الواجهةمنوعات

الإبحار نحو أرخبيل زبيدة..بشاطىء الجديدة.

بقلم: محمد كريم (1)
على بعد حوالي ثلاث مائة متر جنوب ميناء الجديدة، وفي عرض ساحل سيدي الضاوي وبالضبط وراء “بشكيرة” خشلاعة يقع أرخبيل زبيدة..إنها مجموعة جزر صغيرة لا تتعدى مساحة أكبرها 20 مترا مربعا الى 30 مترا..هذه المواقع البحرية يعرفها جيدا أبناء مدينة الجديدة الذين تعاقبوا على ممارسة الغطس وجني الطحالب بهذا الفضاء البحري الايكولوجي الرائع….
ما يميز هذا الأرخبيل الصغير كونه لا يرى بالعين المجردة الا في فترة الجزر الكبير أواخر الشهور القمرية ،حيث يكشف البحر عن أسراره الدفينة تحت الماء ممثلة في غطاء نباتي بحري متنوع تتكاثر فيه الاسماك والكائنات البحرية من صدفيات وأخطبوط وطيور مهاجرة في مقدمتها طيور النورس والإوز البحري..
كنت محظوظا و أنا طالب بثانوية ابن خلدون بالجديدة في سبعينيات القرن الماضي ومدمن على ممارسة رياضة الغطس وجني الطحالب أن أتعرف على هذه التضاريس البحرية الرائعة التي لازالت موشومة في ذاكرتي رغم مرور أزيد من أربعين سنة ..كان يرافقني احيانا في هذه المغامرات أحد الأساتذة الفرنسيين يدعى( Mr Maffre )و الذي يرجع له الفضل في تلقيني قواعد الغطس وحب الاستكشاف في عالم بحري مجهول ،حيث كنا نقضي ساعات طويلة نتنفس تحت الماء دون أكسجين فقط باتباع عملية الغطس والعودة الى السطح لالتقاط الأنفاس..
كانت هذه الجزر طبعا خالية من اي وجود بشري باستثناء طيور النورس و “الفلامان” و الاوز البحري و “الدريج”..كان ينتابني شعور بأننا غير مرحب بنا من طرف هذه الكائنات التي فضلت الإنزواء بهذه الجزر الموحشة..فبمجرد دخولنا الى هذه المحميات مرتدين لباس “الرجال الضفادع” تشرع هذه الطيور في التحليق فوق رؤوسنا لتطلق اصواتا مزعجة وبصورة جماعية طالبة منا الابتعاد عن صغارها والذين للتو يتعلمون فنون العوم والسباحة.. كنا نحاول الإبتعاد قدر الإمكان عن هؤلاء الصغار حتى لا نتعرض لهجوم هذه الاسرابمن الطيور المسالمة و الكاسرة والعدوانية في حالة الاقتراب من صغارها.
كانت مهمتنا هي الغوص في الاعماق جنبا الى جنب مع مختلف الصدفيات والأسماك التي كانت تحوم حولنا دون اي خوف أو ترقب..بل أن أسماك الأخطبوط كثيرا ماكانت تلتف على أنبوب التنفس المثبت بالمنظارالزجاجي الذي نضعه على وجهنا محاولة انتزاعه منا..
بعد هذا الاكتشاف البحري الذي يعود بي إلى سبعينيات القرن الماضي ، سأعرف لماذا كانت الزوارق وسفن الصيد البحري تنعطف شمالا في طريقها الى الميناء حتى لا تصطدم بهذه الجزر الجاثمة في قعر البحر والتي ترفض الظهور الى العلن الا مرة في الشهر.. لست ادري ما إذا كانت هذه البيئة البحرية الايكولوجية لاتزال  على حالها أم اعتراها التلف وتعرضت للاندثار نتيجة عوامل التلوث والاستغلال العشوائي للطحالب التي تشكل مراعي وحقولا للأسماك وباقي الكائنات ..
(1):باشا ممتاز متقاعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى