مجرد رأي

عزمي بشارة يكتب:

 

قد تغطي السلطويات على الجرائم بإشغال الناس بأخبار أخرى وبأمور حياتية من الغلاء والغرق في متطلبات الحياة الاستهلاكية وحتى الترفيه. يكاد هذا ان يصبح سلوكا طبيعيا ملازما للسياسة بوصف الجرائم الكبرى استثناءات. أما الحرب الهمجية على الشعب الفلسطيني فتجري على مستوى مختلف تماما. فقد وصلت حد التغطية على جريمة بجريمة أكبر منها في مسلسل الإبادة الدموي. فقتل جموع الموعودين بالطحين وأخبار التجويع تغطي على خبر قصف منزل ودفن سكانه تحت سقفه وجدرانه، وفي ظل أخبار قصف الأحياء لا يثير خبر اقتحام مستشفى جنين وقتل الناس داخله الاهتمام الكافي. وهكذا تخلق حرب الإبادة تحديا يتمثل في مقاومة أنماط الاستهلاك الإعلامي وتجاوز الإثارة التي تستنزف الحس وتبلِّد المشاعر، إلى التوثيق المدرك عاطفيا وعقلانيا لشمولية الجريمة التي لا تدريج لتفاصيلها، ولا يجوز تجاهل أي تفصيل فيها أو تمريره. ما يجري هو جريمة شاملةـ وكل تفصيل فيها هو جزء من حرب الإبادة.
ـأما الذين يتنافسون معها خبريا على صعيد الاجتماعات بين “المسؤولين” وبياناتهم وخلافاتهم، فيغطي عليهم الخبر الكبير الذي يتلخص بتواطؤهم مع الجريمة أو عجزهم عن فعل شيء لوقفها. هذا هو الخبر أما الأخبار الأخرى (على أهميتها في ملء الخانات الفارغة وساعات البث) فهي عبارة عن استهلاك إعلامي طالما لم تصل إلى مستوى اتخاذ خطوات فعلية لوقف الجريمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى