مجرد رأي

لا نهاية حتمية في واقع غامض حرب الصهيونية على غزة

 

عبد المولى المروري

نقطة مجهرية على الكرة الأرضية فرضت على العالم كله أن يقف على أصبع واحد، دون أن يدري إلى أين تتجه به الأحداث المركزة في قطاع غزة (أكناف بيت المقدس)..

انقطعت أنفاس العالم كله، وتسارعت ضربات قلبه بتسارع الأحداث على أرض غزة، وتسمرت عينه على تلك البقعة الصغيرة من العالم على حساب قضايا أخرى كانت تشغل بال العالم والقوى العظمى إلى عهد قريب..

ما هو موقع الحرب الروسية الأوكرانية على قوتهما وشساعة مساحة الدولتين وثراء مواردهما واقتصادهما مما يقع اللحظة في غزة؟

ما هو موقع الصراع الاستراتيجي الصيني الأمريكي المتعلق بجزيرة تايوان؟

ما هو موقع الصراع الأمريكي الإيراني المتعلق بالسباق النووي؟ من يذكر الآن أزمة الأسلحة النووية في كوريا الشمالية؟

يبدو أن كل ذلك مؤجل، ولكن بطريقة جاهزة لاستغلاله في خضم هذه الأحداث الملتهبة… دون استحضار قضايا أخرى بمثابة نار ملتهبة تحت رماد التهدئة السياسية في كثير من مناطق العالم المعادي للغطرسة الأمريكية..

وإذا كانت تلك الأزمات مؤجلة، فهذا لا يعني أنها لا تتفاعل مع ما يقع في غزة، بل على العكس من ذلك، فما يقع في غزة يمكن أن يؤثر بشكل قوي عليها.. فحلف روسيا يسعى جاهدا من أجل توظيف الحرب لصالحه مستغلا انشغال أمريكا والغرب في مستنقع غزة، كما أن حلف أمريكا وإن استجمع تركيزه على قطاع غزة، فإن عيونه ما تزال مفتوحة على باقي مناطق الصراع الأخرى حتى لا تنفلت من يده.. ولكن إلى متى؟

تصوروا أن هذه البقعة المجهرية المسماة قطاع غزة استطاعت أن تحرك العالم كله، وتشد انتباهه وعقله وتركيزه إليها! وهذا الأمر ألزم على أمريكا إخضاع كل تحركاتها العسكرية والسياسية لحسابات دقيقة ومعقدة.. فماذا يعني نقل بارجتين عملاقتين بما تحمله من عشرات الطائرات الحربية المتطورة، ومختلف أنواع القنابل والصواريخ الدقيقة والفتاكة من موقعهما إلى البحر الأبيض المتوسط؟ إجراء لم تتخذه منذ أكثر من أربعين سنة!

تحرك البارجتين في هذه الظرفية الحرجة التي يعيشها الكيان، له معنى واحد، هو أن أرض فلسطين المحتلة، في الحقيقة، هي مستعمرة أمريكية وضعت فيها كيانا غاصبا قصد حراستها.. وعندما تأكد لها أن حارسها مهدد من طرف المقاومة، ومستعمرتها على وشك الانعتاق، قررت إرسال الدعم العسكري واللوجستيكي تحسبا لأي طارئ..

إن تحرك البارجتين الأمريكيتين لن يضع محور المقاومة في موقف المتفرج والملاحظ والمراقب.. ولن يجعل روسيا والصين وكوريا الشمالية جالسين خلف شاشات التلفاز لمشاهدة الأحداث وسماع التعليقات والتحاليل السياسية والعسكرية..

فأول ما سيسعى إليه محور روسيا والصين وكوريا الشمالية هو كيفية الاستفادة من هذه الحرب؟ وكيف تساهم في المزيد من إشغال أمريكا أطول مدة ممكنة في مستنقع غزة عن باقي القضايا والمناطق الأخرى المتنازع عليها أو فيها، والتي تهم ذلك المحور.. ؟ مع استحضار أن إيران تنتمي – طبعا – إلى هذا المحور..

وأول ما سيسعى إليه محور المقاومة المكون من إيران كدولة، وباقي التنظيمات العسكرية الاخرى، وعلى رأسها حزب الله اللبناني هو أن تبقى المقاومة في قطاع غزة صامدة وقائمة.. لأن أي إنهاء لها هو بداية لإنهاء كل محور المقاومة الذي يطوق الكيان في الشمال والجنوب .. كما أن إنهاء المقاومة هو إنهاء سريع لدور إيران في المنطقة وتأثيرها في المشهد الإقليمي هناك..

