قوس النار
بقلم ابو ايوب
الصفعة المدوية التي أفاقت إسرائيل من حلمها فجر السابع من أكتوبر الجاري ، لا تقل أهمية عن خسارتها حرب تموز 2006 في مواجهة حزب الله اللبناني ، و تعودها على الإنتصار في حروبها مع الجيوش العربية لن يشفع لها اليوم و هي تواجه المقاومة الفلسطينية ، لسبب هام و بسيط ، محاربتها الجيوش العربية من منطلق وازع ديني عقائدي ( أرض الميعاد و شعب الله المختار) ، بينما هم حاربوها تحت مظلة إيديولوجية خالصة ( قومية عربية أو أحزاب اشتراكية ) .
اليوم تغيرت المعادلة و معها توازن الرعب و تغيرت قواعد الاشتباك ، فحماس مثلا أو حركة الجهاد الفلسطيني رأس حربة المقاومة تقودان المواجهة بوازع ديني ( تحرير أولى القبلتين و ثالث الحرمين ) ، و إيمان المقاومة الراسخ بعدالة القضية و بحتمية النصر لن يزيدها إلا إصرارا و ثباثا على النهج الذي اختطته في حربها الوجودية ، وفق ما تقتضيه التعاليم السماوية ( ….كم من فئة قليلة غلبت فئتة كبيرة ….سبحان الذي اسرى بعبده …..ص.ا.ع) .
المقاومة تعلن اليوم أنها مستعدة لحرب ما فوق ستة أشهر متواصلة بليلها و نهارها ، و هي على أهبة الاستعداد لصد أي غزو مهما كانت قوته لغزة ، و أن نثنياهو سيدفع فاتورة لا قبل له هو بها و من وراءه أمريكا ، و كما عودتنا دائما بالمفاجئات على غرار الجاري بالميدان ( طيران حربي شراعي بدائي قياسا بما تمتلكه اسرائيل/ مسيرات/ مقدرات صاروخية رهيبة / كوماندوهات رجال الضفاضع/ تخطيط و تنسيق محكم/ اختيار بنك الاهداف بعناية فائقة / عنصر المفاجأة و المباغثة و حجم الاضرار المخلفة….) .
بحسب التقارير الاستخباراتية الاسرائيلية و الغربية عموما ، المعنية بتطور القدرات العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية ، هناك اعتقاد كبير بأن سلاحها مزعج لإسرائيل لكنه غير قاصم و لا قادر على الحسم ، و هذا باعتقادي أمر مجانب للصواب و أن التفوق العسكري الإسرائيلي الحديث و النوعي ، و المخابراتي الخبير المتمرس و الذي اكتسب شهرة عالمية ، و التجارب التي اكتسبتها إسرائيل في حروبها مع الجيوش العربية ، و التي أكسبتها مناعة جعلت منها القوة الضاربة الوحيدة بمنطقة الشرق الاوسط ، و ما على الاطراف الاخرى الا القبول بشروطها ( السلام مقابل السلام ) و لا حديث عن حل الدولتين و عودة اللاجئين .
لكن حدث ما لم يكن متوقعا على الاطلاق ، بين عشاء جمعة مباركة و فجر ( شباط/سبت) ، العالم شاهد على تسونامي ضرب اسرائيل و القوم نيام ، زلزال هد قلاع الأمن و حصون الاستقرار داخل اسرائيل ، قرابة 5000 صاروخ استهذف اسرائيل لم يستثنى منه عمقها بتل ابيب في وقت وجيز ، تخلله تفكيك الجدار و هجوم بري و بحري بتغطية جوية لدرونات و طيران شراعي ، لتتم السيطرة على ست مستوطنات و تطويق ثلاث بغلاف غزة و تدمير ثلاث قواعد عسكرية و اسر جنود من مختلف الرتب بينهم قادة كبار و مستوطنين …. اقتيد الجميع نحو غزة و تعالت على اثره زغاريد الفلسطينيات . حدث تناقلته مختلف منابر و قنوات الاعلام الدولي و لا زالت التغطية مستمرة …
من تداعيات الحدث الأولى ، اجماع دولي على الفشل الذريع لمختلف اجهزة المخابرات الامريكية و الاسرائيلية في توقع ما حصل صبيحة السبت سابع اكتوبر الجاري ، و ما تولد عنه من فشل منظومة القبة الحديدية في اعتراض صواريخ المقاومة ، و ما صاحبه من تكبيد اسرائيل خسائر فادحة في السلاح و العتاد ، و ما غنمته الفصائل من عتاد و اسرى و مستوطنين بين ليلة و فجرها ( ساعتان كانتا كافيتين لتحقيق مكاسب جمة) ، تسونامي هد البنيان المرصوص لاقوى قوة ضاربة بالمنطقة ….و التي رغبت في شن حرب على ايران و تدمير قدراتها النووية ؟! ، و هي نفس القوة التي احتمى بها بعض العرب و كأني بالغريق تمسك بغريق فيما يشبه ربطا للمصائر من الخليج الى المحيط .
المراقبون الدوليون يجمعون على ان ما حدث اليوم معجزة قل نظيرها ، و هزيمة مفجعة لاسرائيل منذ تأسيس الدولة ، فرئيس جهاز الموساد السابق مثلا اعترف في حديث له مع قناة سي.ان.ان الامريكية قبل يومين ، بان ما جرى صبيحة السبت يفوق الوصف و الخيال ، و بأن حماس أدارت المعركة باحترافية متميزة و تخطيط محكم في وقت وجيز …( للاشارة المقاومة لم تستعمل الاجهزة اللاسلكية او الراديو للتواصل فيما بينها اثناء سير العمليات احتياطا من ان يكشف تموقعهم على الارض بواسطة الاقمار الصناعية المراقبة للمكالمات و الاتصالات ) ، و قد لا نستغرب غدا تدريس هذه الاستراتيجية و التكتيك الحربي في كبريات المعاهد العسكرية و الكليات الحربية ، اسوة باستراتيجية و تكتيكات حرب العصابات ( الجنيرال الفيتنامي جياب/ع.الكريم الخطابي مثال) .
دعونا الآن نلقي نظرة على بعض انواع سلاح المقاومة الفلسطينية و من مدها به و عدد حاملي السلاح :
– صواريخ حرارية مضادة للدروع من نوع كورفيت روسية الصنع عدلت حديثا ليصبح مداها عشر كلم ، قابلة للاستعمال كصواريخ ارض جو ضد المسيرات و طائرات الهيليكوبتر و الطيران الحربي الذي يحلق على علو منخفض ، دقيقة جدا بقوة تدميرية هائلة و تعمل ليلا و نهارا و في كل الظروف ( صياد الدبابات اسمها السابق قبل تعديلها ) ، سلمتها بأعداد وفيرة سوريا استجابة لطلب تقدم به حزب الله اللبناني سنة 2020 .
– صواريخ نوعية بمدى يغطي جغرافية اسرائيل ( 225 كلم) بدقة متناهية في اصابة الهدف و رأس حربي بحمولة تفجيرية تصل ل 500 كلغ من المواد الشديدة الانفجار ، زودتهم بها ايران فضلا عن تيكنولوجية صناعتها محليا ( تصدير الخبرات) ، باستطاعتها تدمير كل المواقع العسكرية و تجمعات الاسلحة الثقيلة المحصورة ضمن بنك اهداف المقاومة ، الصاروخ الذي استهذف مفاعل ديمونا بصحراء النقب او الذي استهدف العمق الاسرائيلي وصولا الى تل ابيب مثال ، فشل الموساد و الشين بيت و الشاباك في تحديد عددها دفعه الى حصرها في بضعة آلاف ..لكن صليات 5000 صاروخ في مدة ساعتين دحضت و فنذت الزعم الحصر الاسرائيلي .
– قدرة المقاومة على التأقلم مع اجواء الحرب ، الى جانب خبراتها القتالية و التداريب النوعية ، سواء التي اكتسبتها طيلة عقود من الصراع المستمر ، او التي تلقتها على يد خبراء ايران و حزب الله و كوبا و فنزويلا….فضلا عن الدروس التي استخلصتها من تجربة حزب الله اللبناني أحد ركائز محور المقاومة ، جعل منها رقما صعبا يصعب القفز عليه في معادلات الشرق الاوسط ، بل اصبحت المقاومة اليوم جيشا يتفوق على جيوش دول افريقية كثيرة مثالا لا حصرا ، هذا ما اكدته ايضا مجريات الواقع الميداني .
– قدراتها الجوية من مسيرات و طيران حربي شراعي و مضادات جوية اربك حركة الطيران الحربي الاسرائيلي في سماء فلسطين بغزة و الضفة ، هذه الاخيرة عرفت مسيرات متضامنة مع غزة و بوادر انفجار شعبي او انتفاضة شعبية تلوح في الافق ، اي بمعنى رافد و قيمة مضافة للمجهود الحماسي الجهادي فضلا عن تحركات عرين الاسد بمخيم جنين …
– اللجوء فقط لاستعمال 10% من قدراتها القتالية من اصل اكثر من 44 الف مقاتل محترف ، عربون قدرة على تحمل تبعات و مجابهة حرب طويلة النفس مع اسرائيل و من يقف ورائها ، و تحويلها الى حرب استنزاف لا قبل لامريكا الحامية على تحمل خسائرها ، فيما استعدادها على تقديم المزيد من الشهداء بفخر و افتخار ، يقابله من الجهة الاخرى تحاشي اسرائيلي للخسائر البشرية و انعدام القدرة على تحملها ، و أن لا مشكلة لديها ان هي خسرت عتادا مادام الصنبور الامريكي مفتوحا على مدار الساعة .
ضمن هذا السياق و وفق مجريات الاحداث على الارض و التحولات المتسارعة في العالم ، اصبح بمقدوري الجزم بان المقاومة بشقيها الفلسطيني و اللبناني على الخصوص ، أصبحت رقما صعبا يستحيل تجاوزه في معادلات الشرق الاوسط و الخليج الفارسي حيث ايران الداعمة ، القوية عسكريا و عقائديا و التي استطاعت تقويض النفوذ الامريكي بالمنطقة ، بعدما توفقت في ادابة الجليد الذي اعترى علاقاتها مع القطب السني المملكة العربية السعودية ، و قد تأتى لها ما تبتغيه من خلال حرب التحالف العربي على اليمن ، اذ خرجت هي و حلفائها الحوثيين منتصرون رغم هول الدمار و الخراب الذي طال اليمن السعيد .
ليتأكد اليوم بالملموس طوق النار المضروب على اسرائيل ، جنوبا عبر باب المنذب بالبحر الاحمر و ما تمثله سيطرة الحوثيين عليه من تهديد للتجارة الاسرائيلية ، شرقا وفق ما تمثله ايران من تهديد مباشر للسفن التجارية و حاملات النفط الاسرائيلية ، غربا في ظل انعدام الاستقرار و الامن بكل من السودان و دولة جنوب السودان بوابتها نحو افريقيا ، فضلا عن ليبيا حيث تمدد الرفض للتطبيع و انتشر ليشمل كل من تونس و موريتانيا ، فيما شمالها يقبع تحت تهديدات حزب الله اللبناني ألد اعدائها ، و هذا ما يفسر التهديدات الامريكية للبنان في حال سماحه لحزب الله فتح جبهة ثانية ضد اسرائيل و انعكاساته السلبية على مجرى الحرب في غزة .
قلت سابقا في مقالات عدة بتمدد محور و حلفاء على حساب تبدد حلف و أدوات وظيفية ، اليوم و من خلال ما يجري على أرض الواقع و ليس ما يتردد من صدى المواقع ….يبدو أن الحلم قابل للتحقق رغم خذلان بعض العرب الذين سارعوا إلى التنديد بحماس و حركة الجهاد الاسلامي ، معتبرينهما حركات إرهابية لتأليب الضمير العالمي و نيل رضى أمريكا ، بالتالي لا هم ظفروا بالحماية الإسرائيلية بحكم ان فاقد الشيء لا يعطيه ، و لا هم غنموا صداقة الغرب و لا هم حققوا أمنا لشعوبهم و لا حماية لكراسيهم ، بينما لسان حال الحاضر و المستقبل المنظور يفصح عن بداية خريف الملكيات في الوطن العربي ، اللهم إلا حدثت معجزة و زمن المعجزات قد ولى ….