مجرد رأي

كيف ننظر للأحداث في لبنان والمنطقة وغزة من الأعالي؟

بقلم: الدكتور هشام توفيق

في غضون مراحل عصيبة يقع فيها ما يقع من أحداث نحتاج إلى رؤية شمولية للنظر من الأعالي حتى لا نتشتت ونسقط في ذهنية الهزيمة وفخاخ الصهيوني والمطبع الجبان، لذلك لن نستنكف عن النظر من حيث نظر الأوائل من منظار الوحي ومنظار الواقع ومنظار التاريخ.
المحور الأول: لماذا كتبت بهذه الطريقة، لعلي أكون شَائِحًا؟
لماذا كتبت بهذه الطريقة التي جمعت فيها بين التحليل الإيماني والتحليل الأرضي الواقعي والتاريخي، غايتي هو تثبيت جبهة أمتنا إلى الإنسان الحر، لعلها كلمات لا تعد إشاحةً للوجه عن الوضع هزيمة ويأسا وشكا، بل من باب الشيح والحرص والحذر وعن أبو ذؤيب الهدلى:
(وزعتهم حتى إذا ما تبددوا سراعا ولاحت أوجه وكشوح ###بدرت إلى أولاهم فسبقتهم وشايحت قبل اليوم إنك شيح)
لعلي أكون من الشيح والشائح هو الجاد الحريص على فهم الأحداث دون انزلاقات نظر، ولا أطوي كَشحا على أمر وأُضْمِره خشية من نقد…
فإذا كان صديقا لي في ميدان النصرة والبحث قد زُلزِل فكره بعد 7 أكتوبر، ثم زاد تشتت فكره إلى تشكك وشك أن عملية الطوفان هي مغامرة، فماذا سيقول الشاك حين تم اغتيال هنية ونصر الله وقادة مقاومتين كبيرتين ومع تحولات في لبنان واغتيالات من الصهاينة وضربات أقول أنها قاسية..
بطبيعة الحال لست كذلك ممن يفر هروبا من الواقع إن وظفت القرآن وأحاديث لقراءة في المعركة لجبهات مقاومة…( علما أن مصدر الوحي هو أساس في القراءة والتقويم)، لكن الباحث من واجبه دراسة الواقع والمستقبل بقراءة متوازنة جامعة دون أماني معسولة بل معقولة.
المحور الثاني: العَجَاج والعَجَّاج نتياهو
حين ينهزم العدو في المكان الذي يمثل عمق المعركة أمام رجال أشداء، فإنه يُعَجِّج الغبار ويثيره ويملأ السماء دخانا وعَجَاجا وغبارا ليحجب العالم ومجتمعه الصهيوني عن حقيقة هزائمه في غزة، ويخفي خدوش وجهه التي أحدثتها كمائن الرجال في جباليا والزنة وبيت حانون والمغازي وخان يونس ورفح وغزة، آنذاك يخرج نتنياهو العَجَّاج(معناه كثير الصياح ) ليكثر من صياحه خارج غزة ويظهر قوته المزيفة في لبنان بعد فشل جيشه المكسور في غزة..
لكن السؤال هنا في حالة وجود هذا العَجَاج والصياح والدخان المفتعل للتشويش على النظرة الاستبشارية التي حققها الطوفان، فكيف ننظر لهذه الأحداث الأخيرة في لبنان خصوصا بعد ضربات لبنان واغتيال السيد حسن نصر الله..
بطبيعة الحال وجهة غزة والطوفان وجهة مصفاة للأحداث، ومرآة للوجه المنهزم المتأزم لنتياهو والجيش الإسرائيلي الذي ترتفع صيحاته إلى المجتمع الصهيوني والنخب ليُنْقَذ ويُخْرَج من غزة..
إذن في هذه القراءة سأحاول تصفية هذه العجاجة بهذه النظرات لعلها تنفع وتبشر وتوضح الصورة الحقيقية للمشهد في الكيان الصهيوني والجيش الإسرائيلي وسياسة الاحتلال، وذاك من خلال هذه الكتابة.
المحور الثالث: كيف ننظر كما نظر رجال الأنفاق من الوحي والواقع؟
حين تتصاعد الأحداث وصور الحرب في المنطقة قد تكثر أعمال المطبعين والخونة للتشويش على العقل العربي والمسلم والحر الغربي، بادعاءات وأباطيل خصوصا بعد وجود هزيمة في منظومة التطبيع بعد طوفان الأقصى وحراك الشعوب العربية والإسلامية والعالم الغربي، لذلك قد يخرج المطبع في فرص بآلته من جديد لبث ثقافة الهزيمة واليأس، خصوصا بعد اغتيال نصر الله وهنية وضربات قاسية على حزب الله ولبنان، لكن كلما شهدنا ورصدنا مثل هذه الردات للفعل للاحتلال، فالمطلوب التصدي لهذه الحملة الخبيثة للكذابين والمرجفين بكتابة توجه نحو البوصلة، وتفكير وثيق، ونظرة تبشر دون مبالغة وحماسة..
لذلك أكتب هنا في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ الأمة للنظر مما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر والرؤية، أن ننظر من الأعالي والمعالي من الوحي والتاريخ والواقع، لا النظر من سفاسف الأمور بل من أشرفها.
كانت النبوة دوما تعلم الصحابة رضي الله عنهم الارتشاف من المعالي في كل شيء، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ ، و أَشرافَها ، و يَكرَهُ سَفْسافَها)الراوي : الحسين بن علي بن أبي طالب | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع
ما يحدث وحَدَث في غزة هو خير وبركة وصنع من الله، جعل العالم يكشف بركة من بركات الأمة، وكنزا من كنوز الأمة هو مغمور في أرض اسمها غزة، كان أهلها سلاحهم قبل طوفان الأقصى، هو مشروع القرآن يدورون حوله بدوران بتربية وعلم وجوس وفعل في الأرض، دون انكفاء ودروشة وعزلة، يريدها دين الخطة الأبراهامية..
مع دوران رجال الأنفاق مع القرآن إيمانا يربي، وقوة علمية ومعلوماتية وعملية، كانت النتيجة “طوفان الأقصى” وكان النجاح وكان الثقب الأول في 7 أكتوبر، هجموا قبل هجوم العدو..، وفقهوا عقلية المتطرف الصهيوني الذي يمثل الإفساد الثاني الذي ترعرع رواده في الجيتو، ووعوا مشروعه التصفوي وما كان يخطط له للتعجيل بضربة لغزة ثم هدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم، وسبق الرجال في الضربة وصدقوا..
الرجال نقبوا في تاريخ الأمة والأمم والمعارك، ووجدوا أن أشد مراحل الإفساد لأتباع بني إسرائيل، هو زمن النبوة والصحابة رضي الله عنهم، حين أسس أرباب الإفساد اليهودي الأول للتطبيع مع مؤسسة الأحزاب، ومؤسسة قريش الاستبدادية العربية ومؤسسة المنافقين المُطبعة الخونة..
المحور الرابع: كيف استفاد رجال الأنفاق من التاريخ ؟
بطبيعة الحال وفي زمن الإفساد الثاني لأتباع بني إسرائيل من الصهاينة، استفاد رجال الأنفاق من المرحلة، وقالوا لن نحقق الانتصار والتقدم، إلا بما تقدم به النبي صلى الله عليه وسلم بأعظم مشروع في التاريخ، مع أشد عدو وإفساد في التاريخ، وكان ظفر رجال الأنفاق بمشروع النبوة والصحب رضي الله عنهم، وتنزيل مشروع النبي صلى الله عليه وسلم الذي استأصل به شأفة اليهود والأحزاب والمنافقين والعرب، وهو مشروع القرآن والفقه الجامع الشامل ذكرا وتنظيما وميدانا..
هكذا تعلم رجال الأنفاق وغزة من العلم والتاريخ والوحي بثلاثية مشروع العبودية المُرَبِّيَة، والبأس العلمي والتنظيري والسياسي في كل المجالات، والجوس الميداني الحركي﴿وَقَضَیۡنَاۤ إِلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَیۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوࣰّا كَبِیرࣰا ۝٤ فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَیۡكُمۡ عِبَادࣰا لَّنَاۤ أُو۟لِی بَأۡسࣲ شَدِیدࣲ فَجَاسُوا۟ خِلَـٰلَ ٱلدِّیَارِۚ وَكَانَ وَعۡدࣰا مَّفۡعُولࣰا ۝٥﴾ [الإسراء ٤-٥
المحور الخامس: كيف نفقه حقيقة جهاز المنافقين والجواسيس؟
تعلم رجال الأنفاق من التاريخ وأشد فترة على مشروع المقاومة الأولى والنبوة، أن عنصرا خطيرا توظفه الصهيونية وهو جهاز المنافق للتأثير على الحاضنة الشعبية لرجال الأنفاق وجبهات الإسناد واختراقها تجسسا، وتعلم رجال الأنفاق أن تخذيل المنافقين قد أُصيب بمثله سلف هذه الأمة وكان الدواء هو العودة للأسوة وهو النبي صلى الله عليه وسلم والنظر من المعالي؛ فإن عاقبة ذلك نصر وتمكين لهم؛ ولذا فإن الله تعالى لما ذكر أوصاف المنافقين وأفعالهم في غزوة الأحزاب ذيَّل ذلك بقوله سبحانه ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب:21]، حين تكون هناك أخطاء في صفوف أي عمل فلا بد من العودة إلى الأسوة لتقويم النفس والعقل والتنظيم والعمل والرؤية…
اكتشف رجال الأنفاق مشروع المنهاج النبوي من سيرة النبوة وحياة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يعرف كل المعرفة بعقل العدو والإفساد الأول والثاني، وتعلموا كيف يواجهون مراحل المعارك إن واجهتهم صعاب أو اغتيالات أو مصائب خونة ومنافقين، ويلاحظ أن الآيات الكريمة التي عرضت لغزوة الأحزاب لم يأت فيها تفصيل لهذه الغزوة العظيمة، وما جرى فيها من أحداث، بقدر ما ذكر فيها من أوصاف المنافقين ومرضى القلوب وأفعالهم، ثم وصف المؤمنين وأفعالهم، ومجموع الآيات التي وردت في غزوتي الأحزاب وقريظة تسع عشرة آية، منها تسع آيات في وصف المنافقين ومرضى القلوب، وحكاية أقوالهم، وأربع آيات في وصف المؤمنين وحكاية أقولهم، فلم يبق إلا ست آيات فيها وصف المعركتين، وما جرى على أحزاب المشركين وبني قريظة؛ مما يدل على أن معرفة أحوال المنافقين ومرضى القلوب للحذر منهم أمر مطلوب وهو تفصيل وتحذير الوحي ﴿ وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الأحزاب:12].
المحور السادس: من الوحي إلى الواقع الإسرائيلي..كيف فهمه رجال الأنفاق ونفهمه؟
تذكروا العمق هناك في غزة والانتصارات هناك حيث نُفوق الجيش يوميا بكمائن الرجال، أما خارج غزة فلا يدعو لليأس والهزيمة، تذكروا أهل رجال الأنفاق وغزة حققوا أهدافهم بعد اغتيال الشهيد هنية رحمه الله، بل حققوا في حال الرجال بعد الاغتيال، زادت قوتهم، بل وما غَيَّر نتياهو وجهته نحو لبنان إلا بسبب تفاقم الهزيمة في غزة، إلا بعد مرحلة القسام بعد هنية وقيادة جديدة..
اغتالوا هنية وخرج لهم السنوار وزادت قوة رجال الأنفاق، وتسببوا في تصاعد انقسام الشارع وأزمة الجيش وتصريحاته ضد نتياهو وسياسته وفشل الجيش في تفكيك رجال الأنفاق، بل خرجت لهم قوة من رفح هزمتهم، وحين انحبست الأنفاس عند نتياهو ووصل إلى عنق الأزمة قلتُ سلفا: (سيبحث عن ضحية لتصدير أزمته وجمع الشارع والقادة والمعارضة على انتصار مزيف وكان لبنان..)
تذكروا أن علو الأزمة الإسرائيلية في الحكومة الصهيونية وصل مداه قبل زيارة نتياهو للكونغرس، خصوصا بعد فشل توظيف نتياهو (ورقة رفح) للضغط فتصاعدت انتقادات المعارضة، وتفكك الشارع بسبب هزائم الجيش ونتنياهو، ثم تلتها مجزرة المواصي وفشل اغتيال الضيف، ثم صدام حاد بين قادة الجيش ونتياهو وخروجهم في تصريحات لنيتهم لعقد الصفقة، فضلا إلى جيش يقهر يوميا بكمائن مركبة، كلها أحوال وأزمات أفضت بنتياهو للتفكير في مخرج وهو نشرته في تدوينة قبل سفر نتياهو لأمريكا(نتياهو يفكر في غباء آخر للخروج من أزمته بتصدير أزمته خارج غزة وهذه المرة بغباء في المنطقة ) وبعد تصفيقات الكونغرس كانت عملية اغتيالية لهنية رحمه الله، الآن زار نيويورك ونال الضوء الأخضر لاغتيال نصر الله..
هو مشروع أمريكا (العمليات الجراحية الدقيقة أي الاغتيالات )الذي قُدِّم من وزارة الدفاع الأمريكية وجيمس الخبير العسكري، كمشروع بديل بعد فشل الاجتياح الصهيوني في الشهور الأولى من الطوفان وكسر رجال الأنفاق..
المطلوب الآن السؤال عن(ما هو تأثير حدث لبنان على غزة وبعده من التضييق على جبهات الإسناد؟
ركزوا على غزة، هل ستتأثر سلبا في حالة ضعف جبهة لبنان واليمن ويتم الانفراد بغزة غربيا وأمريكيا وإسرائيليا؟ كيف يمكن التفكير في نصرة غزة بسبل أخرى؟
في هذا المرحلة لا تلتفتوا لادعاءات المرجفين والمطبعين بعد هلاك واهتراء، فالمعركة لحد الآن في صالح رجال الأنفاق وصناع الفعل، والجيش الإسرائيلي في نفوق وردات فعل والبحث عن مخارج ولم يحقق هدفه، بل رجال الأنفاق حققوا الأهداف ولهم ورقات مباركة مستقبلية مغيرة للأحداث، تذكروا أن الرجال حققوا ثغرا كبيرا في الاستراتيجية الاستخباراتية الصهيونية في 7 أكتوبر، أي حققوا انتصارا كبيرا في المعلومة، وأنتم تعلمون الآن أن من كسب المعلومة كسب المعركة، فما دفع الاحتلال بضرب لبنان إلا بفضل (المعلومة الذهبية)كما قال، وما فشل الاحتلال في غزة إلا بسبب نجاح رجال الأنفاق في كسب المعلومة بسبل أقوى منه. بل رجال الأنفاق كانوا سباقين لتقديم ضربة قوية في غلاف غزة للوحدة 8200 والشاباك والموساد في 7 أكتوبر، لعلمهم بتفكير العدو في غزو غزة وتغيير الخارطة في المنطقة وفلسطين، لكن صناعة الفعل وحرب المعلومة، كان في صالح أرباب نور البركة وأربعين دقيقة، الذين كانوا أرباب السبق والصدق..
من هنا بدأت البركات..
المحور السابع : سيناريوهات المرحلة
السنوار وقراءة عقلية المتطرف
الوحي والقرآن في سورة الإسراء كان واضحا في التفصيل في عقلية واستراتجية الإفساد الأول والثاني، خصوصا الإفساد الثاني الذي سيعرف علوا أكبر، وهذا ما نشهده اليوم، لكن كيف يمكن قراءة سيكولوجية نفسية العنصر الإسرائيلي الصهيوني خصوصا بعد ضربة 7أكتوبر أفضت إلى تفسيرات قادة صهاينة، بأن هذه الضربة علامة لزوال (إسرائيل ) ولعنة العقد الثامن، فضلا إلى واقع مشهود ملموس بعلامات انهزامية في جيشهم تؤكد السير التاريخي اليومي نحو هذا المسار، خصوصا بعد إصابة الطوفان للكيان الصهيوني في عمق، تفكيك للشارع الصهيوني، تفكيك القيادات بين العسكرية والسياسية، صدام بين المعارضة الإسرائيلية والحكومة، خوار واهتراء في الجيش وتصريحات نقدية لضباط ومؤسسات حربية، تقويض السردية الصهيونية في أمريكا والغرب، كلها علامات توحي بمسلسل قادم لتفكك هذه المنظومة الصهيونية الهشة..
لكن ما نستشفه من عقلية السنوار ورجال الطوفان فإنهم ينهلون الفكر والنظر من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ومن نظرة الواقع، تفقهوا في معرفة العدو وجلسوا وأحسنوا الإحسان في تفكيك عقليته.
رجال الأنفاق ارتشفوا الرؤية للعدو من هذا المنهج والمنهاج، وفَقِه السنوار حقيقة الأحزاب الدينية المتطرفة، وأنها هي الحاكمة العاملة في المستقبل بعد فشل الأحزاب اليسارية في مسار صفقة القرن لتقويض القضية الفلسطينية والمقاومة والمناصرين في العالم، بسبل متدرجة من خلال توظيف التطبيع..
فقه السنوار ورجال الانتصار أن التطرف سيأتي ببقرات من أمريكا إلى المسجد الأقصى لهدفه وبناء المعبد، ثم ضربة كبيرة خطيرة على غزة لمحوها من الأرض، فَقِهَهُم السنوار، فكان هذا الفقه بهذا العدو حركة ترتيبية لضرب العدو قبل أن يضربني، فكانت 7اكتوبر…
أما كيف ننظر للتطرف وسياسة نتنياهو والأحزاب الدينية بعد طوفان الأقصى، فهو ما كتبته وحاضرت حوله في محاضرات( المشروع الصهيوني من الانكسار والاختصار إلى ملامح الاستكبار ) ..
مفهوم معركة الأرواح ومشروع الاختصار
لنفقه جيدا أن هذه معركة الأرواح، الصهيونية بعد تهديدها بسيف القدس خرجت الروح الصهيونية التلمودية بكلها، من خلال إخراج طلبة المعابد التلمودية المتطرفة الصهيونية، وإخراج مجموعات التلال لبن غفير وجمعيات سموتريتش إلى أرض السياسة والحكم خصوصا بعد فشلهم في الشيخ جراح، فكان الانتقال من العمل السياسي المبادراتي إلى العمل الديني المتطرف السياسي من حكومة و”دولة”..
في كتابي (الاستراتيجية الصهيونية والتطبيع الجديد من الاختراق إلى الاحتراق )تحدثت عن هذه الروح الصهيونية التلمودية التي عاشت في الجيتو وحارات يهودية، وهي التي أسست للمشروع الاستيطاني وصنعت قادة سياسيين، هذه الروح الصهيونية ترعرعت في المعابد والأطم والجدران الضيقة في القرن التاسع عشر، إلى أن فكر كبار الحاخامات للخروج من التجذر الصهيوني في الحارات والجيتو والملاحات، للخروج للواقع في شكل دولة تسمى إسرائيل، من أجل تحقيق التحول من (اليهودي الخامل إلى اليهودي العامل)، هذا ما شعرت به مدارس سموترتش وبن غفير وحاخامتهم، شعروا أن صفقة القرن والتطبيع ومشروع العلمانيين الإسرائيليين مثل لبيد وكانتس كلها خطوات مضيعة للوقت، وأن الحل(اختصار المعركة ) والخروج بمعنى وقيمة الروح الصهيونية التلمودية وهو( الاختصار والتصفية والقتل ) لحسم المعركة، كله بسبب هزيمة الصفقة وجيشهم بسبب سيف القدس ومسيرات العودة فيما قبل…
لما فقه وعَلِم السنوار بهذا المشروع وعيا بعقليتهم ودراستهم، وَظّف استراتجية الضربة المباغتة وإخراجهم صفرا وأسرى، وعَقْل رجال الأنفاق ينهل من مشروع (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)..
إذن هي معركة الأرواح، حين خرجت الروح الصهيونية بقوتها وروحها، خرجت روح المسجد بمشروع صلاة الفجر أولا بعد سيف القدس، ثم مشروع روح القرآن من خلال(صفوة الحفاظ ) ، فكانت روح القرآن حسب فكر رجال الأنفاق هي الوحيدة القادمة القادرة على مواجهة ومناجزة الروح الصهيونية التلمودية، روح بروح إيمانية وعلمية، ولن يَعلَم روحَ الشر وما تفعله، إلا روح محسنة صُنعت بعين الله في مدارس السالكين في آفاق الأنفاق لا النفاق…
مفهوم من الاختصار إلى الانتحار ..
فَقِه السنوار خطوات العدو بعد انتصارات جمة قبل طوفان الأقصى وبعد معركة الطوفان وبعد تداعياتها (بسبب الانتصارات والكمائن) على الكيان الصهيوني والشارع الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي، إن الناظر إلى فوضى العقل لنتياهو، فإنه سيفقه أن نتياهو سيجنح إلى مستويات من الانتحار والسعي إلى خطوات غباء، وهو ما جعله يفكر رفقة جهاز التطرف إلى مرحلة الاختصار وحسم المعركة بضربات الاغتيال والصيد الثمين والاختصار في المعركة، وهو ما أفضى إلى اغتيال كبير لهنية ثم لنصر الله، والسؤال هنا ما مصير المنطقة وجبهات الإسناد ما بعد هذه الاغتيالات في لبنان والضربة القاسية؟
ما مصير كل جبهات الإسناد ؟
السبب الأول: إذا فقهنا عقلية المتطرف الصهيوني، فإنه لن يتراجع وفرصته في معركة الطوفان، هي تصفية كل الأعداء في المنطقة، بما أنها فرصة تاريخية بوجود شارع يقبل، ومعارضة عادت ودعمت، ودعم أمريكي بحاملات طائرات وغواصة وقوى غربية ومستودعات فرنسية وألمانية وبريطانية مفتوحة وربما أنظمة عربية وموائى عربية..
السبب الثاني: وهناك سبب ثان دافع للمتطرف الصهيوني للتصعيد وتشجيع لاجتياح بري للبنان، وضربة قاسية بعد ذلك للعراق واليمن، وهو إعادة (تشكيل ما يسمونه الشرق الأوسط)، فهذه فرصة تاريخية لأمريكا والكيان الصهيوني لإزالة كل المشوشات والجذور التي أفضت إلى طوفان الأقصى..
السبب الثالث : المحفز للاحتلال للتصعيد والاجتياح البري وهو تحقيق ضربات قاسية لحزب الله يظنها قد تضعفه، فإذا كان احتلال لبنان فيما سبق تم بأقل هذه الضربات والحزب كان أقوى، فإن الفرصة اليوم (حسب نظرهم) مناسبة لاجتياح إلى نهر الليطاني أو يزيد، خصوصا أن الحزب في نظره هو أشد ضعفا اليوم بسبب الضربات القاسية..
يمكن بعد نجاح الكيان في تصفية خصومه في لبنان والعراق واليمن، فإنه قد يجنح إلى اغتيالات أخرى في إيران لإضعاف هيبتها، بل هي فرصة تاريخية جديدة للتطرف لإنهاء مهدد كإيران بصناعة معركة مفتوحة مع إيران وأمريكا ودول أخرى قد تدخل نطاق الحرب، كله بسبب صياغة الاحتلال الأوراق من جديد وصناعتها في صالحه..
ما مصير غزة بعد الحرب على لبنان؟
كان يرغب الاحتلال الصهيوني تحقيق عزلة بعد إنشاء محور فيلادفيا وضربات في لبنان وتصفية حسن نصر الله واستهداف هذا الإسناد، فكيف سيعود نتياهو لغزة بعد هذه الحرب الخارجية؟
إذا أردنا الجواب عن هذا السؤال نقول أنه بعد اغتيال هنية لم تضعف قوة حماس ورجال الأنفاق، بل بعدها بأيام تم الإعلان عن السنوار كقائد جديد وإعلان بيعة القسام له، وبعدها كانت مرحلة الكمائن والفخاخ الجماعية المركبة ضد الجنود الصهاينة كانت مختلفة ومتطورة..، وقبل اغتيال هنية وفي بعد الأحيان كانت عمليات الإسناد من حزب الله واليمن خفيفة وأحيانا مفعمة بالضربات، مع ذلك لم تؤثر بشكل قوي في حكومة نتنياهو والاحتلال (دون التهوين من فعلها)، بل أحيانا تتصاعد سياسة الاحتلال والهجمات على حماس والمقاومة وغزة ولم يحققوا هدف تفكيك المقاومة..
بمعنى ولو توقعنا ضعف جبهة الإسناد بعد اغتيال نصر الله وضربة قاسية للعراق واليمن مستقبلا، فهذا لن يؤثر في غزة وقوة المقاومة..لماذا؟ :
أولا لأن ماضي المعركة أبرز قوة رجال الأنفاق ولو في شهور ضَعُفَ فيها الإسناد.
ثانيا وحسب تقارير إسرائيلية أن غزة أعادت صياغة قوتها التطويرية في السلاح والعسكرية، مما جعلها قد تستنكف عن ضرورة الاعتماد على جبهة الإسناد في المستقبل لحصار أو استهداف، بل إن السنوار قد فقه أنه يوما ستتحول فيه الأوضاع لهذا الحد ولا بد من استراتجية داخلية لتعويض ما كانت تحققه جبهات الإسناد من دعم…
لذلك فعودة الاحتلال (بعد ضرب جبهات الإسناد) إلى غزة، لن يقوي من شوكة الجيش الإسرائيلي، قد ترفع معنويات الجيش ويعود للقتال، لكن سيجد غزة في نسق آخر ونفس آخر، علما أننا رأينا وصول الحرب إلى مداها التصعيدي من القصف والهجوم من الجيش في شهور بعد 7أكتوبر، ومع ذلك لم يحقق إنجازات بل تألم وبدأ يدعو إلى إيقاف الحرب والصفقة الفورية لأن جيشه يعيش مرحلة “وفخ الإنهاك” ..
الاحتلال وحرب الاستنزاف
حين قلت أن الاحتلال سيستهدف الجبهات الثلاث للإسناد ثم يعود لغزة، فليس معنى ذلك هو إنهاء هذه الجبهات، ولم أقصد نهاية المعركة وانتصار الاحتلال، فهي تقديرات استشرافية للمستقبل، وأميل إلى استهداف هذه الجبهات، لكن قد تطول المعركة واحتمال تتقوى جبهة لبنان بريا وتحقق إنجازات، آنذاك يمكن للجيش أن يسقط في فخ مثل فخ غزة، أي حرب استنزاف للجيش، مثلما حدث مع كمائن الرجال في غزة..آنذاك هذا المسار سيكون في صالح رجال الأنفاق..هذا سيناريو…
إذن لن تكون الأمور في صالح رجال الأنفاق إلا بسقوط الجيش الإسرائيلي في وحل البري والمواجهة الميدانية التي يتقنها رجال لبنان، هذا إن لم نشهد اختراقات للحزب حتى على مستوى الميدان والقوة…وهو سيناريو آخر..
المحور الثامن : من الأحزاب إلى الإسناد ..الأخطاء الأربعة للحزب
من الأحزاب إلى الإسناد هو عنوان يلخص فكرة كيف يمكن لجبهات المقاومة الاستفادة من معركة الأحزاب ومن استراتجيات النبي صلى الله عليه وسلم في المعارك، ومن استراتجية رجال الأنفاق الذي هزموا الاستراتيجية الاستخباراتية الصهيونية في 7 أكتوبر، وهي نفسها الآلة الصهيونية الآن التي حققت مجالات اختراق في حزب الله..
لست في موضع تقويم أخطاء الحزب فالزمن زمن حرب، لكن نحن أمة واحدة، جسد واحد، وعدونا واحد رغم الاختلافات والأخطاء:
الخطأ الأول: هناك خطأ استراتجي دفع الاحتلال إلى استغلاله في هذه المعركة، وليته كان ثغرة تكتيك بل في العمق في حزب الله..
في معركة الأحزاب استجمع النبي صلى الله عليه وسلم قوته في المدينة وحقق مشروع الخنادق، ولم يدفع الحصار الكبير النبي صلى الله عليه وسلم إلى تشتيت جهوده وطاقاته، بل جمعها نحو البوصلة وهي تطهير الأرض من الإفساد الأول وهو إفساد بني قريظة وباقي قبائل اليهود من جمعوا العرب والأحزاب باستراتجية التطبيع والتكالب والتنسيق…
كانت استراتجية النبوة في معاركه وهي (استراتجية التركيز على الداخل ) دون تشتت لتحقيق فتوحات هنا وهناك، بل كانت أهداف النبي صلى الله عليه وسلم أولا هي بناء المدينة والدولة، ثم التركيز على بناء الداخل والعمق دون التفكير في التوسع، بل (فكرة المركزية) وهي التركيز على المركز وبناء جسم الدولة وإزالة المهددات..
حزب الله أخطأ حين فتح جماعته وجنوده على المنطقة في الربيع العربي، لاستغلال فرصة التمدد وإنجاح حسابات المد الإيراني، لكن هذا التوجه الاستراتيجي في الانفتاح وتشتيت القوة العسكرية والسياسية لحزب الله في سوريا خصوصا والمنطقة وأفريقيا، جعل الموساد وأمريكا تخترق هذه الحركة وهذا الحزب من جيشه إلى قادته، إلى الأجهزة التواصلية، وهو ما دفع إلى هذه النتائج في اغتيالات لبنان…، وربما الاختراق يطال إيران كذلك سلبا..
