محطات ثقافية : محطة “عبد الرؤوف” أيقونة الفكاهة المغربية
تصوير وتوثيق عزيزة محبوب
ولد عبد الرحيم حمودة التونسي يوم السابع والعشرين من ديسمبر لسنة 1936 وبالتدقيق يوم الخميس في الثالثة صباحا حسب تعبيره في تصريح خص به الزميل نيني بسيدي فاتح بالمدينة القديمة بمدينة الدار البيضاء، ليعرف اليتم بعد ثلاث سنوات بعدما توفيت والدته وتركته وإخوته الثلاثة بين ظهراني أب عازب قبل أن ينتقل ، ولظروف عائلية ، للعيش مع جدته وخالته التي كانت متزوجة من جزائري ، فكان يعيش في رغد بينهما ويرتاد الجامع لتحصيل التعليم الديني، إلى أن بلغ سن العشر سنوات حيث أعاده والده إلى المدينة وألحقه بمدرسة إبن الرومي، التي تلقى فيها تعليما يطغى عليه التلقين باللغة الفرنسية وهو ما مكنه من التواصل بها الى مستوى الاكاديمي الفرنسي …
مساره الدراسي لم يكتمل بحيث خرج باحثا عن تعلم حرفة يكسب منها عيشه، وتزامن ذلك مع نفي جلالة الملك محمد الخامس وبداية المظاهرات، إذ أن حبه للعرش العلوي كان سببا في سجنه منذ سنة 1954 الى حين رجوع الملك إلى عرشه، حيث تم الافراج عن مجموعة كبيرة من المناضلين الشرفاء وهو ضمنهم .
الجدير بالإشارة هو أن هذه المرحلة هي التي تعرف خلالها على عبد الرحمان عقبة المسرحي المشهور والمعروف آنذاك بمسرحياته التي كان يفضح من خلالها الخونة والإستعمار وبشاعته، والذي كان السبب في صقل موهبته وإخراجها إلى الوجود وتحويله من الشخص الخجول جدا، الذي أحب شخصية احمد القدميري البدوية وحاول تقليدها، إلى شخص يقوم بأداء كل الأدوار ويساهم في رسم الضحكة على شفتي كل من يجلسون للفرجة مهما كانت حالتهم النفسية، ورغم أن هذه الحقبة من حياته أيضا هي التي تأذى فيها على مستوى العين من جراء التنكيل والضرب الذي تعرض له هو وكل من حاول زيارتهم، كما أصيب أيضا بمرض الربو بسبب الظروف الغير صحية التي كانت بالسجون آنذاك .
وعند خروجه من السجن اجتمع مع رفاق النضال وشكلوا فرقة مسرحية، عرضت أول عروضها ببن سليمان في مكان بسيط لدرجة أن الفرجة كانت بدرهم واحد ساعتها … بعدها توالت العروض في العديد من المدن القريبة، قبل أن يعودوا إلى مدينة الدار البيضاء ويتفرقوا حيث اشتغل كل واحد منهم بعمل مخالف عن الآخرين إلا هو .
وسنة 1962 التحق عبد الرحيم بشركة صوماكا للعمل كمراقب لدهان السيارات، حيث تعرض لحادثة شغل بعدما سقطت فوقه سيارة ضخمة تسببت له في كسور على مستوى العمود الفقري وكذا القفص الصدري، وهو الأمر الذي استلزم علاجه مدة سنة كاملة عاد بعدها ليشتغل هذه المرة كموظف إداري بالمكتب الشريف للفوسفاط OCP .
في هذه الفترة تمت دعوته للقيام بعرض مسرحي بمدينة الجديدة وهناك اكتشف شخصية العامل المتعلم البسيط التي كان يقرأ عنها بكتابات موليير، والتي استلهم منها الشخصية التي ظل يتقمصها طيلة مشواره الفني شخصية “عبد الرؤوف” : شخصية البليد والذكي في نفس الوقت ، وهي الفكرة التي حبذها رفاق دربه الفني الذين شاركوه في عروضه القادمة .
رغم أنه افتخر واعتز بالحب الذي كان يكنه له الجمهور ، إلا أن عبد الرحيم كان يتضايق قليلا من خلط الناس بين شخصيته المسرحية “عبد الرؤوف” التي تكون داخل إطار عرض متكامل وبين شخصيته العادية “عبد الرحيم التونسي”، ذلك الانسان البسيط الجميل الذي بذل الغالي والنفيس ليبقي الإبتسامة سيدة على قلوب المشاهدين.
هذا العطاء ناتج عن كونه يعيش أميرا ببيته، وهو كريم بطبعه، هذا الوضع سمح له بمشاركة العديد من أعماله في التأليف مع زوجته نجاة التي كانت دائمة المساندة والدعم له، حيث وصفه من تعاملوا معه بأنه فنان ملتزم ومنضبط محترم للمواعيد ولكل اتفاقياته مع المؤسسات التي تعامل معها، فقد اشتغل أيضا بتنظيم الحفلات والسهرات مع مختلف المجموعات مثل مسناوة وجيل جيلالة وناس الغيوان والفنان القدير عبد الهادي بلخياط وغيرهم كثير .
أضحك أجيالا كثيرة منذ السبعينات، وتطرق لكل المواضيع الإجتماعية التي مست مختلف مكونات المجتمع، حيث قدم عروضا في أعمال ثنائية مع فنانين مشهورين كمصطفى الداسوكين ومحمد بلقاس وبن براهيم ومحمد حراكة، وعروضا على شكل مسرحيات اتحفت المشاهدين واضحكت سنهم .
نال شهادة العطاء الفني لأزيد من نصف قرن بحيث نظم جولات داخل وخارج المغرب وشارك في هذا التوشيح المفكر نبيل الصافي الرئيس المؤسس للأكاديمية الدولية للسلام للتدريب والإستشارات مرفوقا بمدير ديوانه الدكتور أحمد الناصح صديق الفنانين والباحث في الثرات الأصيل والحركة الغيوانية وكذا المديرة الإدارية الأستاذة عزيزة محبوب .