الوضع السياسي الراهن ومهامنا النضالية المستعجلة
بقلم عبد السلام العسال
في ظل السياسات العدوانية لنظام التبعية المخزني، تتسم الأوضاع العامة ببلادنا بأزمة خانقة وتدهور شامل على كافة المستويات .
فعلى المستوى الإقتصادي، ولأن الإقتصاد المغربي تبعي للدوائر الأمبريالية، ولكونه يعتمد، أساسا، على السياحة والخدمات والنسيج وبعض الوحدات الصناعية والفلاحية القليلة (الفوسفاط، المعادن، تركيب السيارات، الصيد البحري ..) فإنه أصبح على الحافة، في وضعية ركود مستمر ويعاني من أزمات خانقة متجددة، فنسبة النمو لم تتجاوز 2,9% سنة 2019، وهي مرشحة ألا تتجاوز 2,2% سنة 2020، (حسب تصريح رئيس المندوبية السامية للتخطيط في 11 مارس 2020) … أما الدخل الفردي فهو جد متدني (الرتبة 122 عالميا حسب تصنيف منتدى الإقتصاد والأعمال بالأمم المتحدة لسنة 2018)، بسبب احتكار الثروة الوطنية من طرف حفنة من البورجوازيين الجشعين وفي ظل نهب وتهريب المال العام والتهرب من أداء الضرائب، والعجز التجاري المغربي في تصاعد مستمر إذ بلغ 21,72 مليار دولار سنة 2019، وبلغ حجم الدين الخارجي للمغرب عند متم 2019، 339,8 مليار درهم حسب تقرير إحصائي لوزارة المالية (؟؟؟؟)، في حين سجل الدين الداخلي 558,3 مليار درهم (حوالي 59 مليار دولار) عند نهاية أبريل 2019 …
وبقراءة متأنية لهذه الأرقام نستنتج أن الاقتصاد المغربي المنهار يعتمد بالأساس على الاقتراض، (داخليا وخارجيا) وهو الطريق الأسهل للنظام المخزني الذي أغرق البلاد في المديونية التي يؤدي الشعب المغربي فاتورتها على حساب حقوقه في التعليم والصحة والسكن والشغل القار ومختلف الخدمات الإجتماعية الأخرى، وإذا ما أخذنا، كمثال، وضعية الشغل، فإننا سنقف على كارثة حقيقية لقطاع الشغل، ولكي لا يزايد علينا أحد بأننا عدميون ونكارون، فإننا نعتمد، هنا، معطيات وأرقاما رسمية صادمة حول قطاع الشغل، حيث كشف بحث رسمي للمندوبية السامية للتخطيط، (فبراير 2019) بالأرقام عن أزمة عميقة في القطاع، فمعدل الشغل لم يتجاوز نسبة 41,7 %، أي أن أكثر من نصف السكان النشطين يوجدون خارج دائرة الشغل، ذلك أن 13 مليون و970 ألف مواطن(ة) من بين أزيد من 25 مليون شخص ممن تتجاوز أعمارهم 15 سنة، يوجدون خارج سوق الشغل، أما الذين تمكنوا من ولوج سوق الشغل، فإن مليونا و679 ألف منهم يشتغلون دون أجر، ما يعادل مشتغلا واحدا من بين ستة يقوم بشغل غير مؤدى عنه، وتتوزع نسب المشتغلين/ات دون أجر على 39,3% في صفوف النساء و45,5% في صفوف الشباب أقل من 25 سنة و11,2% لدى البالغين 45 سنة فما فوق، و21,2 % بالنسبة للأشخاص بدون شهادة و9,9 بالنسبة لحاملي الشهادات، إنه نظام السخرة والعبودية في أقبح صورهما، يضاف إلى ذلك أن 273000 شخصا في سن العمل غادروا سوق الشغل مؤقتا قبل جائحة كورونا، وحوالي 900000 فقدوا عملهم خلال الجائحة، يضاف إليهم جميعا مليون و107 آلاف شخص من المعطلين حسب الإحصائيات الرسمية المشكوك والمطعون في صحتها، مع العلم أن الأغلبية الساحقة من المشتغلين، خاصة، في القطاع الخاص لا يتلقون حتى الحد الأدنى للأجر الصناعي (2694.17 درهم/الشهر) والفلاحي (1903.72 درهم/الشهر) الذي ، على فرض تطبيقه، لا يكفي حتى لسد الرمق وبالأحرى لتغطية المصاريف اليومية المتعددة (السكن استئجارا أو اقتناء، الدراسة، التطبيب، الماء والكهرباء، الكساء …) .
ومما يفاقم من الوضع العام المتردي، افتقار جماهير شعبنا إلى الاستفادة مما يسمى صناديق الحماية الإجتماعية، التي ينخرها الفساد وسوء التدبير والتلاعب بالأموال الطائلة الموجودة بها، وعلى سبيل المثال فالصندوق المخصص لتمويل نفقات التجهيز ومحاربة البطالة المعروف بالإنعاش الوطني يسجل فائضا سنويا، يبلغ حوالي 12 مليار سنتم، كان يمكن تخصيص جزء كبير منه لدعم الفئات الهشة وتخصيص دعم مالي للمعطلين وللعاملات والعمال الذين فقدوا شغلهم، كما تم تسجيل فائض خاص في حساب الصيدلية المركزية بلغ 200 مليار سنتم، لم يوظف منه أي درهم، على سبيل المثال، لتوفير خدمات تصفية الكلي بالمواد الصيدلية لتلبية حاجيات المراكز الاستشفائية الجهوية والإقليمية ومؤسسات الرعاية الصحية الأساسية. وفي نفس الوقت يتجاوز فإن الفائض في حساب صندوق دعم التماسك الاجتماعي تجاوز700 مليار في حين تتجاوز الفائض في الحسابات الخصوصية للخزينة المتعلقة بمجال تعزيز البنيات التحتية مبلغ 1000 مليار.
وعموما يصل عدد الحسابات المرصودة لأمور خصوصية إلى 12 حسابا، ناهزت نفقاتها، سنة 2019 مبلغ 10 ملايير درهم هي موضوع تحقيق من طرف لجنة مراقبين للمالية ؟؟؟؟؟حيث تشوبها اختلالات كبرى، مع العلم أن الموارد المرصودة لها فاقت 24 مليارا، ما يؤكد أن فائضها يناهز 14 مليارا كان يمكن استعماله لدعم الجماهير المعوزة ، “كما ستقوم اللجنة بالتدقيق في كيفية صرف أزيد من 52 مليار سنتم لتمويل برنامج المساعدة المباشرة للأرامل في وضعية هشة، إضافة إلى ستة ملايير سنتم لفائدة قدماء موظفي الإدارة المعوزين والذين يتقاضون معاشا يقل عن 500 درهم أو لا يستفيدون من أي دخل. ويعرف صندوق التماسك العديد من الاختلالات، إذ يتوفر على فائض مهم، لكن نسبة قليلة من الفئات المستهدفة هي التي تستفيد من دعم هذه الآلية المخصصة للحماية الاجتماعية للفئات الهشة، إذ وصل الفائض، حاليا، إلى أزيد من ألف مليار سنتم، في حين أن النفقات لم تتجاوز 262 مليار سنتم” (د عزيز غالي رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان) .
إن الإكتفاء بالوقوف على هذه المكونات الثلاث (الوضع الإقتصادي والحالة الإجتماعية ووضعية الحماية الإجتماعية) وتحليلها لتشخيص خطورة الأزمة الخانقة والتدهور الفظيع للوضع العام ببلادنا والتي زادت الجائحة في تفاقمها، يجعلنا نستنتج أن هذا الوضع المأزوم ليس قدرا منزلا على شعبنا من السماء، وإنما يجد تفسيره في أسسه المادية التالية :
- السياسات المعادية للتكتل الطبقي السائد ونظامه السياسي المخزني؛
- تشتت قوى اليسار الجذري، وعدم إدراكها لضرورة الحاجة للتكتل والتوحد على أرضية تحالفات حقيقية، مرحلية وإستراتيجية، وعلى قاعدة برنامج حد أدنى مشترك لمناهضة هذا الوضع المتردي والفعل فيه لتغييره؛
- هيمنة البيروقراطيات المقيتة على المركزية النقابية وإفراغها من طابعها الكفاحي وتحويلها إلى بقرة حلوب لخدمة المصالح الضيقة والأنانية لهذه البيروقراطية واستخدامها للطبقة العاملة عوض خدمتها وضعف عمل اليسار في هذه المركزيات؛
- افتقار الجماهير الشعبية الكادحة، وضمنها الطبقة العاملة، إلى أدوات الدفاع الذاتي المنظمة والمسؤولة، لقيادة وتنظيم وتطوير وتقوية وتجذير نضالاتها؛
- افتقار الطبقة العاملة وعموم الكادحين/ات إلى حزبها السياسي المستقل الذي به وحده تستطيع قلب هذا الوضع رأسا على عقب وهدم نظام التبعية المخزني وبناء مجتمع بديل في ظل دولة وطنية ديمقراطية شعبية في أفق الدولة الاشتراكية المنشودة التي وحدها من تستطيع تخليص شعبنا من ظلم وطغيان وتسلط هذا النظام الرجعي المتحكم فيه امبرياليا.
لكل ما سبق، فإن الحاجة أصبحت تدعو، أكثر من أي وقت سابق، عموم المناضلين/ات التقدميين/ات، وخصوصا الماركسيين/ات منهم، لتضافر الجهود وتقوية العزم وتصليب الإرادة للإسراع في مهمة بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين/ات كمهمة آنية ومستعجلة، إذا كنا، بالفعل، نطمح لبناء مجتمع ديمقراطي عادل يتسع لكل جماهير شعبنا التواقة للحرية والكرامة والعدالة والمساواة.