“اتفاق 10 دجنبر 2023 بين السياقات والمخرجات”
بقلم :د.محمد غولي
اتفاق آخر ينضاف للاتفاقات السابقة التي وقعتها الحكومة مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية ، عنونته بالإجراءات ذات الأثر المالي…وكقراءة أولية لهذا المولود الجديد وماشابه من ملاحظات منهجية وموضوعية…نسجل ملاحظة أساسية متعلقة بالعنوان أعلاه…”الإجراءات ذات الأثر المالي” كان يمكن تأخيرها إلى المحطة الأخيرة من الحوار الدائرالآن بين النقابات ” الأكثر تمثيلية” والحكومة ، لما في ذلك من إجراءات تقنية مالية تكون كواجهة تسويقية للإجراءات القانونية الصرفة ذات البعد القانوني والإداري…فالذي أخرج نساء ورجال التعليم للاحتجاج ليس هو الفتات المالي المقسم لسنتين متتاليتين…بل الذي أخرجهم للتنديد والاحتجاج هي كرامتهم التي انداس عليها بموجب مواد قانونية ضمن النظام المشؤوم، فكان جديرا بالوزارة ومعها الحكومة الموقرة الانتباه للمواد القانونية المجحفة قبل التطرق للإجراءات ذات الأثر المالي الضيق…وطبعا ليس هناك من تفسير لهذه المقاربة الضيقة سوى محاولة من الجهات الرسمية اللعب على ورقة شق الصفوف ، وخلق تصدع نوعي داخل التنسيقيات االمناضلة ، ومحاولة يائسة لجلب فئات بعينها عانت من التعسف والظلم طوال سنين مديدة – ضحايا النظامين ،الزنزانة رقم 10 ، مستشارو التوجيه والتخطيط ، المتصرفون التربويون ، المحرومون من خارج السلم ، أصحاب الشواهد العليا…- أما باقي الفئات – وهم الشريحة العظمى- فتم تجاهلها أو على الأصح إسكاتها بمبلغ هزيل بالكاد يصل إلى 1500 درهم مقسم إلى سنتين متتاليتين…
هذه المقاربة التقنية للموضوع قد تسكت البعض ، ولكنها لن تسكت الأغلبية العظمى من رجال ونساء التعليم التي تنادي بالكرامة ورد الاعتبار قبل مناداتها بالفتات المالي البخس الذي قد يعمق حدة الاحتقان أكثر من حله وإنهائه…
وبالرجوع للإجراءات ذات البعد المالي يمكن تسجيل الملاحظات الآتية :
أولا : هذه الإجراءات لم تشمل جميع الملفات العالقة ذات البعد المالي…هناك ملفات مازالت عالقة تحتاج لتسوية مالية ، مثل : ملف الدرجة الجديدة والذي بالمناسبة لم يكن له ذكر في اتفاق 10 دجنبر 2023 ، وهو ملف ذا بعد مالي وقانوني معا كان على الحكومة أن تعطي له الأولوية القصوى انطلاقا من اتفاق 26 أبريل 2011 ، وأن يعود انعكاسه بأثر رجعي قانوني مالي منذ توقيع ذاك الاتفاق…
ثانيا : ملف التعويض عن المناطق النائية غاب بدوره عن هذا الاتفاق ، رغم طابعه المالي والقانوني منذ اتفاق 26 أبريل 2011…وكأن المعنيين به كتب عليهم الاغتراب في أداء الواجب المهني كما كتب عليهم الاغتراب والتجاهل من لدن أصحاب القرار….
ثالثا : تجاهل ملفات ذات بعد مالي ؛ لأن أصحابها لايشكلون قوة ضاغطة -لضعف تعدادهم- كملف الدكاترة ، رغم السند القانوني الذي يؤيد مظلوميتهم- اتفاق 26 أبريل 2011 ،واتفاق 18 يناير2022.- مما يوحي أن الوزارة الوصية ومعها الحكومة تتعامل بمنطق توازن القوى مع الفئات التعليمية ، وليس بمنطق الأحقية القانونية مع كل الملفات المطروحة…
رابعا : التمييز بين الفئات التعليمية في التسوية الشاملة كما وقع بين فئة الدكاترة من جهة وفئتي أصحاب الشواهد العليا ومستشاري التوجيه والتخطيط من جهة ثانية…الأولى تم تجاهلها ماليا وقانونيا والثانية تم إنصافها ماليا وقانونيا …وهذا الطرح وإن دل على شيء ؛ فإنما يدل على قصور الرؤية لدى الوزارة في التعاطي مع مختلف الفئات برؤية شمولية تعتمد التكامل والتنوع بدل التمييز والتفييء…
خامسا : كل المبالغ المرصدة للزيادة في الدخل لا تصل إلى نسبة عشرة في المائة للمبالغ المرصدة لحل بعض الملفات العالقة ، مما يدل على غياب إرادة سياسية قوية في النهوض بهذا القطاع الحيوي وهو الذي سينعكس سلبا على نساء ورجال التعليم سواء على المستوى الاعتباري أو المادي…
وأخيرا فإن الخطير في كل الخطوات التي قامت بها الجهات المسؤولة اتجاه هذا الحراك التعليمي هو التدرج في تقديم بعض التنازلات البطيئة على امتداد فترات زمنية جد مهمة في حق الفئات المتعلمة، وكأن الزمن المدرسي لايستحق التعجيل بالحلول الكفيلة بإرجاع السادة الأساتذة إلى حجراتهم الدراسية…ماالسر في ذلك ؟!! هذا ماستجيبنا عنه الأيام أو الشهور القادمة…