مجرد رأيمنوعات

مغرب السبعينيات … كيف عاش المغاربة قرنا في عقد من الزمن؟

منقــــــــــــول

عندما تتأمل ماعاشه المغرب في السبعينيات، تخلص إلى أن البلد عاش عقدًا مكثفا وكأنه قرن(على سبيل المبالغة)..
ما أنجزه المغاربة وما عاشوه، يصعب أن تتخيل أنه وقع في ظرف عشر سنوات لاغير..
خلال عقد فقط، جرب المغاربة انقلابين عسكريين ضد السلطة، كما جربوا ثورة مسلحة بالجبال ضد النظام، وفيه تأسست أبرز التنظيميات اليسارية الماركسية، وتم تأسيس النقابة الوطنية للتلاميذ وعاش الاتحاد الوطني لطلبة المغرب أزهى فتراته.
في السبعينيات كانت السياسة حقيقية، وبلغ الزخم النضالي السياسي والنقابي أوجه. وفي السبعينات جرب المغرب القمع بوحشية لا تتصور وفتح تازممارات ودرب مولاي الشريف ومارس الاختطاف السياسي والاغتيالات ، وشهد أكبر المحاكمات السياسية وصدرت أحكام بالإعدام ضد العشرات..
وفي السبعينيات قرر شبان وطلاب مغاربة الانفصال بالصحراء وأعلنوا تأسيس جمهورية وهمية وسط الخيام، وخلاله مشى 350 ألف مغربي في مسيرة لاستعادة الصحراء، ولعل الرصاص في الصحراء في حرب خاضها المغرب ضد البوليساريو والجزائر وليبيا وأسلحة وخبراء الاتحاد السوفياتي وكوبا..
في هذا العقد ، عاش وجرب المغاربة كل شيء بكثافة. فيه أفرغ المغاربة كل مافي جعبتهم من الإبداع الفني، تمّ توقفوا. الربطوار الذهبي المغربي في الغناء إنحز خلال هذا العقد..
تأسست جل المجموعات الغنائية المغربية وغنت أجمل ما لديها( الغيوان، جيلالة، لمشاهب، تكادة، لرصاد، إزنزارن، أوسمان، الإخوة ميكري..الخ) بلغ الإبداع والتنافس أوجه . عدد المطربات والمطربين الذي برزوا وتنوع اتجاهاتهم ومستوى الألحان والكلمات لم يقع أن أنجبهم المغرب في فترة عشر سنوات. كبار المطربات والمطربين تألقوا وأبدعوا في هذه الفترة: الطرب العصري، الشعبي، الأمازيغي.
جيل كان أشبع بجائع أو عطشان، كمية الابداع الفني ومستواه لا يمكن تخيله . كل الأذواق أخدت حقها، كل الألوان كانت حاضرة. وكل شيء كان جميلا وعليه إقبال، أجمل الأغاني الوطنية الرسمية هي بنت السبعينات. كل ما يطربنا، إلى اليوم، يعود للسبعينيات ..
كانت أزهى فترة للمسرح المغربي ورجالاته ونسائه، وتعد، كذلك الفترة الذهبية للجمعيات والنوادي المسرحية والسينمائية. فيه تأسست نوادي السينما وكانت الجامعة الوطنية للأندية السينمائية تغلي، وكان مهرجان مسرح الهواة تحفة ومدرسة حقيقية.
السبعينيات لعبنا فيها المونديال لأول مرة، وفزنا فيها بكأسنا الأفريقية اليتيمة، وعاشت فيه كرة القدم عصرها الزاهي على كافة المستويات: القسم الأول والثاني والهواة والبطولة العمالية.
مجتمعيا، الإقبال على الحياة كان كبيرا ومنظما، كان المغاربة أكثر تنظيما وأكثر حفاظا على نظافة الشوارع والممتلكات العامة.كانت القاعات السينمائية مملوءة والمسارح مملوءة والشواطئ مملوء من كلا الجنسين، وكان المغاربة متسامحين وغير منشغلين بإشهار التدين. كان العصر الذهبي للفتوات و”المرود” وقياد المقاطعات الكبار.
يمكن القول إن أحسن جيل عاش مجد الجامعة والتكوين العالي، كان جيل السبعينيات(لا أقصد المواليد) . مستوى التكوين ومستوى الطلبة وزخم الحياة الجامعية، لا أعتقد أن جيلا عاش ماعاشه طلبة السبعينيات ولا تلاميذ السبعينيات..
مغرب السبعينيات كان أشبه ببركان تفجر وعاش وجرب كل شيء بكثافة، جرب الاستيلاء على الحكم والتطرف في السياسة والتطرف في الحكم والتطرف في الدين والتطرف في القمع. وهو نفس المغرب الذي أخرج قمة وأجمل إبداعاته فنيا وثقافيا ورياضيا في ظرف عشر سنوات لاغير، ثم أغمي عليه بعد ذلك وتتاقلت خطواته وأصابه الخمول والكسل.
عقد السبعينات لم يتكرر بكثافة أحداثه ووقائعه وزخمه وتناقضاته وتطلعاته.. هذه مجرد ملاحظات. يحتاج إلى وقفات وبرامج خاصة ودراسة سوسيولوجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى