مجرد رأي

صمود غزة يثمر ربيعًا آخر

بقلم د. طارق الزمر

هل هي مصادفة أن يكون احتجاج الطلاب الأميركيين – اعتراضًا على دعم حكومتهم للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في مواجهة أشرف مقاومة عرفها التاريخ الحديث في غزة – شبيهًا باحتجاجهم منذ خمسين عامًا تجاه سلوك حكوماتهم العدواني في مواجهة الشعب الثائر في فيتنام؟! وهل سيكون له ذات التأثير على السياسة والمجتمع كما كان في السبعينيات؟
وإذا كانت احتجاجات الستينيات قد اختلطت فيها مطالب وقف الحرب في فيتنام بمطالب السود في أميركا، وإدانة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، فإن الاحتجاجات الحالية، وقفت عند غزة وحدها ولم تطالب بغير “الحرية لفلسطين”، فقد انطلقت مظاهرات الطلاب واحتجاجاتهم تطالب بالحق الفلسطيني من البحر إلى النهر، وهو ما لم نعد نسمع به في عالمنا العربي، كما طالبت برحيل الاحتلال الصهيوني والعودة من حيث جاء.
ربيع أميركي
لقد شملت الاحتجاجات إقامة اعتصامات داخل الحرم الجامعي متحدية رفض السلطات التي وقعت في كمين منصوب في قلب المجتمع الأميركي، حيث الطلاب عصب الحياة كما لا يمكن تجاهلهم، ولا طمس مطالبهم، ولا التغطية على احتجاجاتهم التي قد بلغت بالفعل أركان الكرة الأرضية الأربعة، فإذا تم تركها امتدّت وعرضت توجهات الإدارة الداعمة لعمليات الإبادة للحرج، وإذا تم قمعها فإنها تعرض الديمقراطية لمأزق كبير، ولا سيما أن التعدي عليها اليوم ليس خارج الحدود في بلدان العالم الثالث البعيد، بل في قلب المجتمع الأميركي، وخاصة حين يلجأ الحكّام لاستعمال إدارات الجامعات لقمع المحتجين.
لقد عمّت الاحتجاجات طول البلاد وعرضها وامتدت لأكثر من 40 جامعة وكلية، إذا أضفنا إليها احتجاجات الطلاب في كندا أيضًا، علمًا أن أهم الجامعات الأميركية المحتجة، هي :”كولومبيا” و”بنسلفانيا” فضلًا عن “كارولينا الشمالية” و”دالاس” و”سانت أنتونيو” و”أوستين” بولاية تكساس الجنوبية، وبلغت جامعات ولاية “نيو مكسيكو” و”ستانفورد” في ولاية كاليفورنيا في الغرب، ولم تنجُ منها جامعات “مينيسوتا” و”أوهايو” في الوسط.
لم أستطع أن أتحكم في مشاعري، وأنا أراجع في ذاكرتي مشاهد الربيع العربي الذي خرج انتصارًا للحرية والكرامة الإنسانية.. وأنا أشاهد الطلاب في الجامعات الأميركية في ربيع آخر يفترشون الأرض داخل مخيمات الاعتصام التي بنوها خصيصَى؛ انتصارًا لغزة وتأييدًا لفلسطين في وجه آلة الحرب الجَهنمية الأميركية / الصهيونية التي تبيد كل شيء فوق الأرض، علمًا أنّ الأمر لم يقف عند هذا الحد، فالاحتجاجات مستمرة ومتصاعدة وتتسع لتشمل العديد من الجامعات، وتسبب حرجًا بالغًا للإدارة الديمقراطية واللوبي الصهيوني، كما تضع إسرائيل أمام حقيقتها التي ظلت تضلل العالم حولها خلال أكثر من سبعين عامًا، ولهذا انطلق اللوبي الصهيوني الممول بشكل رئيس للعديد من الجامعات الأميركية؛ ليهدد ويتوعد، كما انتفض نتنياهو يهاجمها ويندد بها.
لقد شملت الاحتجاجات جامعات “كولومبيا” و”ييل” و”نيويورك” وجامعة “جورج واشنطن”  التي تشهد لأول مرة اعتصامًا في قلب العاصمة، واستطاع طلاب كلية “أيمرسون” نصب الخيام بالقرب من المباني الأكاديمية في وسط مدينة بوسطن، كما نصب طلاب معهد “ماساتشوستس” العديد من الخيام في الحرم الجامعي لجامعة “كامبردح”، وانضمّ إليهم طلاب جامعة “هارفارد” بعد أن منعتهم الشرطة من الوصول لحديقة جامعتهم، ونفس الخيام وربما بشكل أكبر زيّنت الحرم الجامعي لجامعة “ميشيغان”، واضطرت الشرطة لهدم المخيمات من أمام مكتبة جامعة “مينيسوتا” وألقت القبض على عدد من طلابها.
وفي جامعة “تكساس” استخدمت الشرطة الخيول لتفريق المتظاهرين، بل وإلقاء القبض على عدد كبير منهم، وفي جامعة “كاليفورنيا” تم إغلاق الجامعة والطلب من الشرطة فضَّ مظاهراتهم التي كان على رأس مطالبها “إيقاف كل أشكال التمويل لإسرائيل” و”إقامة برنامج للدراسات الفلسطينية”، وفي جامعة “أنديانا” تم اعتقال العديد من الطلاب بعد رفضهم إزالة هيكل مخيمات الاعتصام، ومازال مطلبهم الرئيس “الحرية لفلسطين”.. ثم ها هم الأكاديميون ينتفضون؛ غضبًا للتعدي على طلابهم وعلى حريتهم في التعبير، فنالهم ما نال طلابهم من اعتقال.
بايدن المرتبك
واللافت للنظر والمهم في ذات الوقت هو أن طلابًا يهودًا يشاركون في الاحتجاجات، في ردّ واضح على من يحاولون تحميل الاحتجاجات الاتهام المعتاد “معاداة السامية”، فضلًا عن أنهم ينفون بشكل صريح أن تكون الاحتجاجات عداء للسامية، بل إنهم احتفلوا بعيد الفَصح في وسط الاحتجاجات وبين المحتجين.
كما أن جمعية يهودية تطلق على نفسها “يهود من أجل السلام” دعت زعيم أغلبية مجلس الشيوخ اليهودي “تشاك شومر” لقيادة حملة لوقف المساعدات العسكرية لإسرائيل، كما احتشد آلاف المتظاهرين اليهود من أنصار الجماعات المدافعة عن السلام في نيويورك في “عيد الفَصح”؛ مطالبين بوقف تسليح إسرائيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى