غمزة : «الفاهم يفهم»
متى يحين الوقت ويكون مناسبا لنقدم أنفسنا كفاعلين جمعويين أو كأطر جمعوية – إن وجد بيننا هذا النوع – للآخر وننقل إليه ثقافتنا، ونتحدث معه بثقة الذي يمتلك مقومات الحضور الفاعل على خارطة العمل الجمعوي الثقافي الفني والاجتماعي بإقليم الجديدة بكل المعطيات الفكرية والثقافية والمعرفية ؟!! وهل نستطيع أن نطمس معالم الهشاشة في تفكيرنا كفاعلين جمعويين أو كأطر جمعوية والضعف في إمكاناتنا وتفككنا وتشتت آرائنا وانحراف سلوكنا وعدم صدقنا مع أنفسنا حين تتولد عندنا القدرة على المواجهة والقوة عند اللقاء والثقافة التحاورية الحضارية التي يصغي لها الآخر ويقتنع بها فيقبلنا ك…وك….وك…. متحضرين واعين مدركين لأهدافنا مالكين لإرادتنا؟
إن الحقيقة التي ينبغي أن نسلم بها ونعلن اعترافنا بوجودها هي أننا في حاجة ماسة إلى الدخول في ميادين التدريب على الحوار مع أنفسنا أولا، وأن نقف ونرفع شعار «نحن ونحن» لإعادة التأهيل لذاتنا وتفكيرنا وأساليب تعاملنا مع معطيات الثقافة الجمعوية، ولنصنع ثقافة جمعوية تحاورية فاعلة صالحة لأن ننقلها للآخرين، فمن الخطأ بمكان أن نمد أيدينا للبعيد ونحن نتلوى في مستنقع التخلف والانقسامات والخلافات والسلوكيات المنحرفة والعقليات المتحجرة وأقدامنا غارقة في وحل من الضعف على كافة الأصعدة، ومن أراد دليلا على ذلك عليه أن يصغي لأي حوار بين طرفين مختلفين.
إنه صعب جداً أن نتحدث عن التسامح والحث على المعرفة والحب والإخاء والعدالة والمساواة و السلم والسلام ولا أثر له في سلوكنا ولم ينعكس على واقعنا، فالمعرفة تطمسها محاولات بعض المحسوبين على الجمعويين الاعتداء على الثوابت ورفع شعارات بسياسة التزوير والتغرير، والحب تقتلع جذوره كراهية بعضنا فضلا عن كراهية الآخر، والسلام تفسده المكائد أحيانا، والتلاحم تغرقه أعاصير المآرب والمصالح الشخصية وتمزق أوصاله التصنيفات . وكل هذا يعني أننا في حالة انشطار، فالمبادئ شيء والاتباع شيء آخر، وهذا يستلزم أن لا ننشغل بالآخر وإنما ننشغل بـ«نحن» فلا داعي لأن نردد عبارات رنانة طنانة ثم نستيقظ على الحقيقة المرة التي تعني أننا لم نتصالح مع ذواتنا ولا نحسن التعامل فيما بيننا ولم نتقن الحوار مع بعضنا حتى بتنا مضرب المثل في الغوغائية والغثائية.
إذن لا داعي للحديث عن الآخر ما دمنا لا نملك الأرضية الصالحة للمواجهة والملاقاة، لأن نقاط ضعفنا كثيرة فمن اليسير عليه أن يسخر منا ومن هنا يظهر جلياً أن رفع شعار «نحن والآخر» تصالحاً وتصافحاً أو تصادماً ومواجهة ليس من الحكمة في شيء؛ لأن حصوننا مهددة من داخلها لا تسمح لنا أن نقدم أنفسنا، كما أننا ليس لدينا ما ننقله للآخر أو ما نقوله إلا ضعفنا وتفككنا …
… إن مع أول كلمة رسمتها و قفزت أمامي بسخاء علامات استفهام كثيرة، بدت وكأنها تتزاحم وتتدافع بعنف وهي تنتظر إجابة منطقية..! فأدركت بأني في مهمة صعبة، خاصة أن مصطلحي «الجمعوي » و «الدخيل على الفعل الجمعوي » يشهدان سجالا !.
ولا أعلم لم بدا لي الأمر وكأننا كأفراد في هذا المجتمع نواجه مشكلة في تقدير قيمة المواقف التي نتخذها وأهميتها سواء كان ذلك لنا أو لغيرنا، فهجرنا الاستقلالية في الرأي وصادرنا حرية التعبير ولازمنا التبعية كأعز الأصدقاء..! وكأننا لا نملك في حياتنا أحلاما أو أهدافا أجدر وأعمق من أن نثور مع الثائرين ونبكي مع المتباكين ونجلد مع الجلادين ونسخر مع الساخرين! والمحزن في الأمر بأننا قد نفعل ذلك دون أن ندرك حقيقة ما يحدث ولماذا اتخذنا تلك المواقف دونا عن سواها..!.
لكن المشكلة تأخذ بعدا آخر وأشد خطورة، حين ننسى بأن الجمعوي ليس ذلك الذي يتباهى بحضور الملتقيات والصالونات الثقافية أو معارض الفنون التشكيلية أو عروض مسرحية ، أو..!.
وبأن الجمعوي أو الإطار الجمعوي ليس بالضرورة أن يكون عضوا في ….. ، أو أن يعتلي أي منبر ليقول أي شيء ويناقش في كل شيء، أو أن يمتلك حصيلة ضخمة من المعلومات!.
أخيرا أقول.. : «إن العمل الجمعوي حالة توجه الإنسان في اتجاه سيره، وفي ردود أفعاله، وليست محصولا من معارف ومعلومات في حد ذاتها، بل هي الزهرة التي تنبتها تلك المعلومات والمعارف»، وأترك حرية الإجابة : هل تريد أن تبدو جمعويا أم تترجم هذا الفعل كسلوك..؟!.
- • نحن إذن أمام مرحلة جديدة من الوعي بخطورة ما حدث وما قد يحدث.. ومن الإدراك الجمعي لما يجب علينا أن نفعله بعيدا عن التوترات وفي مقدمتها إثارة بعضنا على البعض الآخر.. وإن شذ منا صوت وتصرف على نحو آخر فإن علينا أن نخرسه.. وأن نوقف سريان سمومه في جسدنا النظيف.. لأننا بحاجة إلى بعضنا البعض وليس إلى «تثوير» بعضنا ضد البعض الآخر.. منعا للاحتقان.. وتنقية للنفوس وتهدئة للخواطر.