
يُنْفي الكاتبُ “إبراهيم الحجري” أن تكونَ الكتابةُ ترفاً في حياته، بل هي انتماءٌ وطينٌ عُجِنَ بهما، لم يخترْها، بقدر ما اختارته، فالكتابةُ تصطادُ بعنايةٍ ضحاياها، إذْ غرزت فيه شَوْكتَها وهو غضٌّ، ولمَّا كبُرَ ابْتَلى بها وابْتُلِيت به على حد سواء، وَجَدتْ فيه العنادَ الذي يليقُ بكبريائها، صقلته، وهذبته، وانتشلته من ضياع القرية الظالمة، وساقته إلى برزخ الأحلام، وحررت مزاجه من الفساد، وجنَّبتْه إدماناً سالباً، وهيأت له في الأرض مُتَّكأً ومَسْنَداً، يحفز على الصُّمودِ تحت وهج الشمس، وعندما تكون كهذا طريدة، يصعب أن يُناوِرَ، أو يترنَّحَ أو ينْفلتَ من شِباكِها، لقد جنَّبتْه الكتابةُ السياسةَ والسياسيين، إذْ وجدَ فيها عطاءً لا يفتر، وحماساً قلَّ نظيرُه، إذْ في الكتابة لا تجد من يُضلُّكَ أو يبيعُكَ الوهْمَ، فتغدو وَحْدك الرُّبانَ والسفينةَ والرُّكابَ، والعالمَ الذي ستُديرُه بعَبثٍ أو جِدٍّ، وتأسيساً على ذلك كله، الكتابةُ إشباعٌ لحاجاتٍ إنسانية متعددة، وسمُوٌّ بها نحو الأعالي، وتطهيرٌ للنفس، وهي تكريسٌ لذكاءاتٍ كامنةٍ، وتتويجٌ لمهاراتٍ شخصيةٍ تفيضُ بالذاتِ عن الحاجةِ، بالمقارنة مع الآخرين.