ثقافة وفنون ومؤلفات

سلطة الممثل في مبارزة “الغُمِّيضة”

 

سلطة الممثل في مبارزة “الغُمِّيضة”

العمل أفضل تكريم للفنان

منقول عن موقع الزميل:

نورس البريجة: خالد الخضري

* تكريم الممثل جعله يمثل

قدمت فرقة مسرح “لاكوميدي” من ابن سليمان عرضا مسرحيا بعنوان (الغميضة) مساء يوم الجمعة 23 فبراير 2023 بمسرح عفيفي بالجديدة، شخّصها خمسة كوميديين على رأسهم الفنان مهَيْول القادم من مدينة المحمدية بتقمصه لدور عجوز متصابية “حادة الزّاز”.

ويعتبر اختيار هذا الفنان الذي طالما أمتعنا بشخصه، مستملحاته وصوته النسوي – رفقة زميله وصديقه السفاج  في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي- تكريما له واعترافا بعطائه، إذ ليس أصعب ولا أقسى على الفنان الكبير من ركنه في زاوية النسيان فلا يتم تذكره إلا من خلال تكريم “بئيس” مهما ارتفعت مردوديته المادية وشعّت بهرجته الإعلامية. فشخصيا أعتبر أن أجمل وأفضل تكريم يمكن لأي ممثل أو مبدع – أيا كان حقل إبداعه – هو منحه فرصة وآليات العمل والإبداع.

يليه  فنان آخر اشتهر فنه على متن خشبة أوسع بساحة جامع الفنا بمراكش وبالضبط في فن الحلقة، هو الكوميدي عبد الإله أمل الملقب ب “المسيّح” أصله من أولاد بني سبع   حيث أدى دور سعودي من أصحاب البيترودولار. وقد كان “المسيح” هو الآخر ولازال يشتغل في إطار ثنائي مع زميله وصديقه مصطفى الدرداك منذ 43 سنة خلت. ويمتاز زيادة على خفة دمه وقفشاته البهجوية، بموهبة التعبير الجسدي تمكنه من اللعب بجسمه بكيفية بهلوانية وبتقاسيم وجهه رغم بلوغه 53 سنة من عمره.

الممثل الكوميدي الثالث الأصغر سنا ممن ذكر والذي لا يقل عن زميليه السابقين شهرة، هو جواد السايح  القادم من الصويرة ومن فرقة “مسرح الحي” رفقة الفنانين عاجل وفولان في مسرحيات مثل: (حسي مسي) و(شرّح ملّح) حيث أجاد بدوره في تقمصه لشخصية “الجعبة السكيريتي”.

الممثل الرابع هو صاحب فكرة (الغميضة) كاتب كلمات أغانيها ومخرجها، الفنان الشرقي السروتي القادم من ابن سليمان (47 سنة) وله حضور وازن في الساحة المسرحية المغربية لاسيما في المجال الكوميدي، حيث بإمكانه تفعيل جسمه وصوته على مقاس الطفل، والعروبي، والساذج، كما الفلاح البسيط مثلما هو الشأن في أدائه لوالد أحد ضحايا حوادث السير في فيلم (ولكم واسع النظر) التلفزيوني الذي كتبت  سيناريوه. له أعمال مسرحية من تأليفه وإخراجه لاقى بعضها إقبالا جماهيريا واسعا منها مسرحية: (سبعة رجال) إضافة إلى أخرى شاركه بطولتها الفنان عاجل تحمل عنوان (حدّو في قدّو) إلى جانب جواد السايح أيضا، وهي من تأليف سعد الله عبد المجيد وإخراج عبد الإله عاجل.

الممثل الخامس الأصغر سنا والأحدث ظهورا هو الفنان سعيد هروان (40 سنة) قادم أيضا من ابن سليمان والذي تقمص أدوار عدة شخصيات بدءا من الطفل “الجّاعر” إلى أمه الأكثر “جعْرة”، مرورا بالشِّيخة الشطّاحة التي رددت وهي تؤدي “الحَب الزّعْري ” أن “الراجل بوطاقية، ساير يتقيا”، والشِّيخ الكوامانجي، والشاب المنحرف، وعبيدات الرمى الذين يغنون بدون كلمات؟ وصولا إلى الشّيْخ الذي فقد فمه فدخل الحلبة يبحث عنه، ناصحا الناس بالانتباه إلى أفواههم وما يصدر منها حتى لا تودي بهم إلى ما لا تحمد عقباه. هذا الفنان رغم أنه غير معروف مقارنة مع بقية زملائه المذكورين، إلا أنه لم يكن يقل عنهم جودة وإضحاكا، إذ يمتلك قدرة هائلة على اللعب بصوته، جسده وتضاريس وجهه.

* “كلها يلغي بلغاه”

هؤلاء الممثلون الخمسة جمعهم فضاء واحد  هو حومة  “دار الغميضة” نموذج مصغر لمعظم أحيائنا الشعبية، حيت يلتقي ويتحاور كما يتآلف ويتشاجر سكان الحومة، نساء ورجالا، أطفالا وشيوخا “كلها يلغي بلغاه” لكل واحد حكاية تبدأ دون أن تنتهي. إذ أن كل ممثل يدخل في مونولوج خاص به يمرر من خلاله عدة انتقادات للواقع الراهن  في عدد من تجلياته الاجتماعية  والسياسية. فهكذا حلّت حادة الزّاز (مهيول) تحكي حكايتها مع حبيبها ميلود الهارب دوما ومنتقدة شابّات اليوم اللواتي  يطبقن أية وصفة سواء لتزيين وجوههن أو تكبير أردافهن مثلها، أو لمنع شعرها من التساقط مع إكثار حجمه حتى بغسله بالجُعّة كما فعلت فسكرت عن آخرها؟ ومثل ما قاله مرزاق القهواجي (السروتي) للجعبة السيكيريتي (السايح) تعال نلعبو: “هز البوطا، حط البوطا ” فرد عليه هذا الأخير: “لا، البوطا غلات، ,تعالى نلعبو  أجرادة  مالحة ” ويشرعان بالفعل يلعبان هذه اللعبة الشهيرة التي مارسناها جميعا في طفولتنا وافتقدها أطفال الجيل الحالي في ظل هيمنة ألعاب الفيديو والهاتف القَتّال.

تطرق جواد السايح والذي لا يفصل العرض بين شخصه واسمه الحقيقيين، وبين الشخصية التي يؤديها  – “الجعبة السيكيريتي ،اجلس وتيتي” إلى عدة قضايا ومواضيع راهنة، ضمنها المقارنة بين الأمس واليوم على مستوى الرقص الشعبي مثلا، حين كان رقص الراقص أو الراقصة يمتاز بالحشمة والاتزان  مع ضبط الإيقاع في نفس الوقت. بينما الراقصة الراهنة أو الراقص تصيبه نوبة اهتزاز من الانطلاقة بدون مقدمات ولا حركات تسخينية، بل معظم حركاته ذات ايحاءات جنسية لا تراعي الخَلْق ولا الخُلُق ولا الإيقاع الموسيقي حتى؟

وهكذا يمكن أن نعتبر المسرحية مبارزة مفتوحة بين نخبة من نجوم الكوميديا المغاربة وسط حلبة “الغميضة” حيث يكاد يتلاشى النص الذي يبدو أنه غير مكتوب على الورق بقدر ما هو اجتهاد شخصي في فن الارتجال لكل ممثل على حدة، مبارزة لم تسفر عن غالب أو مغلوب بل الفائز الأكبر فيها هو الجمهور الذي استمتع طيلة 180 دقيقة بلوحات ومواقف كوميدية مرفهة عن النفس.

وبهذا أصاب الشرقي السروتي بلمِّه لهذه الخلطة أو التركيبة الكوميدية المكونة من نخبة متميزة من الممثلين الفكاهيين المغاربة، الشيء الذي جعل سلطتا المؤلف والمخرج على حد سواء، تتراجعان أمام سلطة الممثل بالدرجة الأولى، دون إغفال الفكرة الجوهرية لمحوره ألا وهي الحنين إلى براءة الماضي، جماليات الماضي وألعاب الماضي مثل: الغّميضة، ودينفري، والكاري، وطابت تحرگت، والقيوش إلى غير ذلك من ألعاب الصبا التي يحن كل واحد منا إليها قائلا في نفسه كما ورد فوق الركح: “تمنيت نبقى صغير”. هذه الفكرة التي استنبتها السروتي عبر إخراج يتماشى والطرح الموضوعي للمسرحية، قوامه فن التشخيص والارتجال في المقام الأول، التعبير الجسدي، الغناء، الرقص وديكور بسيط  ثابت ومتحرك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى