الواجهةتربية وتعليم

المغرب : تغييرات نظام التعليم الجامعي لا تلقى قبولاً كافياً

بقلم: عمرو التهامي 
موقع: الفنار للإعلام.

القاهرة – ربما يكون المغرب من الدول العربية القليلة التي أجرت خلال السنوات الأخيرة تغييرات عديدة في نظامها التعليمي. مع ذلك، لا تجد التعديلات الجديدة قبولاً بين الكثيرين الذين يعتقدون أن الكثير من الأولويات يتم تجاهلها لصالح تغييرات غير ضرورية وغير مجدية.
هذا العام، أقرت وزارة التعليم العالي المغربية تعديل سنوات الدراسة في الجامعات. إذ أصبح الحصول على درجة الليسانس يستوجب الدراسة لأربعة سنوات عوضاً عن ثلاث، وهو ما يشابه النظام الدراسي المتبع في عدة دول عربية كمصر والأردن وسوريا بعض دول الخليج. كما يشترط لنظام الجديد التمكن من اللغات الأجنبية بشكل أساسي لحصول الطالب على شهادة التخرج. يتضمن النظام الجديد سنة تحضيرية يتم خلالها دعم معارف الطلاب وتطوير مهاراتهم اللغوية بما يؤهلهم للدراسة الجامعية بشكل أفضل.
جاء التغيير في محاولة لتحسين جودة ومخرجات التعليم الجامعي في المملكة، بحسب تصريحات صحفية لسعيد أمزازي وزير التربية والتعليم العالي والتكوين المهني. إذ قال في لقاء صحفي “نعمل على تطوير النظام التعليمي الجامعي بما يواكب التعليم في أمريكا والذي يتميز بالانفتاح والمرونة والذي سمنح الطلاب فرص أكبر لتطوير المهارات واكتساب الخبرات خلال فترة الدراسة.”
التغيير مطلوب ولكن:
يعتقد كثيرون أن النظام الجامعي في المغرب يحتاج لتعديلات كثيرة.
قال عبد القادر لشقر، عضو المجلس الوطني للنقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي، في اتصال هاتفي إن “هناك إجماع بين كل الفاعلين و المعنيين بمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي على وجود عدة اختلالات تعتري النظام التعليمي الحالي،” موضحاً أن أهم هذه الاختلالات تتمثل في ضعف مخرجات نظام التعليم الجامعي المغربي والذي يتجسد بصورة أساسية في ارتفاع معدل بطالة الذي يصل  إلى 18,9 في المئة، إضافة إلى انقطاع نحو 16,5 في المئة من الطلبة الجدد عن استكمال دراستهم الجامعية بعد عامهم الأول، وارتفاع نسبة عدد الطلبة المغادرين للجامعة دون الحصول على أي شهادة بنسبة 47,2 في المئة.
مع ذلك، يواجه النظام التعليمي الجديد انتقادات واسعة من جانب الأساتذة في الجامعات لأسباب تتعلق بعدم إشراكهم في النقاش حوله، وملاحظات ترتبط بمشاكل أساسية في آلية التطبيق التي تجعلهم يتوقعون أنه سينتهي إلى الفشل حال عدم الأخذ ببعض التوصيات الهامة التي ينبغي أن تكون مواكبة لتطبيقه.
“هناك نقاط كان لابد من مراعاتها قبل اتخاذ القرار، وإذا لم تتم مراعاتها فسينتهي التعديل الجديد بالفشل.”
عبد القادر لشقر  عضو المجلس الوطني للنقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي
قال لشقر “هناك نقاط كان لابد من مراعاتها قبل اتخاذ القرار، وإذا لم تتم مراعاتها فسينتهي التعديل الجديد بالفشل.”
تشمل هذه النقاط، بحسب لشقر، تعديل النظام الجامعي دون النظر إلى النظام المدرسي أولاً الذي يحتاج إلى إصلاح كبير.
قال “تم وضع سنة تحضيرية في النظام الجديد في محاولة لسد الفجوات التي يخلقها النظام التعليمي المدرسي والذي لا يؤهل الطلاب بشكل كاف للدراسة الجامعية. يتضمن ذلك اتقان اللغة الإنجليزية بشكل جيد. كان من الواجب حل مشكلة التعليم المدرسي أولاً وليس تعديل النظام الجامعي لهذا الغرض.” )اقرأ التقرير ذو الصلة: استمرار التخبط اللغوي: لغة التدريس في المغرب الفرنسية من جديد).
بدوره، يعتقد عبد الحفيظ أدمينو، رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس في الرباط، ان النظام الجديد يركز على احتياجات سوق العمل وتأهيل الطلاب بمهارات تناسب هذه الاحتياجات دون مراعاة الجانب الفكري والتكوين الثقافي.
قال “النظام الجديد يجعل من الجامعة “معهداً فنياً تقنياً” مما يُفقد الجامعة دورها في خلق نخبة فكرية.”
في شباط/فبراير الماضي،  أصدر المكتب الوطني للنقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي بياناً طالب خلاله  بضرورة إعطاء الوقت الكافي لبلورة مشروع نظام تعليمي تنافسي بالتعليم العالي بمنهجية تشاركية حقيقية وفق مقاربة شاملة وشمولية، بحيث يجيب على الأسئلة والإشكالات التي تواجه منظومة التعليم العالي. كما قاطعت النقابة الحضور في  اللقاء الوطني الذي انعقد في ذات الشهر للنقاش حول النظام التعليمي الجديد من جانب وزارة التعليم العالي احتجاجا على أسلوب طرح التعديل، ودعت كل الأساتذة الباحثين إلى عدم المشاركة في هذا اللقاء الذي يستهدف إضفاء الشرعية على مخرجاته المحددة سلفا.
بدورها، أعلنت وزارة التعليم تأجيل تطبيق التعديل الجديد للعام القادم في محاولة لاحتواء الجدال فضلاً عن تأثير فيروس كورونا المستجد إذ أقرت اعتماد التعليم عن بعد بالنسبة لطلبة المناطق المغلقة والمصنفة ضمن البؤر الوبائية.
أولويات مختلفة
يعتقد أساتذة أخرون أن نجاح النظام التعليمي الجديد يجب أن يبدأ من إصلاح أوضاع الأساتذة المعيشية باعتبارهم أساس العملية التعليمية.
قال أستاذ زائر بكلية الحقوق  بجامعة الحسن الأول الحكومية   بمدينة سطات  المغربية، أن “النظام الجديد يلقي بمسؤوليات جديدة على عاتق الأساتذة من دون أن يأخذ في الاعتبار أوضاعهم واحتياجاتهم المعيشية والمهنية.”
عبد الحفيظ أدمينو، رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس في الرباط، يشارك في نقاشات عامة لتطوير الأفكار لخلق نظام تعليمي تنافسي في التعليم العالي.
يبلغ الحد الأدني لأجر الأستاذ في الجامعات الحكومية المغربية لنحو  1500 دولارتقريبا، بينما لا يتجاوز الحد الأعلى 3000 الآف دولار، وفقاً لهذا الأستاذ الذي طلب عم الإفصاح عن اسمه كاملاً تفادياً لوقوع مشكلات مع جامعته، والذي يعتقد أن الزيادة في الاجور ينبغي أن تكون ركناً أساسياً من النظام التعليمي الجديد “وإلا فإنه لن ينجح.”
يبلغ متوسط دخل الفرد سنوياً في المغرب نحو 3000 آلاف دولار تقريباً، بحسب أحدث إحصاء للبنك الدولي.
تعتبر أجور أساتذة الجامعات في المغرب من الأقل بين نظرائهم في المنطقة العربية منذ سنوات، بحسب  استبيان أعدته الفنار للإعلام (اقرأ التقرير ذو الصلة: حصرياً: الفنار للإعلام تجري مسحاً حول أجور أساتذة الجامعات الحكومية العربية). وقد شهدت المغرب خلال العامين الماضيين، احتجاجات كثيرة من قبل الأساتذة ومطالبات لتحسين أوضاعهم لكنها لم تلق إستجابة حتى الأن.
قال الأستاذ الزائر الذي لم يمر عامٍ على تعيينه “لسنا ضد التعديل، لكن هناك أولويات يجب أخذها في الاعتبار.”
أما أدمينو فيقول إن النظام الجديد هو إصلاح طموح “يتطلب زيادة للمخصصات المالية للأساتذة مع زيادة عدد الترقيات، وتفاعل أكبر مع مطالب الأساتذة، خصوصاً أن تقليص عدد الطلبة في الفصول الدراسية سيضع عبء أكبر على الأساتذة.”
إلى جانب الأساتذة، ينتقد الكثير من الطلاب التعديلات الأخيرة على نظام التعليم. إذ يقولون أنه لم يتم إشراكهم في اي نقاشات حولها وفرضت عليهم بصورة مفاجئة.
النظام الجديد تم وضعه بصورة فردية من قبل الوزارة وتم فرضه كأمر واقع وبصيغة فوقية.”
مصطفى العلوي  نائب رئيس حركة التجديد الطلابي
قال مصطفى العلوي، 27 عاماً، نائب رئيس حركة التجديد الطلابي، وهي منظمة تأسست في عام  2003 من قبل عدد من طلاب الجامعات بهدف دعم الطلاب،في اتصال هاتفي إن “النظام الجديد تم وضعه بصورة فردية من قبل الوزارة وتم فرضه كأمر واقع وبصيغة فوقية.” موضحاُ أن النظام الدراسي السابق لم يحقق نتائج جيدة لأسباب كثيرة من ضمنها أسلوب اعتماده الذي يتماثل مع أسلوب اعتماد النظام الجديد.
يبدو واضحاً أن الكثيرين متفقين على ضرورة التغيير، لكنهم يختلفون على ألية إجراءه. إذ يحذر أساتذة من اتباع نفس آليات تطبيق الخطط الإصلاحية التي أطلقتها المغرب في التعليم العالي على مدار السنوات السابقة، ويعتقدون أن انخراط الهياكل الجامعية وأساتذة الجامعة ضرورة لازمة كي يحقق التعديل الجديد أهدافه.
قال أدمينو، من جامعة محمد الخامس في الرباط، في اتصال هاتفي إن “نموذج الإصلاح الذي يسري عبر قرارات حكومية ذات طابع أفقي، دون دمج الهياكل وأساتذة الجامعة كجزء من هذا الخطة الإصلاحية ينتهي إلى الفشل.وزارة التعليم العالي مطالبة بمزيد من النقاشات والاجتماعات مع الاساتذة، والتجاوب مع مطالبهم بشكل أكثر إيجابية، والإداراك أن النظام الجديد لن ينجح سوى بتحقق هذه المطالب العادلة.”

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى