نتقاسم معكم الانطلاق منه يستجوب اعمال، “الدين النصيحة لله ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم” واعمال القاعدة الشرعية “لا طاعة في معصية”، وهي من الضابط للحكم العام المستخلص من اية “أطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر منكم” وان المناط في دعم المواقف الرسمية هو الحق والعدل لا العسف والجور .
واعمالا لهذا الفهم الشرعي والمنهج المقاصدي فقد سبق لاخوانكم في المغرب ان انحازوا الى خيارات الامة في قضية الشعب المالي الشقيق رغم اكراهات وضرورات الانظمة .
وحتى لا يفهم اننا نحملكم ما لا تطيقون، فاننا نذكركم بالمواقف المبدئية التي حفظها التاريخ لشخصيات وهيئات سياسية يسارية واسلامية، لا يزايد احد على حرصها على مصلحة الجزائر ولا على وطنيتها، كما نذكركم بالمواقف المستجدة التي أصبحت اكثر ادراكا للمعطيات الجديدة، واكثر تعبيرا عن صوت الحكمة والعقل في الاونة الاخيرة.
فهل من اللائق بمرجعيتكم وتاريخكم ان تتاخروا عن تعزيز هذا المسار الذي يتصدره اشخاص رفيعي المستوى وعلى رأسهم السيد عمار سعيداني من قياديي جبهة التحرير، حيث أكد على ان ” الصحراء الغربية من الناحية التاريخية مغربية وفي الحقيقة ايضا هي مغربية، وليست شيئا آخر، وانها اقتطعت من المغرب في مؤتمر برلين، وإن الجزائر التي تدفع أموالاً كثيرة للمنظمة التي تُسمى البوليساريو منذ أكثر من 50 سنة. دفعت ثمنًا غاليًا جدًا دون أن تقوم المنظمة بشيء أو تخرجُ من عنق الزجاجة.
وأن الظرف مناسب، لأن هناك انتخاب رئيس جديد وتغير في النظام التونسي، والجزائر مقبلة على انتخابات وهناك تغير في النظام، كما أن ليبيا تعيش تحولًا، وهذا يمكن أن يؤدي لإعادة إحياء المغرب العربي كما طالب به قدماء جبهة التحرير وأيضًا الأحزاب الوطنية في كل من المغرب، الجزائر، تونس وشمال إفريقيا “.
وختم بتصريح لا لبس فيه يعتبر أن موضوع الصحراء يجب أن ينتهي وتُفتح الحدود البرية المغلقة بين الجزائر والمغرب مُنذُ أبريل 1994.
ان هذا الموقف يندرج في اطار مقولة من كان يحب بلاده فليقل لها الحقيقة كما هي لا كما يحب ان يسمعها ساستها، لان ذلك هو الموقف الاكثر خدمة لمصالح جزائر المستقبل واكثر تماهيا مع روح العصر ومع المرحلة الجديد القادمة .
ان ما نتطلع اليه هو ان يكون موقعكم في هذه الجزائر الجديدة اكثر تاثيرا وان يكون اسهامكم ودوركم فيها اقوى في ترجيح التحول النافع لجزائر متصالحة مع نفسها ومتصالحة مع محيطها وذات مكانة تليق بها وبموقعها ومقدراتها وتضحيات شعبها في مستقبل المنطقة .
أيها الاحباب الكرام
إنه اذا كان “الفقه الرخصة من ثقة” فان الفقه السياسي هو “النصح عن وطنية”
واذا كان منهج التدرج وفقه الاستطاعة والتحاكم الى فقه المصالح والمفاسد وفقه المآلات لم يسمح فيما مضى بقول “كلمة حق في وجه سياسة جائرة” او في تنزيل المبادئ على واقع متحرك، فليس أقل من ان يكون موقف الاحرار اليوم هو الانحياز الى خندق الاعتدال والتحيز الى الفئة التي تبحث عن “كلمة السواء” والاصطفاف مع من يدعو الى جعل “الجهود تنصب على تهييء الأجواء لحل سياسي أخوي وسليم” لقضية الصحراء، والتشجيع على تعزيز العلاقات بين البلدين والشعبين المغربي والجزائري، وبين شعوب وبلدان المنطقة المغاربية بشكل عام، بما يهيء الأجواء، “لحل أخوي سياسي سليم وصحيح في قضية الصحراء وغيرها من القضايا”. كما يقول بذلك بعض الساسة والقادة الاسلاميين عندكم.
وفي الاخير تقبلوا تحيات وسلام اخ وصديق لكم حريص على تواصل التناصح والتواصي بالحق بيننا وبينكما بنفس حرصه على تبادل التصافي الود الاخوي معكم .
والله من وراء القصد .