وهناك احتمالية ترعب أمريكا كثيرا، بسبب دعمها الأرعن للكيان، وصمتها عن جرائمه التي يرتكبها في حق الأطفال والنساء في غزة، هذا الرعب يتمثل في احتمال استهداف مصالحها في العديد من مناطق التوتر التي تتواجد فيها، ولا سيما في العراق وبعض البحار المجاور لبعض الدول العربية.. فتدخل أمريكا بأي شكل، واتساع رقعة وأطراف الحرب قد يشكل تهديدا حقيقيا لمصالحها وقواعدها العسكرية، الأمر الذي لا ترغب فيه أمريكا، وحتما سيشكل عبئا ثقيلا عليها، وارتياحا كبير للمحور المعادي لها ولا سيما إيران وروسيا والصين.. فهل سيكون لهذا المحور دور ومساهمة في ذلك؟

كل هذه الإكراهات حاضرة بقوة في حسابات إمريكا وحلفائها.. الأمر الذي يجعل تدخلها المباشر أو غير المباشر محفوفا بالعديد من المخاطر والمفاجآت غير المرحب بها.. وهذا ما يفسر تأخر وتعثر الاجتياح البري الذي يهدد به الكيان.. فلا أحد بمقدوره توقع وحساب مآلاته ونتائجه، ومدى اتساع رقعة الحرب، واحتمال تدخل آخرين ساحتها بشكل أو بآخر، وحجم ضغط الشارع العربي والإسلامي والعالمي… وكيف ستتعامل الأنظمة العربية مع ضغط الشارع وتوتره، وضغوط الشعوب الغربية على حكوماتها.. وازدياد تعاطف العالم مع غزة، ولا سيما زعماء أمريكا اللاتينية وزعماء بعض الدول الاسيوية…

حقيقة أخرى يدركها الكيان جيدا إلى جانب أمريكا والدول الغربية، أن أي تأخر في حسم الحرب أو إنهاءها سريعا هو انتصار للمقاومة.. بسبب ما يعانيه الكيان من انقسام سياسي داخلي، وترهل قوته العسكرية وتمرد بعض عناصر الجيش، فضلا عن الضغط الذي يمارسه شارع الكيان على حكومة الاحتلال، ولا سيما أسر وعوائل الأسرى.. فكل يوم إضافي في أتون هذه الحرب له تكلفة سياسية وعسكرية واقتصادية باهضة جدا، تساهم بشكل واضح في إرهاق الكيان وتزايد أزماته الداخلية.. وليس للكيان من سبيل من أجل إنقاذ نفسه، وتخفيف الضغط عليه، إلا المزيد من قتل المدنيين وتدمير المستشفيات والمدارس والمنازل قصد إرهاق المقاومة وإفقادها تركيزها وصوابها .. وتدمير روحها المعنوية، وإضعاف صمود سكان غزة..

يبدو أن أهداف الكيان من هذه الحرب أصبحت تتلاشى، القضاء على المقاومة خاصة ح/م/ا$، وتهجير أهل غزة إلى سيناء، وهو دليل على فشله في هذه الحرب، لذلك فهو في أمس الحاجة إلى حل بديل، والعمل الآن على قدم وساق من أجل البحث في إمكانية دخول قوة دولية تحت مظلة مجلس الأمن لحفظ ماء وجه الكيان وإيقاف الاقتتال.. تحت ذريعة وعنوان براق وعاطفي: حماية المدنيين في قطاع غزة .. فلا أحد يستطيع الاعتراض على هذا الحل لما يحمله من بعد إنساني، ولكنه بعد إنساني كاذب طبعا .. لن ينطلي على من يعي ويفهم طبيعة الصراع في فلسطين المغتصبة .. ولكنه ربما سيفرض بقوة كما وقع سابقا في حرب البوسنة والهرسك وغيرها من المناطق ..

الغموض الآن هو سيد الموقف، مع انتصار نسبي للمقاومة الصامدة المتأهبة، في انتظار وضوح مواقف دول أخرى من المجزرة التي تمارس على أهل غزة.. ما تزال مواقف الدول العربية ملتبسة إلى درجة الخذلان، وما يزال موقف تركيا دون دورها الإقليمي ومكانتها في وجدان العالم الإسلامي دون معرفة سبب ذلك، وما تزال مواقف كل من باكستان وماليزيا تتأرجح بين إدانة العدوان ومراقبة الأحداث.. وما يزال تربص حلف روسيا دون تأثير حقيقي على الساحة.. وحتما لن يستمر الوضع على ما هو عليه مع استمرار العدوان على قطاع غزة وتزايده، واستمرار أهل غزة على صمودهم وتماسكهم .. كثير من القواعد والتوازنات مرشحة للتغيير بشكل جذري مع توالي الأيام وتسارع الأحداث.. فلا شيء حتمي وثابت في واقع غامض ومتحرك..

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى