عبد الرحيم بن بوشعيب مفكير
الحق في الإنتماء النقابي :
عرفت البشرية تغيرات في كل المجالات سواء في مناهج التفكير والاقتصاد والثقافة والسياسة أو الحياة الاجتماعية نتيجة الانقلاب التكنولوجي الحاصل في وسائل الإعلام وسلطة المعلوميات في مختلف مجالات الحياة. لذا أصبح من الواجب ضمان الاستقرار الاجتماعي، وذلك بإحداث هياكل ومؤسسات لتنظيم أنشطة الإنسان لكي يقوم بواجباته ويدافع عن حقوقه. وتعتبر النقابات إحدى المؤسسات القادرة على المساهمة في خلق التوازن، والتوافق، والإصلاح في الحياة الاجتماعية.
وتكتسي النقابة في عصرنا الحالي أهمية كبرى لما تقوم به من دور في توطيد ركائز المجتمع المدني وضمان الاستقرار الاجتماعي، وما تقوم به من مبادرات في حل مشاكل العمال ودراسة أوضاعهم والدفاع عن حقوقهم. ونظرا لدور المنظمات النقابية في حماية الإنسان والدفاع عن مصالحه، سنحاول التعريف بالحركة النقابية وإبراز دورها وإيجابياتها على الإنسانية جمعاء.
ترتبط النقابة ارتباطا وثيقا بحقوق العمال، وقد أصبح التنظيم النقابي في العصور الحديثة من أولويات حقوق الإنسان باعتباره حقا طبيعيا ثابتا لكل إنسان. كما أعلنت ذلك منظمة حقوق الإنسان. وجاء في الإعلان عن حقوق الإنسان الصادر في سنة 1948 م في الفقرة الرابعة من المادة 23 ” لكل إنسان الحق في تأسيس النقابات مع غيره، وفي الانضمام إلى النقابات للدفاع عن المصالح” وشاع بين أغلب الناس أن الحركة النقابية حركة مهنية ” أكل عيش” لا ترقى إلى مستوى الحركات الإنسانية الكبرى ذات الصيت المدوي والبريق الأخاذ كالديمقراطية والاشتراكية وليس فيها ما يجذب”وهكذا تم حصر العمل النقابي في زاوية مغلقة ولم يسمح له بالانطلاق للقيام بواجبه، بالرغم من أن الحركة النقابية تصدت لقضية جوهرية وجعلتها محور عملها وكفاحها قضية الإنسان أي إنسانية الإنسان”
ولم يستطع الإنسان أن يحصل على حقه في الانتماء النقابي إلا بعد مجهودات أودت بكثير من النقابيين الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل إقرار حرية الانتماء وحرية تأسيس النقابات. فبعد الإعلان عن هذا الحق بالتنصيص عليه في الإعلان العالمي ثم تكريسه أكثر في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وبعد ذلك في اتفاقية 87-78 الصادرتين عن المنظمة الدولية للشغل. وبالمغرب حرص المشرع الدستوري على إيلائه أهمية خاصة بإدماجه ضمن الحقوق الأساسية للمواطن المعترف بها في الدستور التي أعلنها بالتوالي في سنوات1962- 1970-1972-1992. ويتحدد الإطار القانوني للحق في العمل النقابي من خلال الظهير الشريف رقم 1- 57- 119. الصادر بتاريخ 16 يوليوز 1957 المتعلق بالنقابات المهنية. إضافة إلى المرسوم رقم 2- 57- 1456. بتاريخ 5 فبراير 1958 بشأن مباشرة الموظفين للحق النقابي. ووضع لتأسيس التنظيمات النقابية شروطا أهمها: أن يكون الغرض الوحيد من تأسيسها هو الدفاع عن المصالح الاقتصادية والصناعية والتجارية والفلاحية الخاصة بالمنخرطين فيها. والسماح لبعض الفئات بمباشرة الحق النقابي كموظفي وأعوان، الإدارات، والمكاتب والمؤسسات العمومية، مع استثناء الأعوان والمكلفين بالسهر على سلامة الدولة والأمن العام. وسمح للنساء بالانخراط في النقابات مع عدم السماح للقاصرين الذين لم تتجاوز أعمارهم 16 سنة بالمشاركة في إدارة المنظمات النقابية أو تدبير شؤونها إلا إذا بلغوا سن 18 سنة.
ولعل المتتبع للتجربة النقابية بالمغرب يمكنه أن يقف عل حقيقتين أساسيتين الأولى : هي أن العمل النقابي يتميز بالتعددية. فبعد الوحدة النقابية التي رعتها الدولة إلى الستينات سرعان ما عرفت انشقاقا وتفككا ساهم في ضعف العمل النقابي، وتم تشجيعه من طرف الدولة لما أصبح هذا التوحد يشكل خطرا متوهما. فبرزت نقابة جديدة لخلق التنافس بين هذه التنظيمات والعمل على الاستفادة من تناقضاتها.
والحقيقة الثانية : وهي جدلية النقابي والسياسي. فاختيار بن الصديق جاء مخالفا للتوجهات السائدة ببلادنا، حيث دعا إلى الفصل بينهما أي النقابي والسياسي، ويقصد بذلك الفصل عدم تدخل الأحزاب في توجيه خيارات وخطوات النقابة. وبالرغم من هذا الموقف، فالنقابي مرتبط بالسياسي ووثيق به ولا وجود لأحدهما دون الآخر.
الملاحظة التالية : تتمثل في أن قوة العمل النقابي والنقابة عرفها المغرب في مرحلة الاستعمار. ففي ظل الحماية كان هدف الحركة العمالية الخروج من واقع البؤس، والتردي، والمعاناة التي عانتها من طرف الاستبداد الاستعماري. فتمت المراهنة على كسب أحقية الانتماء للعمل النقابي وتصفية التمييز الموجود بين العمال المغاربة والأوربيين، وطرد المستعمر، وإقرار نظام عادل يحقق المساواة والكرامة.
إن السمة العامة للعمل النقابي كان هو التوحد لما فيه مصلحة العامل أولا وطرد المستعمر ثانيا رغم التباين الإيديولوجي، إلا أنه بعد الاستقلال برزت بوادر الانشقاق والتفكك وذلك استجابة لدعوات السياسيين الذين رغبوا في التركيز على فكرة تبعية النقابي للسياسي دون الحفاظ على الاستقلالية المفروضة في كل توجه نقابي كيفما كانت منطلقاته. وكانت سنة 61 م بداية للطلاق بين الحلفاء وأظهرت الصراع الأيديولوجي الذي فتت العمل النقابي، لتأتي محاولة تصحيح المسار ودمقرطة هذا العمل مع ( ك – د – ش) التي بدورها عانت من تجاذب التيارات المتواجدة بها. أما بالنسبة للاتحاد الوطني للشغل فتأسيسه جاء نتيجة رفضه للتصورات الماركسية التي حكمت صيرورة العمل النقابي. هذا التميز جعل عمل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب بالنسبة له ولرؤيته التي تبناها تصحيحيا، وذلك بإرجاع العمال إلى هويتهم الدينية ودعوتهم للتمسك بالإسلام عوض تبني خيارات دخيلة غريبة عن فكرنا كأمة إسلامية. التأسيس للتصور الإسلامي للحركة النقابية المتمثل في مطالبة العمال بأداء واجبهم أولا للحصول على الحقوق في يسر وفي غير رقابة من صاحب المعمل أو غير رقابة من الدولة. جعل الاتحاد في موقع لا يحسد عليه، مما أدى إلى محاصرته لا سيما مع موجة الفكر الماركسي خلال السبعينات، وما تلاها بوجود تيار الحداثة وما بعدها وطغيان العولمة.
لقد حاولت الحكومات المتعاقبة ترويض العمل النقابي وفك الارتباط بين العمل التحرري والوطني النابع من الحركة الوطنية وجيش التحرير وبين العمل النقابي لجعله عملا دفاعيا مصلحيا وعزله سياسيا، كما سعت بدورها الهيئات الحزبية وما زالت إلى توظيفه وإدخاله إلى معارك هامشية قصد الضغط على النظام بغية الوصول إلى الحكم والتداول على السلطة. وهكذا وجدت الشغيلة نفسها سجينة الدفاع عن حقوقها والتوظيف السلبي الذي لا يخدمها في شيء مما أفقد الراغبين في الانتساب للعمل النقابي الثقة فيه، ومن ثمة توسعت دائرة العزلة، وطغى فكر ” الانتظارية” والابتعاد عن الفعل التغييري.
إن العمل النقابي محكوم بقوة التوحد أكثر من الاختلاف خدمة للصالح العام وللطبقة الشغيلة. وكل تجزيء سيكون المستفيد منه أعداء الطبقة العاملة. وإن كان نسقنا السياسي والاجتماعي كم يقول جون وايتر بوري محكوم بالتوحد والانقسام حسب ظروف غالبا ما يتم إعادة إنتاجها بشكل كاريكاتوري فيتحول الصديق إلى عدو والخصم إلى حليف.
الثورة التكنولوجية والتكتيك النقابي الجديد :
تتعرض الحركة النقابية لتحديات جاء بها التقدم التكنولوجي وظهور الكومبيوتر والإنترنت مما أخل بنوعية العضوية النقابية وانحسار عمال الصناعات الثقيلة وزيادة عمال الخدمات واستخدام الكمبيوتر في المنازل، فضلاً عن حركات الاندماج ما بين المؤسسات العملاقة لتزداد عملقة، وليمكن توفير أعداد من العمال بعد أن قلص التقدم التكنولوجي أعدادهم من قبل، بحيث ظهرت الحاجة إلى “تكتيك” نقابي جديد حتى لا يتشرد العمال اليوم كما تشردوا في أعقاب الثورة الصناعية الأولى.
ولما كان أسلوب عمل النقابات هو الضمانة الحقيقية للعمال في المجتمعات الحديثة، فإن الهيئات الدولية حمت حق تكوين النقابات والانضمام إليها، واعتبرت ذلك من الحقوق الأساسية للإنسان. فنصت الفقرة 4 من المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة سنة 1948م على حق كل إنسان في تكوين النقابات والانضمام إليها، كما عززت اتفاقيتا الأمم المتحدة الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هذا الحق.
وفي عهد سابق تكونت “منظمة العمل الدولية” سنة 1919 كجزء من تسوية السلام في آثار الحرب العالمية الأولى، وجعلت همها معالجة قضايا العمل وتسويتها ما بين الأطراف الثلاثة: (الحكومات – العمال – أصحاب الأعمال)، وتنضم اليوم كل دول العالم تقريبًا إلى منظمة العمل الدولية بمقرها في جنيف، ويكون تمثيل كل دولة على أساس ثلاثي. أي بمندوبين من الحكومات وأصحاب الأعمال والعمال.
وتنفرد منظمة العمل الدولية بين المنظمات الدولية بهذه الصفة، وتعقد المنظمة مؤتمرًا سنويًا في يونيو من كل عام يحضره مندوبو الدول الأعضاء بصفتهم الثلاثية لمناقشة قضايا العمل، ولوضع “اتفاقيات” و”توصيات”. والاتفاقية تعد معاهدة ملزمة للدول التي تصدق عليها.
وهناك عدد من الاتفاقيات التي أصدرتها المنظمة خاصة بحماية الحرية النقابية، أبرزها الاتفاقية 78 سنة 1948م عن حرية التكوين النقابي، والاتفاقية 98 لسنة 1949م عن حماية حق التنظيم والمفاوضة الجماعية، ومعظم الدول مصدقة على هذه الاتفاقيات التي تعد من أعرق الاتفاقيات ومن الاتفاقيات الخاصة بالحقوق الأساسية للإنسان.
وقد تكونت في السبعينيات منظمة عربية على غرار منظمة العمل الدولية هي منظمة العمل العربية التي أصدرت أيضًا اتفاقية عن الحرية النقابية.
وسط هذه التحولات شهد المغرب احتجاجات شعبية ضخمة، تنوعت وتعددت مطالبها، وتعتمد كافة “الأسلحة الممكنة”. أما ما يجمع بين هذه الاحتجاجات أنها، بدون استثناء، ترفع مطالب اجتماعية فئوية، وكلها حركات غير مؤطرة سياسياً أو نقابيا، فهي لا تنتمي إلى أي حزب سياسي، ولا يحركها أي تيار إيديولوجي، وبدون قيادات بارزة أو وجوه معروفة، ولا يعني هذا أنها غير منظمة، فهي تعتمد على وسائل الاتصال الاجتماعي للتنسيق والتنظيم والتعبئة والتأطير.
لقد كان إضعاف العمل النقابي استراتيجية مهمة في احتواء المعارضة السياسية في المغرب، وكسر أذرعها الاجتماعية، وتحييدها وإبرازها بالطرف الأضعف، وعدم تمكينها من حقوقها وعدم تلبية مطالبها. وتكون النتيجة الطبيعية عدم الثقة في العمل النقابي والفاعلين بالمجال. يضاف إليه أن الأزمة النقابية بنيوية حيث تخلت عن القيم والمبادئ التي من أجلها وجدت، ولتفشي ثقافة البيروقراطية والانتهازية داخل قيادات هذه النقابات، يضاف إليه تشتت العمل النقابي وتشرذم الطبقة العاملة، ووجود الطابع الفئوي الذي بات يتخذه العمل النقابي المفروض فيه أن يكون أداة للتوازن الطبقي لحفظ السلم الاجتماعي.
فالعمل النقابي هو أيضاً من أشكال الصراع الطبقي، والتدافع، من أجل فرض توزيع عادل للدخل، ونشر السلم الاجتماعي، ورفض الاستبداد بكل أشكاله. وكانت نقطة قوة العمل النقابي في المغرب وضعفه أنه كان دائماً مسيسا. فولادته الأولى أملتها الحركة التحررية في عهد الاستعمار في منتصف القرن الماضي، ما جعل الحركة النقابية في المغرب تولد برأسين، اجتماعي وإيديولوجي سياسي. وطوال تاريخ العمل النقابي، لم تنجح النقابات التي توالدت منذ ما قبل الاستقلال، وأصبح عددها يتجاوز العشرات، في إثبات استقلاليتها، سواء عن الحكم أو عن المعارضة. وفي كل الحالات، ظلت النقابات أدوات وأذرعاً للصراع السياسي، سواء في يد الحكم أو يد المعارضة، وكانت أغلب صراعاتها حروباً بديلة، تقوم بها بالوكالة نيابةً عمن يملكون قرار تحريكها. لقد وعى النظام في المغرب مبكراً أهمية العمل النقابي وخطورته. لذلك، عمل منذ الاستقلال على تشتيت النقابات وتدجينها وقمعها.
اليوم يأتي هذا ‘المارد الرقمي”، بشكل مفاجئ لم يكن الفاعل النقابي مستعدا للتعامل معه، وتحضير وصفة دقيقة للاستفادة من إيجابيته، وتجاوز سلبياته.
إن الثورة الرقمية أحدثت متغيرات كبيرة، في عالم أصبح فيه الإبداع والمعالجة وانتقال المعلومة تشكل المصادر الرئيسية للسلطة والإنتاجية. وبفضل الإنترنت، أصبحنا أكثر ارتباطاً وفي شكل متزايد بالمواقع والشبكات الاجتماعية التي يجري عبرها تبادل الآراء والتعليقات والملفات… من بين تلك التغييرات الكبيرة في الميدان، نجد عرض المنتجات الثقافية، من كتب وأفلام وموسيقى وغيرها، والتي أصبحت رهن إشارتنا بمجرد الضغط على الزر. هكذا يتجلى الرقمي، إضافة إلى كونه مصدر تقديم المنتجات الثقافية بسرعة هائلة، فهو أيضاً يعمل كسوق في عالم التبادل.
وفي الميدان الاجتماعي، تلعب الشبكات الاجتماعية خصوصاً الإنترنت دوراً غير مسبوق في الحياة الإنسانية. تؤمن روابط للصداقة والتفاعل، وتفتح آفاقاً للتواصل بين البشر، وتجعل أجيالاً من الشباب تعيش في عالم افتراضي. لكن هذه الشبكات، على رغم أهمية دورها التواصلي، فإنها خلقت قطيعة في ميدان العلاقات الاجتماعية قياساً بما كانت عليه، فمقابل الانتشار الواسع لما تقدمه، وهناك انعزال اجتماعي يترافق مع انتشار هذه الشبكات واستخدامها. كما أن التكنولوجيات الحديثة ساهمت في إحداث تغيير كبير في شكل الطرائق التي يتم التحدث بها عن الذات عبر الإنترنت.
لقد تغيرت الدعامات التي تؤثر بالضرورة في المعرفة وطرائق القراءة. فمع انتشار الحواسيب والهواتف الذكية والألواح الرقمية.
من الميادين الأساسية التي تركت الإنترنت تأثيرها فيها ميدان الإعلام، خصوصاً مع ظهور فاعلين جدد في بلورة المعلومة الإخبارية وانتشارها. وان كان للثورة الرقمية العديد من الايجابيات فإن سلبياتها وآثرها كثيرة، منها أنها تؤدي بشكل مباشر إلى إلحاق الضرر بالأفراد والمجتمعات على السواء، ومن هذه الأضرار التأثير السلبي على العلاقات الاجتماعية، بحيث أن هذه الوسائل التقنية التي جعلت لتخدم الإنسان وتكون تحت تصرفه حتى يساهم في تطور وتقدم مجتمعه، أصبحت تحكمه وتسجنه داخل عالمها الخاص. وعلى مستوى الفعل والعمل النقابي فإنها لا تعد وتحصى. فقد لجأ العديد ممن يحسب على “حزب الكنبة” إلى انتقاد كل الفاعلين الاجتماعيين، وتسخير هذه الأداة لإشاعة نفس التشكيك في العمل النضالي ومصداقية المناضلين، وعدم جدوى الفعل النضالي ولا الانتماء النقابي، واستثمر الانتماء الفئوي والتجييش له، والنزول إلى المعارك عبر شبكات التواصل دون تأطير، بقدر ما تم الاعتماد على النفير والحماسة، وفي الغالب دون مراعاة الملآلات. ويستغل البعض هذه الوسائل التكنولوجية في السب والقذف والتشهير، والتبخيس، والدعوة إلى ثورة على الأشكال التقليدية للعمل النقابي. ولم يتمكن في المقابل الفاعل النقابي من تطوير آليات اشتغاله لا سيما على المستوى المعلوماتي بإحداث مواقع متطورة وتفعيل مجموعة “الواتسب والفايس” في توضيح الرؤى وتنزيل البرامج النضالية، وخبايا الحوارات القطاعية والمركزية مع الحكومة، وتطوير الآلية البلاغية والبيانية في التعبير النضالي (البيانات). وكان أكبر متضرر هو إجهاض سياسة القرب والتواصل مع الشغيلة بمكان العمل، والتعبئة للمحطات النضالية، وجعل المقرات خلايا نحل في مجال التأطير والتكوين.
خلاصة :
في ظل انهيار مجموعة من القيم النقابية والتي لا زالت الحاجة إليها قائمة وملحة، وتساوي أغلب النقابات الكبرى في بلادنا في تفشي البيروقراطية والانتهازية في صفوفها، وفي تمييع النضالات الكبرى ذات البعد الوطني واقتصارها على الاستثمار السياسي لفائدة فئة تستغل مواقعها لإحراز مزيد من المكتسبات الخاصة والمحدودة. وأمام ما جاءت به وسائل “الإعلام الجديدة” أو “الإعلام البديلة” بتمكين الأفراد من خلال توفير ما يساعدهم على اكتساب صفة المواطنة، حيث صار بإمكان المرء أن يتفاعل مع مختلف النصوص والأفكار والتجارب المعروضة على الشبكة العنكبوتية استهلاكا وتوزيعا وتعقيبا. وقد أدّت هذه التفاعليّة إلى حدوث تغييرات على مستوى البنى النفسيّة والذهنيّة والثقافيّة وكذلك على مستوى رؤية الفرد لذاته وللآخرين وللكون. هذه التحوّلات تفرض دمقرطة وسائل التواصل وانفتاح الآفاق أمام المواطنين للمشاركة في نحت عالم جديد بفضل الثورة السياسيّة التي أحدثها وسائل الإعلام الجديد. وعلى الفاعل النقابي تجاوز أساليبه التقليدية في التواصل مع المناضلين وعموم العاملين، وكذا في طرحه للملف المطلبي والتفاوض والتكوين والتأطير، ونشر الوعي وإعادة الثقة في العمل النقابي، وتفعيل آليات المجموعات عبر ” الواتساب” وغيرها.
إن ما يعرفه المغرب من حركة احتجاجية غير مسبوقة تجاوزت الأشكال التقليدية للفاعل السياسي والنقابي، وعطلت حركات الوساطة وعملها، مما أصبحت معه الحكومات في مواجهة حقيقية مع تنظيم تقوى بفعل الثورة الرقمية ونظم نفسه في وقت وجيز وأصبح مؤثرا في الواقع، ووحد الشغيلة في قطاع التعليم، ونزل إلى الشارع وعبأ الأسر في سابقة من نوعها، حيث شهدت العاصمة أكبر مسيرة احتجاجية خاضتها الشغيلة التعليمية تلتها وقفات على مستوى الأكاديميات والمديريات الإقليمية،ومسيرات على مستوى المدن، بعد خطأ كبير وتقدير سيء من الوصي على القطاع ورئاسة الحكومة التي أخرجت نظاما أساسيا معاقا أجهز على المكتسبات وكتب بنفس مقاولاتي، وجاء بنمطين من التوظيف، ولم يستجب للمطالب العادلة والمشروعة للشغيلة. ولن ينتهي الاحتقان إلا بتعقل المسؤولين وتقديم نظام أساسي عادل ومنصف يحقق العدالة الأجرية، والمساواة، ويوحد المسار المهني للعاملين بالقطاع، ويقطع مع مواد العقوبات التي تخالف ما جاء في قانون الوظيفة العمومية، ويدمج الأساتذة الذين فرض عليهم التقاعد، ويعيد الكرامة للأساتذة، والاعتبار للمؤسسة التعليمية، ويفتح ورشا للنقاش والتوافق. كما على النقابات، أيضا، تغيير طريقة اشتغالها والقيام بالتواصل الفعال مع الشغيلة علها تعيد الثقة، وتسترجع بعضا من مصداقيتها، وجاذبيتها.