التآمر على المقاومة بدأ بالحديث عن اليوم التالي.
عزمي بشارة
عن موقع: (العربي الجديد)
شدد المدير العام لـ”المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” عزمي بشارة على أنه يمكن إفشال المخطط الإسرائيلي الذي يتم وضعه لقطاع غزة، واعتبر أن التآمر على المقاومة بدأ بالحديث عما يسمى “اليوم التالي”، محذراً من أن القدرة الإسرائيلية على الحسم واردة، لكنها غير حتمية ويمكن هزمها، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الموقف الأميركي لا يزال على حاله من حيث التأييد المطلق لإسرائيل ولأهداف حربها.
وقال المفكر العربي، في مقابلة مساء الأحد مع تلفزيون “العربي” من مدينة لوسيل في قطر، إنّ لا شيء يضمن لإسرائيل نجاح ما تخطط له لقطاع غزة بإدارته أمنياً وعسكرياً وسياسياً من خلال دعم عربي، كما كتب أخيراً زعيم المعارضة الإسرائيلية يئير لبيد على سبيل المثال، ذلك أن كل ما يتم التخطيط له لا يأخذ في الحسبان احتمال أن تُفشله المقاومة عسكرياً.
ووصف ما يتم التفكير فيه إسرائيلياً هناك بأنه ترجمة حرفية لنظام الأبارتهايد. وعن هذا الموضوع، ورغم أن الاختلاف بين أميركا وإسرائيل يقتصر على الأسلوب والمنهج للوصول إلى الهدف المتفق عليه، وهو القضاء على المقاومة، من دون أي خلاف جوهري، إلا أن التوجه بحسب بشارة هو بالفعل الانتقال بدءاً من نهاية يناير/كانون الثاني أو منتصف فبراير/شباط المقبلين من المرحلة الحالية للحرب (القصف الشامل والمكثف) إلى مرحلة جديدة يتم فيها العمل بشكل محدد ضد أهداف حركة “حماس” وأنفاقها وقياداتها.
ورأى بشارة أن هذه مرحلة لا أحد يعرف كم تدوم، وخصوصاً أن “الأنقاض قد تحوّلت إلى مشكلة للاحتلال لأنها أصبحت مكاناً ممتازاً بالنسبة للمقاومين لتنفيذ عملياتهم منها”.
اليوم التالي
لكن بشارة رأى اختلافاً بين واشنطن وتل أبيب بالفعل حول “اليوم التالي” للحرب، وهو خلاف قديم بين جو بايدن وبنيامين نتنياهو، إلا أن “عملية السابع من أكتوبر أعادت نتنياهو إلى أحضان بايدن حرفياً”، بحسب تعبير بشارة الذي لفت إلى أن واشنطن لا تزال متمسكة بمشروع تأسيس حلف عربي ــ إسرائيلي لملء الفراغ في حال أشاحت أميركا نظرها عن المنطقة.
وفي تقييمه عسكرياً لأداء جيش الاحتلال بعد شهرين ونصف الشهر من العدوان، قال بشارة إن هناك فشلاً يُعوَّض عنه بالقوة الهائلة لأن القصف الشامل كان انتقامياً ــ دموياً على طريقة الثأر القبلي، “لكن مثلما فوجئوا في السابع من أكتوبر نتيجة غطرستهم، فإنهم سيفاجأون اليوم بقدرة المقاومة على الصمود بدليل استمرار المواجهات في شمال غزة، وبحجم أنفاق غزة”، يقول بشارة. ذهول إسرائيلي مرده الأساسي وفق المفكر العربي، “نظرتهم العنصرية تجاه الفلسطينيين لناحية اعتقادهم بأنهم أدنى منهم، وبالتالي غير قادرين على بناء هكذا مستوى من القدرات”.
أداء المقاومة عسكرياً وسياسياً
ورداً على سؤال عن أداء المقاومة عسكرياً وسياسياً، أجاب بشارة أنه “مع كل هذا الفخر بأداء المقاومة وصمودها وقدراتها وإقدامها، يجب أن نُبقي في بالنا قوة إسرائيل والدعم الأميركي والعالمي الرسمي لها، بالتالي لا يمكننا تحميل هؤلاء الشباب المقاومين وزر القضية الفلسطينية”، وخلص إلى أن “القدرة الإسرائيلية على الحسم واردة، لكنها غير حتمية ويمكن هزمها”.
أما سياسياً، فوصف أداء المقاومة حالياً بأنه جيد، لكنه حذر من أنه “على المدى البعيد، وبعدما اكتسبت المقاومة شرعية كبيرة، فإنّ هذه مسؤولية تتطلب محاولة احتواء الجميع، وطرح خطاب سياسي مسؤول ومقبول ليس فقط بالنسبة للشعب الفلسطيني، بل يجب أن تتذكر المقاومة أن عليها أن تكسب هؤلاء الذين تضامنوا معها في الغرب، أي حركة التضامن العالمية”.
ونبّه على هذا الصعيد من أن “التآمر على المقاومة بدأ بالحديث عن اليوم التالي، وهذا يتطلب حكمة ومسؤولية، بالتالي يجب أن تبدأ التحالفات والحديث مع الدول واستيعاب جميع الآراء”.
وشدد المفكر العربي على أن “البُعد الأيديولوجي لا يجب أن يكون حاضراً لدى المقاومة في الشأن الفلسطيني مستقبلاً”، ونصح بأن عليها “محاولة إقناع أوسع أوساط ممكنة من الشعب الفلسطيني بأن إسرائيل تنصلت من كل مسار أوسلو، وأنه يجب البحث عن برنامج مشترك يجمع كل الشعب الفلسطيني”، معرباً عن أسفه لغياب هكذا إطار جامع حالياً.
صفقة تبادل جديدة؟
في غضون ذلك، أوضح بشارة أنّ لا مصلحة للمقاومة، وفصيليها الرئيسيين، حماس والجهاد الإسلامي، في هدن يفرج فيها عن سجناء ثم يعود القصف في اليوم الثاني.
وبرأيه، كان ذلك مبرراً في ما يتعلق بالأسرى النساء والأطفال، وكانت هناك قناعة وأمل لدى المقاومة ولدى الوسطاء بوجود احتمال أن تصبح الهدنة السابقة حالة دائمة في حينها، لكن ذلك لم يتحقق، بالتالي، يتابع بشارة، “تعتقد حماس حالياً أن لا معنى لمفاوضات على تبادل إن لم يكن شرطه وقف إطلاق نار دائم يليه تفاوض على تبادل أسرى”.
وعن التسريبات بأن حكام تل أبيب يرغبون بصفقة جديدة، أجاب بشارة بأنهم بحاجة لإرضاء عائلات الأسرى، وهؤلاء مصدر الضغط الوحيد حالياً على الحكومة والجيش، “لكنهم يعرفون تماماً موقف الطرف الآخر (المقاومة) لذلك يرمون بالونات لاختبار رد فعل المقاومة، وحالياً لا وجود لأي حديث جدي، ولا مفاوضات طالما أن إسرائيل لا تزال تعتبر أن الطريق الأفضل لتحرير أسراها هو بالعملية العسكرية”.
عزمي بشارة:” الموقف الأميركي لا يزال على حاله من حيث الدعم المطلق لإسرائيل”
وتوقف بشارة عند قتل الأسرى الإسرائيليين الثلاثة على يد جيش الاحتلال في الشجاعية قبل أيام، ولفت إلى أن تلك الحادثة “تقول كل شيء” عن الإجرام الإسرائيلي وعقيدته العسكرية في استباحة حيوات الفلسطينيين، أي أنه “مسموح قتل كل ما يتحرك ما دام أنه لم يتم التعرف بأنه غير إسرائيلي”، تماماً كحال المسلح الإسرائيلي الذي قتل المنفذ الفلسطيني لعملية مسلحة في القدس قبل نحو شهر، ثم قتله جنود الاحتلال ظناً منهم أنه فلسطيني، مع أنه رمى سلاحه ورفع يديه.
الموقف العربي الرسمي
أما عن تحولات الموقف الرسمي من الحرب، فقسّمه بشارة إلى 3 أنواع: الأول متواطئ كان ينتظر أن تقضي إسرائيل على المقاومة الفلسطينية لكي يسهل دمج إسرائيل في المنطقة، والثاني عاجز وثالث متفرج.
وأعرب عن قناعته بأن الطرف الأول “جزء كبير منه أدرك أن سلوك إسرائيل بات خطيراً سياسياً، لذلك عدّل موقفه أيضاً لاحتواء الغضب الشعبي إلى أن تنتهي إسرائيل من المهمة”.
وكرر بشارة ما ذكره في مقابلاته التلفزيونية السابقة بأن الفعالية الكبرى هي في تنظيم الاحتجاجات داخل العالم العربي، لأن هذا ما يجعل أميركا تخشى خطر ما ترتكبه إسرائيل على “استقرار المنطقة”، وهذا لا يزال ناقصاً برأي الدكتور عزمي بشارة.
وختم رده على سؤال حول الموقف العربي الرسمي بالتذكير أن حرب غزة أوقفت التطبيع العربي ــ الإسرائيلي مؤقتاً، “وعسى من كان يهم إلى التطبيع أن يكون اقتنع بأنه يستحيل تهميش القضية الفلسطينية”، معيداً إلى الذاكرة كيف أن الدول العربية المطبعة لم تقم حتى بخطوة رمزية مثل استدعاء سفراء احتجاجاً على العدوان.
وتوقف مجدداً عند ما يقوم به الحوثيون (تهديد الملاحة البحرية المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر وباب المندب)، وقال عنه إنه “جريء ومؤثر ليس على الطرق البحرية إلى إسرائيل فحسب، بل هو نوع من العقوبات التي كنا نتوقع أقل منها من قبل بلدان عربية”.
وتابع أن ما يقوم به الحوثيون “يؤثر على الاقتصاد العالمي، بالتالي سيضطر العالم إلى الحديث معهم لاحقاً، وهذا درس للبلدان العربية التي كان يمكنها أن تفرض نفسها على الطاولة لو اتخذت موقفاً حقيقياً”. غير أن بشارة استبعد تماماً إنشاء تحالف عسكري يضم بلداناً عربية ضد الحوثيين في اليمن.
جنوب لبنان
وعما يتم التداول به عن احتمال عقد صفقة بين إسرائيل وحزب الله تنزع فتيل الحرب الشاملة بينهما، أجاب بشارة بأن لا أحد يريد الحرب الشاملة، لا إسرائيل ولا حزب الله حالياً، لكنه ذكّر بأنه بعد الحرب هناك 100 ألف إسرائيلي خارج بيوتهم في شمال فلسطين المحتلة قرب الحدود اللبنانية “لن يعودوا طالما أن حزب الله موجود على الحدود، لذلك ستحاول إسرائيل إبعاده إلى شمال الليطاني وحزب الله سيرفض ذلك”.
ولم يستبعد بشارة أن تعرض تل أبيب على حزب الله صفقات مختلفة من نوع انسحاب من مزارع شبعا مثلاً. وتوقع أن يستغرق التفاوض في حال حصل، وقتاً طويلاً، “وهذا الموضوع سيكون مهماً ومركزياً بدءاً من منتصف العام المقبل، أي حين تبدأ مضاعفات الحرب على غزة في التراجع”.
“عزمي بشارة: حرب غزة أوقفت التطبيع مؤقتاً، وعسى أن يكون من كان يهم إلى التطبيع قد اقتنع بأنه يستحيل تهميش القضية الفلسطينية”
وفي السياق نفسه، اعتبر بشارة أنه “إذا هددت إسرائيل بالحرب الشاملة أو إذا جعل حزب الله إجباره على الانسحاب من جنوب الليطاني سبباً لحرب شاملة، فإن ذلك قد يجبر إسرائيل على إعادة حساباتها الحربية لتقرر ما إذا كانت قادرة وراغبة في حرب مع حزب الله الذي زادت قوته بشكل كبير منذ 2006 حتى اليوم”.
ورفض وضع هذه المسألة في خانة القضية الفلسطينية، بل ترتبط وفق كلام بشارة بنظرة حزب الله إلى نفسه وإلى المنطقة. وأضاف أن موضوع الانسحاب إلى شمال الليطاني فإنما “يتعلق بموقع حزب الله الإقليمي واللبناني الداخلي، ولا أعرف إن كان حزب الله سيجعل من هذه المسألة سبباً للحرب، ربما يتكرر ما حصل بعد صدور القرار الدولي 1701 (الذي أنهى حرب صيف 2006) حين انسحب مقاتلو الحزب إلى ما وراء الليطاني، ثم عادوا إلى جنوبه في ما بعد.