من شروط التجديد الديني والإصلاح الفكري
* العنوان من اختيار الموقع.
* الدكتور سلمان بونعمان كاتب مغربي وأستاذ جامعي.
التجديد الديني والإصلاح الفكري والنقد الصادق لا يكون بإطلاق التعميمات وأحكام القيمة ووهم الاستعلاء على الآخرين، وإذا كان واجبا نزع القداسة عن الاجتهاد الإسلامي المعرفي والاشتباك النقدي والعلمي معه مطلوبا لاستئناف التجديد الحضاري، فإن خطابات تحقير الإنتاج الفكري الإسلامي وتسفيهه وتشويهه طيلة القرن العشرين، لا ينتج سوى مزيدا من الانتكاسة الفكرية والجمود العقلي، وسيُواجَه بأشكال من التعصب والذاتية والتشنج المتبادل الذي يحول النقاش من عالم الأفكار إلى عالم الأشخاص والأوثان.
ولذلك نحتاج إلى تمرين منهجي نميز فيه بين حدود التقديس والتقدير، وإذا كان التقديس مرفوضا ومُورثا للمشيخة والسلطوية، واستلابا للروح الإبداعية وتهافتا في إطلاق الأحكام الجاهزة، فضلا عن أحاديةٍ فكرية تغتال الرأي وتُعطل العقل وهذا بالتأكيد يعمق معضلة التخلف وآفة التقليد، إذا كان الأمر كذلك فإن منهج التقدير يقوم على تعزيز قيمة الاعتراف وخلق الإنصاف ويثمن الاختلاف، فيكون بذلك دفاعا عن نسبية الاجتهاد الإنساني. ذلك أن منهج التقدير يمكننا من إعمال العقل، ويمنحنا مساحة للنقد تؤمن بالإنسان وحريته، حتى يتطور التراكم الحضاري ونستأنف رحلة التجديد والنهوض.
لا يمكن القضاء على تأثير مفكر أو مشروع فكري سواء اتفقت أم اختلفت معه، بلغة فيها استعجال واستسهال في إصدار التعميمات، خصوصا إذا أنتج هذا الخطاب بسيكولوجيا تستبطن الإثارة أو الفوقية أو الاغتيال المعنوي والرمزي وربما الاتهامات المجانية.
وقد حصل هذا الأمر في نقاشات أثيرت حول محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن والمسيري وبيغوفيتش وسيد قطب وغيرهم، دون أن تؤدي دورها الصحي في الدعوة إلى الاستيعاب النقدي والتواضع العلمي والتجاوز الإبداعي، بل أراها قامت بعكس مقصدها من تنفير الأجيال الجديدة من القراءة المتعبة والمركبة نحو مزيد من السيولة والموضة والاختزالية في قراءة المشاريع الفكرية، فأفرز ذلك اعتقادا واهما عند بعض الباحثين الجدد مفاده إمكان تفكيك أي مشروع فكري بسرعة عبر اتهامه أو تصنيفه أو تحقير جهده العلمي والمنهجي.
ولذلك ستظل هاته النقاشات حبيسة الاتهامات الأيديولوجية والتصنيفات الحزبية والتعصبات الفكرية، وربما حركتها أحيانا المصالح والامتيازات التي تنشأ عن الاستقطابات الفكرانية، في حين أن الاشتباك النقدي ينبغي أن يكون محركه الرئيسي معرفيا خالصا، واعيا بتحيزاته في إطار موضوعية منصفة، وليس تعبيرا عن حالة انهزام نفسي وفكري أمام الإنتاج الغربي.
وكل هذا، لن يُسهم في التقدم خطوة أخرى نحو إعادة تشكيل عقل مسلم، مستوعب لواقعه، ومتفاعل مع عصره، وقادر على الإبداع واستئناف النظر.
والله أعلم