الدكتور: خالد الصمدي
تطالعني بين الفينة والأخرى عبر هذا الفضاء الازرق فيديوهات لكائنات غريبة توقف عداد تفكيرها في النصف الثاني من القرن الماضي ،
فقد بعث هؤلاء القوم من مرقدهم فصاروا يبحثون عن شهادة وجود جديدة عن طريق الشهرة والترميز عبر مواقع التواصل الاجتماعي يقودهم في ذلك كبيرهم الذي اشتهر بكونه يخرق كل إجماع رشيد في المجتمع، ويخلط بأصابعه كل صورة جميلة متناسقة الالوان ، بعد أن استفاق من سباته وخرج من سردابه زاعما أنه جاء ليعلم الناس السحر وقد اشتعل الرأس شيبا ،
فركب وركب معه قومه صهوة صور نمطية قديمة عن كل مقومات الهوية والانتماء التي تشكل كينونة هذا البلد العزيز ، وأخذوا يروجون لها في ظل أجندة معلومة باعتبارها اكتشافا وفتحا مبينا ، وغاب عنهم أنها كانت منذ زمن بعيد مقولات لصبيان ومراهقي تيارات إديولوحية معينة ، وأضحت جزءا من التاريخ الثقافي والفكري المستهلك زمن الحرب الباردة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ،
فالدين عندهم لا يزال الى يومنا هذا وسيظل يناقض العلم ، والقرآن كتاب مهرب يعاني من سوء الفهم والتأويل ، والسنة لغو حديث، والأسرة نمط اجتماعي مغلق مليء بالطابوهات تحتاج الى تكسير، والفقهاء وفتاواهم تقليدية ماضوية لم تغادرالقرون الوسطى ، والعلوم الشرعية ليس بينها وبين العلم والمعرفة نسب ، والحجاب لا يمكن أن يكون اختيارا بل هو محض إكراه ، والاسلام قرين بالعنف والاقصاء بما في ذلك رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ملوك عصره ،والثقافة الإسلامية متخلفة بطبيعتها عن العصر ، واللغة العربية عاجزة عن مواكبة العلوم ، والمناهج التعليمية المغربية كانت مليئة بالكراهية العرقية ، وغير ذلك من الاباطيل والأسمار،
صور نمطية ظلت راسخة متكلسة في ذهن هؤلاء رسوخا إديولوحيا عميقا غير قابل للمراجعة ولا للتراجع، بعد ما جعلوا أصابعهم في آذانهم من العناد حذر الفهم، ودخلوا في سبات شتوي عميق منذ منتصف القرن الماضي ، فظلت هذه الصور تخفي وراءها منذ ذلكم التاريخ ذلك الحقد الدفين تجاه كل ما له علاقة بالاسلام دينا وحضارة وتاريخا ، لأنه بكل بساطة يشكل نقيضا حضاريا موضوعيا للمشروع الذي يحملونه ويستغلون عليه ويروجون له والذي يناقض أبسط قواعد العقل والمنطق المتمثلة في التثبت العلمي وتجنب الأحكام المسبقة والجاهزة، وعلى قيم العصر المتمثلة في حرية الاختيار والحوار والتعددية وتدبير الاختلاف ، وهي قيم هذا الجيل الرقمي المنفتح الذي يرفض النمطية والانغلاق ،
ياسادتي إذا كنتم لا زلتم في سكرتكم تعمهون فإننا نرفع على كريم علمكم بعض الاخبار الجديدة لعلها تكون لكم فيها فائدة ،
فقد سقط جدار برلين ، وسقط الاتحاد السوفياتي ، وانتهى زمن البرسترويكا، وظهر شيء ساحر اسمه الأنترنيت ، وتطورت العلوم الإنسانية والاجتماعية وتكاملت مع العلوم والمعارف الاخرى ولم تعد بينها حواجز ، وراجت المعلومات وسالت ولم تعد قابلة للاحتكار والتزوير والادعاء ، واصبح الجيل الجديد اكثر اطلاعا ومعرفة واكثر إقبالا على التدين لانه يبحث عن المعنى ، وأصبح أكثر قدرة على التمييز بين الفكر والإديولوجيا ، وما هو مجرد حقد دفين،
لقد تحول الاجتهاد من الفرد الى المؤسسة ، وأصبحث الثقافة والحضارة الإسلامية سائحة عبر تقنيات التواصل الحديثة وبلغات العالم المختلفة ، وارتدى الحجاب قناعة وافتخارا ملايين المهندسات والطبيبات والعالمات في المختبرات، والاستاذات الجامعيات عبر العالم ، وأصبحت اللغة العربية من لغات الأمم المتحدة وثالث لغة في فضاء الأنترنيت قبل عدد من اللغات الأروبية التي أنت مفتونون بثقافتها ، ولكريم علمكم فقد تم التنصيص على الأمازيغية لغة رسمية في دستور البلاد سنة 2011 ، وانفتح المغرب على كافة أبنائه وبناته بمختلف حساسياتهم الدينية والثقافية والسياسية في تدبير الشأن العام ليسهم الجميع في نهضة الوطن دون تمييز او إقصاء،
لقد فاتتكم على ما يبدو كل هذه الاخبار الجميلة بعد ما دخلتكم في سباتكم الشتوي الطويل وها نحن نطلعكم على كل هذه المستجدات في إطار تحيين المعطيات عسى أن تعملوا على إعادة تشغيل آليات تفكيركم لتصبح ملائمة ومستوعبة لهذه المستجدات حتى زإن كانت لا تروقكم وليس في صالح أجندتكم، وإنما قصدنا من ذلك أن ننتشلكم من حالة الشرود ، فقد أشفقنا عليكم بعد أن اصبحتم أمام الجميع عرضة للتهكم والسخرية بدون شعور ودون حدود.