للتاريخ…وأمام الله.
بقلم الدكتور المصطفى طالب
لم يعد للحياة طعم ولا لذة وإخواننا في غزة يبادون يوميا بالمئات والآلاف أطفالا ونساء وشيوخا وجرحى، أطباء ومسعفين وممرضين، وصحفيين الكل يباد، المساجد والكنائس والمستشفيات والمنازل والأحياء…أمام العالم وبدون نجدة العرب والمسلمين أولا وبدون نجدة دول العالم، وبدون نصرة للمقاومة الفلسطينية التي تخوض معركة التحرير لفلسطين لوحدها بالنيابة عن الأمة ومعركة تحرير الأسرة والأسيرات من الإهانة والذل، ومعركة إنقاذ القدس وتحرير المسجد الأقصى من العدو الصهيوني سفاك الدماء بمعية كل الدول الغربية التي تحن إلى ماضيها الصليبي بعدما قتلت الملايين من العرب والمسلمين في المغرب وتونس والجزائر وليبيا والسودان ومالي ومصر والعراق واليمن والصومال وسوريا ولبنان والبوسنة والهرسك وأفغانستان وفلسطين…هكذا هم يفكرون لا ديموقراطية ولا حقوق إنسان ولا جرائم ضد الإنسانية ولا جرائم حرب ولا أسلحة محرمة دوليا عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين وكل أحرار العالم. وإنما هم دمويون.
أحب من أحب وكره من كره وآمن من آمن أو لم يؤمن، كلنا مسؤولون (كيفما كان موقعنا في المجتمع) عن إبادة العدو الصهيوني لغزة الصامدة رمز العزة والشرف والكرامة والحرية، ولكونها كذلك ولأن المقاومة أسقطت هيبة العدو وكشفت كذب الشعارات الغربية، فإن آلة الإجرام الصهيونية والأمريكية والأوروبية الاستعمارية تقتل وتقنبل بأسلحة الدمار الشامل غزة حتى لا تكون قدوة للشعوب التواقة للحرية وحتى لا تنتفض شعوب العالم ضد الطغيان وضد الظلم. ذلك أنها معركة الإنسانية.
إننا في بيوتنا آكلين شاربين آمنين لا نستوعب حجم الضمار وهول الإبادة التي يعيشها أهل غزة التي يعيشون على إيقاع آلاف الأطنان من القنابل (بدون مبالغة) بل أحيانا نتجب رؤيتهم وسماع صراخهم وأنينهم وبكاءئهم. إننا لا نستوعب حجم المعركة التي تخوضها المقاومة الفلسطينية الأبية المؤمنة الصامدة ( “وإن أفضل رباطكم عسقلان” كما جاء في الحديث الشريف)، والتي غيرت سيكولوجية الإنسان العربي وانتشلته من الإحباط والهزيمة إلى العزة والكبرياء.
لم نستوعب كل ذلك لأن الغرب وثقافته المادية ومخططاته اللاإنسانية قتل فينا الإحساس بمعاناة الاخر، حتى ولو كان منا ونحن منه، بل إننا نصورها بهواتفنا ونتاجر بها وفيها، لأن الغرب أقنعنا أن “كل إنسان حر في نفسه” بمعنى الفردانية والأنانية، وما الحياة إلا حياة “دولتش فيتا”،فقتلوا فينا الإحساس بالانتماء إلى الوطن وإلى الأمة التي توحدنا بلغتها ودينها وثقافتها وقضاياها الوجودية مهما كانت الاختلافات، فزرعوا فينا السموم وزرعوا من بني جلدتنا من ينفث السموم فضلا عن تصهينهم، وشتتونا وفرقونا ونحن في الوطن الواحد وجعلوا منا أحزابا وأقواما وجزرا مختلفة كل يغني في جزيرته، حتى لا نظل في ضعف وإحباط وهزيمة ونلقي اللوم على الاخرين. فنسينا أن دوام الحال من المحال وأن زوال النعمة يكون بالاستهتار والامبالاة والأنانية الجماعية والنسيان وعدم نصرة المظلومين والتخلي عن إنسانيتنا:”فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ.” (الآية).
بدون زواق وإلتواء وبغض النظر عن اختلافاتنا وحتى لا نفقد إنسانيتنا ونأكل يوم أكل الثور الأبيض: إنها معركة الوعي باللحظة التاريخية، معركة الاستيقاظ من كل وسائل التخدير التي تمارس علينا، معركة التحدي والاصطفاف إلى الحق وعدم الصمت الجبان، الحق المتمثل في الدفاع عن إخواننا في فلسطين قضية القرن وقضية الإنسانية جمعاء وما المظاهرات في كل بقاع العالم إلا خير دليل، الدفاع عن غزة التي تعيش تطهيرا عرقيا كما تم تطهير الملايين من الهنود الحمر بأمريكا لإنشاء دولة هوجاء هجينة تسمى الولايات المتحدة التي اليوم لم تنسى ماضيها (إضافة إلى اليابان والفيتنام وأفغانستان) فتقدم الدعم اللامشروط للعصابات الصهيونية التي نهجت نفس الأسلوب بفلسطين وقامت بسفك دماء أهلها وتهجيرهم وتزييف تاريخهم وتاريخ الإنسانية كلها.
الآن وقبل غدا وقبل فوات الأوان، كل من موقعه وبالكلمة الصادقة والفعل الناجع، غزة في أعناقنا وأهليها يستصرخوننا ويستنصروننا، فلا خذلان ولا نسيان ولا استسلام ولا غدر ، حتى نبرأ ذمتنا أمام الله وأمام التاريخ.
والنصر آت لا محالة غدا أو بعد غد :”فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مره وليتبروا ما علوا تتبيرا.”
“وما النصر إلا من عند الله”
“والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.” صدق الله العظيم
مصطفى الطالب