تتذكرون من أخطاء الدولة العثمانية وهو توسعها الكبير في أقطار العالم العربي والإسلامي دون التركيز على بناء الدولة المركزية في منطقة التركمان واسطنبول، بل شتت عبد الحميد الثاني رحمه الله وقبله من السلاطين الجهود في العراق واليمن ومصر والجزائر وتونس وبلدان أروبية وبلدان أخرى، بل سقطوا في فتوحات جانبية، دَفَعوا لها طاقتهم العسكرية والسياسية والأمنية والاستخباراتية المركزية لتحكم وتسوس تلك الأراضي، لكن ما أن خطط الغرب لإسقاط الإمبراطورية العثمانية حتى سقطت بتدرج منظم، وكان في وسع قادة الدولة العثمانية تركيز طاقاتها في الجيش والاقتصاد والسياسة داخل بلادها، بدل تشتيت الطاقات خارج مناطق ضعيفة مخترقة من اليهود والغرب الصليبي..
أظن أن المقاومة في غزة مع السنوار من أسباب نجاحها وهي الارتشاف من استراتجية النبوة في معاركها ضد العدو وهي (استراتجية التركيز على الداخل ) وتقوية جبهة الداخل..
الخطأ الثاني: هو العجز عن استغلال الدخول إلى الطوفان بقوة، فهكذا أخذ يحيى عليه الصلاة والسلام الكتاب، وأخذه السنوار لإحداث ثقب 7 أكتوبر، ربما لم يدخل حزب الله ويستغل الفرصة التاريخية نحو دعم كامل للمقاومة في غزة بمشروع تحريري لا إسنادي، لكن الفرصة ضيعها حزب الله ربما لحسابات سياسية لإيران التي لا تريد من حزب الله الدخول بقوة واستراتجية ناجعة، ولم تُقَدر مراكز بحث حزب الله أن عملية الاحتلال في معركة الطوفان تريد تسوية المنطقة، وتصفية كل محور المقاومة من غزة إلى إيران..بل قَدَّر حزب الله أن الإسناد وضربات ساعة ومتوسطة، قد تؤثر في الاحتلال، ولم يفقه أن المعركة الآن مصيرية بالنسبة للاحتلال، وأن الذي يقودها هو مؤسسة أخرى اسمها التطرف الصهيوني باختصار المعركة وتصفية المقاومات..، ربما جبهات الإسناد لم تفقه بعد طوفان الأقصى وعقل السنوار الذي فَهِمَ ما يريده التطرف الصهيوني(وهو نأكلهم قبل أكلنا) ..السنوار فَهِمَ وحزب الله وإيران لم يفهما..
الخطأ الثالث: وهو وقوف حزب الله سلبا وعقبة أمام استكمال الشعوب ثورتها خصوصا في سوريا والعراق واليمن، ولو لم يتدخل في إفشال هذه الثورات لتحول الحراك خصوصا في سوريا إلى دولة قوية ديمقراطية قد تنفع مستقبلا لبنان وغزة وإيران، في أي معركة مفتوحة صهيونية ضد حزب الله ولبنان..
لكانت هذه الشعوب المحررة قوة دعم وإسناد كامل لبنان وغزة وكل المنطقة بعد وحدة كبيرة بين السنة والشيعة، بل كان الفكر الشيعي دوما ينافح عن ثورة الحسين وثورات آل البيت على الدولة العنصرية العائلية الدموية، لكنه لم يدعم ثورات هدفها من هدف ثورة آل البيت( ثورة حسب مفهوم بعض المؤرخين ) وهو إزالة الاستبداد والفساد…
الخطأ الرابع: وهو غياب قراءة الأحداث قراءة شمولية وفعم ماهية طوفان الأقصى، وماذا تحقق؟ وماذا تريد عقلية المتطرف الصهيوني من المنطقة والمقاومة الفلسطينية؟
لكن الطوفان هو بوصلة وجمع الأمة على قلب واحدة ووجهة واحدة وهو إسقاط الإفساد الثاني وهو المشروع الصهيوني، الآن المشروع الصهيوني بعد اغتيالات لبنان وضربات مفجعة، يسعى إلى قلب المعارك الفكرية والايمانية ضده، إلى تشتيت عقولنا وجهودنا التي جمعها الطوفان، أي أن الصهيونية التي شتتها الطوفان وكسر شوكتها وهزمها في الأرض وفي الغرب إعلاميا وسردية ناجعة، وفي العالم العربي والإسلامي نصرة ودعما، فإنه يريد الآن تبديد هذه المكتسبات التي حققها الطوفان في العالم وجمع حاضنات العالم نحو رجال الأنفاق وغزة وفلسطين..
الطوفان مصفاة للأحداث ومرآة لمثالبنا وعيوبنا، الطوفان ربما في عقلية الجبهات في المحور وحزب الله لم يفقهوا ماهية الطوفان، وغاية الطوفان، وعمق الطوفان، وظنها البعض معركة مثل سجيل أو الفرقان أو سيف القدس، السنوار ورجال الأنفاق جاؤوا ليوضحوا أن الطوفان فرصة تاريخية للأمة لإزالة هذا الكيان، والطوفان جاء لإنقاذ جبهات الإسناد والأمة من مشروع قادم صهيوني أمريكي يرغب في تصفية المقاومة والمسجد الأقصى، واختصار المعركة في غزة والضفة وباقي الجبهات في المنطقة، وبفضل الاستخبارات للمقاومة عطلوا هذا الإنجاز للمشروع الصهيوني الأمريكي..
لكن هل فقه حزب الله وباقي الجبهات هذا المشروع التحريري، وعقلية السنوار، التي فقهت العقل المتطرف المتشدد، وماذا يريد بعد البحث عن بقرات في أمريكا لهدم المسجد الأقصى وتعجيل بناء المعبد لحضور المخلص، ليخلصهم من المسلمين والمقاومة بعد فشل جهودهم الأرضية…
المحور التاسع: العروة الوثقى ملاذ
الإحسان في الدين هو الإتقان والجمع بين الحب في الله دون عصبية، والبغض في الله، وحين يحقق الإنسان العروة الوثقى (حب في الله وبفض في الله ) فإن معية الله معه وتعينه في الميدان، وما نجح رجال الأنفاق في غزة بعد السببية إلا بمعية الله التي كانت مع الشهيد نور بركة في عملية أربعين دقيقة، وكانت معية الله مع الرجال في 7 أكتوبر وبعدها..، وكانت مع عباد الله في معركة الأحزاب (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا).
الصدق مع الله ومع من يحب الله هو إحسان في الدين وإتقان في اتباع النبوة وآل البيت، والصدق واقتفاء مشروع النبوة دورة كاملة، رحمةً وعلما، وتربيةً، وفعلا وعملا، ومحبة وصدقا، آنذاك يكون العطاء المبارك..بهذه الخصال في رجال الأنفاق نجاهم الله بفراسة ونور من الله من جواسيس وسحر وحسد الصهاينة فضلا عن أسباب الأرض حققوها..
المحور العاشر: دورة الرحى النبوية
إن تجربة فكر رجال غزة في مواجهة العدو هو فكر ناضج راشد، وهو الذي حقق النتائج على الأرض، وهو فكر يكرع من مشروع النبي صلى الله عليه وسلم، فِكر تشرب من شعب الإيمان والدوران حول القرآن (دورة الرحى النبوية) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا صار رشوة في الدين فلا تأخذوه، ولستم بتاركيه يمنعكم الفقر والحاجة، ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم إن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم، قالوا: يا رسول الله كيف نصنع؟ قال: كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب، موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله.)
أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بحل جوهري : (ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار الكتاب )..
رجال غزة داروا حيث دار الكتاب دورة كاملة دون نقصان، أي داروا على شعب الإيمان التي هي 79 شعبة للإيمان من الإيمان إلى العلم إلى الميدان، أي أنهم قاموا بتنزيل منهاج النبوة كاملا دون نقص، بتربية جيل على الإيمان والعلم والميدان والعمل دون انكفاء وعزلة وانفراد وخلاص فردي في زاوية..، وعلى قدر العطاء في شعب الإيمان والدوران مع القرآن يكون عطاء الله وهذا هو الإحسان في الإيمان والعمل والدين.
هذا الإحسان والإتقان هو الذي دفع بعض أناس من العالم يتوبون إلى الله ويعرفون الله بمجرد نظرتهم إلى مشاهد غزة، فكيف لو صحبوا أهل غزة وشموا مما ارتشفوا وذاقوا. وقد يتساءل آخر من أهل الإرث النبوي والمنهاج، وكيف نالوا هؤلاء هذا العطاء وما السر في ذلك ومن صحبوا ومن رباهم؟
هذا عطاء الله ورجال الأنفاق نزَّلوا مشروع النبوة وإرثه فكان العطاء…فكيف لو تلاقت مشاريع الإرث النبوي بين أقطار من مشارق الأرض ومغاربها..؟
هذا ما دفع أرباب الإفساد الصهيوني والتطرف إلى الهجوم الأخير على مقومات القوة في المنطقة بتصفية مشروع القرآن والدوران في غزة، واستهداف مشروع الدوران القرآني في الشعوب العربية والإسلامية بمشروع التطبيع واختراق الشعوب وإفسادها، كله لمنع بركة غزة لتلتقي ببركة الأمة في طوفان يوما، وسيكون طوفان آخر بتوفيق الله يجمع بين مشارق الأرض ومغاربها، والله واسع عليم محيط بكل شيء وهو القائل (وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا).
اللهم علمنا من علمك اللهم إنا نسألك رحمة تلم بها شعثنا، اللهم علمنا ممن تعلموا على يدي النبي صلى الله عليه وسلم من عبادك وورثة نبيك وورثك مشروع نبيك محمد صلى الله عل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى