مجرد رأي

غمزة: المسرح جسر للوصول إلى التلفزيون والسينما

بمناسبة اليوم العالمي للمسرح لسنة 2024

الممثل ..إلتزام أخلاقي وفني

الممثل هو عنصر أساسي من عناصر العرض المسرحي وأي خطأ يقع فيه على خشبة المسرح يتحمل المخرج وزر هذا الخطأ.. ومن أهم صفات الممثل المسرحي الناجح الالتزام الأخلاقي والفني داخل العرض المسرحي، إذ إن خروج الممثل عن أجواء الشخصية والعرض والذهاب إلى أجواء أخرى حسب أهوائه ومزاجه وأنانيته تعتبر جريمة حقيقية في حق العرض المسرحي وكل العاملين معه في هذا العرض، وبما أن الممثل هو من يكون في بوز وفوهة المدفع وهو الموصل الحقيقي للفكرة فعليه أن يصنع علاقة حميمة مع الشخصية التي سيقوم بتجسيدها حتى ينتهي العرض المسرحي، وعليه أن يعي أبعادها وصراعاتها مع الذات ومع الآخرين، فإذا كان غير واع فكيف يسمي نفسه ممثلا وهو غير واع لما يقدم، كما أن الممثل بحاجة أيضا للاسترخاء وساعة صفاء مع الذات، ولكن للأسف صار الممثل لا يلتزم بهذه الطقوس إما جهلا أو تعاليا عليها أو عدم إيمانه بها كطقوس يحتاج إليها لكي يستطيع أن يتقمص الشخصية التي يلعبها.. صار الممثل يمثل فقط من أجل المال والشهرة وعدد المتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي، كما أنه أصبح يمسك السجائر بيده قبل ظهوره على خشبة المسرح، وهناك بعض الممثلين الذين لا يملكون المرونة الكافية على خشبة المسرح وحركتهم ليس بها حياة، خصوصا أن المرونة على خشبة المسرح من أساسيات الممثل الناجح ونحن لا نطلب من الممثل أن يكون له وزن مثالي، فهناك العديد من الممثلين يمتلكون وزنا زائدا ولكنهم في غاية المرونة على خشبة المسرح ،وهناك ممثل لا يملك الحضور على خشبة المسرح لكنه يغصب نفسه ويغصب الآخرين أنه ممثل ونجم، وهذه مشكلة ولكن المخرج الذكي يستطيع أن يصنع من هذه النماذج حتى لو كانت نسبة حضورهم ضئيلة، يستطيع أن يصنع منهم شيئا إذا دمجهم مع الممثلين الذين نسبة حضورهم على الخشية مائة بالمائة، فيحدث نوعا من التوازن في العرض المسرحي لأنه يدخل في الموضوع الروح، فإذا كانت الروح واحدة يستطيع المخرج أن يقدم عملا مسرحيا مميزا.. لكن إذا كانت الروح عند الممثلين مختلفة، فهذا مغرور وذاك لا يعرف أن يتكلم والثالث متعال على الممثلين والرابع صدق أنه ممثل نجم والخامس لا يعرف كيف يمثل، هنا يقع المخرج في خطأ كبير وشنيع لأنه سيدعي بأنه سيقدم عرضا مسرحيا ولكنه للأسف لن يقدم إلا فوضى وفرد عضلات من قبل ممثلين مرضى وأنانيين لا يؤمنون بأن المسرح انسجام وعمل جماعي وليس فرد العضلات.

هناك ممثل يأتي إلى التمرين وهو يحمل معه مشاكله الخارجية والحياتية والنفسية فنراه مششتا وغير صافي الذهن مما يؤدي إلى أن يخرج طاقة سلبية أثناء التمارين فيتحول التمرين إلى نكد لأنها ثؤثر على جميع العاملين في التدريب رغم أن بيتريروك يقول في كتابه “المساحة الفارغة” إنه يجب على الممثل أن يلقي بكل همومه ومشاكله الشخصية خارج المسرح عندما يدخل إلى مكان التدريب وهناك ممثل يأتي إلى التدريب بطاقة إيجابية حتى لو أنه لم يحفظ دوره فيستطيع المخرج أن يتحمله لأن طاقته إيجابية وروحه جميلة فهذه الطاقة الإيجابية وهذه الروح الوثابة ستنعكس على جميع الممثلين العاملين معه في التدريب فيعمل الجميع بنفس الطاقة الإيجابية الخلاقة التي جاء بها الممثل.

وهناك ممثل بأنانيته يعتبر نفسه امتلك الليلة فيضرب بباقي عناصر العرض المسرحي عرض الحائط.. وهذا سؤال يطرح عليه هل تستطيع أيها الممثل أن تقدم عرضا مسرحيا ناجحا دون مخرج متمكن وسنوغرافيا وكاتب نص؟ وبتداخل الاختصاصات في العمل المسرحي وتدخل الممثل في اختصاصات أخرى غير التمثيل كالكتابة والإخراج أصبح الممثل يتحكم في أمور كثيرة وكأننا عدنا إلى ما قبل ظهور المخرج الدوق ساكس ميننجن الذي نظم العملية الإخراجية وألزم الممثل بالتركيز على دوره فقط وكان ذلك عام 1874 م، ولكن الممثل وبعدم التزامه في دوره وتدخله في أدوات المخرج ودون دراية أو خبرة حيث يبدأ بالتلفظ بألفاظ لا تقال على خشبة المسرح وبارتجال مشاهد مقززة لا يمكن تقديمها أمام المتلقي وبهذا يكون قد ضيع الرؤية الإخراجية والمشهدية والتأويل وأخذ العرض إلى منحى آخر يتحمل المخرج في النهاية وزر الأخطاء التي ارتكبها الممثل أثناء قيامه بدوره على خشبة المسرح كما أن المسرح يختلف تماما عن الإذاعة والتلفزيون والسينما ففي الوسائل المذكورة يمكن للممثل أن يعيد اللقطة أو المشهد أكثر من مرة إذا خرج عن السياق العام للشخصية ولكن في المسرح لا نستطيع أن يفعل ذلك فهناك طاقة حقيقية ومباشرة بين الممثل والمتلقي…وأغلب السينمائيين وممثلي التلفزيون والإذاعة خرجوا من تحت عباءة المسرح أبو الفنون إلا ما ندر منهم فمن أهم إشكاليات الممثل هو أنه يريد أن يمثل في المسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما وكل شيء في الكون فلا يوجد لدينا ممثل متخصص في المسرح فقط… فالممثل الذي يريد أن يشتغل بالمسرح والتلفزيون والإذاعة يؤدي إلى تشتته لأنه يريد أن يسافر في هذا العمل وذاك المهرجان، وهذا حق مشروع له ولكن المغريات المادية التي تقدم للممثل في التلفزيون والسينما أقوى من المسرح بأضعاف مضاعفة هذا غير الشهرة وكسب أكبر حشد من الجمهور كل ذلك تجعله يختار التلفزيون ويهجر خشبات المسرح ولا يعود للاشتغال فيها إلا إذا أصبح نجما تلفزيونيا لامعا حتى يختار الدور الذي يناسب نجوميته ويلزم المنتج بالأجر الذي يناسبه كفنان تلفزيوني أوسينمائي معروف له جمهوره فيضطر المنتج أن يرضخ لكل شروطه لأنه لا بديل له وربما يكون هو نفس المنتج الذي رفض شروط هذا الممثل النجم عندما كان ممثلا مغمورا في السابق وهناك من الممثلين الذين يأخذون المسرح جسرا للوصول إلى التلفزيون والسينما فيلفظهم المسرح لأنهم يكونون مكشوفين من البداية.

إعداد: ذ. مطريب بوشعيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى