أخبار وطنيةمجرد رأي

كيف تستغل إسرائيل مهرجانات السينما بالمغرب لتنشيط التطبيع الثقافي؟

 

يواصل أنصار التطبيع مع إسرائيل في المغرب بث أفكارهم المسمومة عبر مداخل متعددة، ومنها المجال السينمائي والثقافي الذي يشهد حراكا واسعا رغم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ويستغل المطبعون المهرجانات السينمائية لتزييف وعي المواطنين والتأثير على قناعاتهم حول القضية الفلسطينية العادلة ضمن مسلسل انحدار ما بعد تطبيع العلاقات بين الجانبين نهاية عام 2020.
آخر تحركات المطبعين عبر المجال السينمائي كانت من خلال “المهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة” بمدينة الناظور شمالي المملكة، والذي نظم في دورته الثانية عشرة خلال الفترة الممتدة ما بين 11 و16 ديسمبر/كانون أول 2023.
وكشف موقع “كواليس الريف” المحلي في 8 ديسمبر 2023، عن تلقي مديره تمويلا إسرائيليا، وذلك نسبة إلى تصريح مصور لمسؤول عسكري إسرائيلي (لم يذكر اسمه).
وقال المصدر ذاته، إن الدولة العبرية تخصص تمويلا مهما جدا لمدير المهرجان، عبد السلام بوطيب، واصفا إياه بـ “أحد كبار عملاء إسرائيل في المغرب، وأحد معارضي الفكر الإسلامي”.
وأضاف المتحدث الإسرائيلي، وفق الموقع، أن ذلك يدخل في إطار انفتاح تل أبيب على عملاء جدد، وبشرط أن يتم عرض فيلم يمجد إسرائيل ويتحدث عنها في كل دورة من المهرجان.
وكشف المنبر الإعلامي أن “بوطيب تلقى تمويلا ضخما لمهرجانه في دورة هذه السنة، قدر بـ 400 ألف دولار من إسرائيل عبر وسيط، بالإضافة 1,5 مليون دولار أخرى من مؤسسات ومنظمات وشركاء مختلفين من داخل المغرب وخارجه”.
وتفاعلا مع الضجة التي خلقها تداول هذه الأخبار، عقد بوطيب ندوة صحفية في 11 ديسمبر 2023، نفى خلالها تلقيه لأي تمويل إسرائيلي.
غير أنه لم ينف صلاته مع إسرائيل، على المستوى الثقافي والسينمائي، حيث دأب بوطيب على استضافة الكيان المحتل في هذا المهرجان.
توجه فرنكفوني
تفاعلا مع هذه القضية، قال الناقد الفني والسينمائي مصطفى الطالب، إن التطبيع مع إسرائيل بين الرباط وتل أبيب، شكل منعطفا جارفا في مسار القضية الفلسطينية وتضامن الشعب المغربي معها، ومنه على المستوى الفني والسينمائي.
وأضاف الطالب لـ “الاستقلال”: “فتح هذا التطبيع الباب على مصراعيه للعديد من المثقفين والفنانين والسينمائيين، خاصة من ذوي التوجه الفرنكفوني (المتأثرين بفرنسا)، للتعامل علانية مع الإسرائيليين، وحضور حفلاتهم ومهرجاناتهم بفلسطين المحتلة أو بدعوتهم إلى المغرب”
وأردف، هؤلاء المطبعون فنيا وسينمائيا، لم يأبهوا لمعاناة الشعب الفلسطيني ولا بتدنيس المسجد الأقصى من طرف المستوطنين، ولا بطرد الفلسطينيين من حي الشيخ الجراح، ولا بمعاناة أهل غزة الذين يقصفون كل يوم دون توقف.
واسترسل الطالب، إن بعض المهرجانات السينمائية أعلنت صراحة عن مشاركة أفلام إسرائيلية في المسابقة الرسمية، لاسيما وأن هذه الخطوة كانت وراءها تحفيزات مالية ومشاريع فنية لأصحابها داخل المغرب وخارجه.
ونبه المتحدث ذاته، إلى أن ذلك أثر على البعض، من الذين بدأوا بتقبل فكرة التطبيع مع الكيان المحتل بحجة التعامل مع اليهود المغاربة، والحقيقة أن هذه مغالطات تاريخية وفكرية لا تنطلي على أحد.
وشدد الناقد الفني والسينمائي، إننا أمام مشهد مأساوي يعيشه إخواننا الفلسطينيون كل يوم، أمام محتل متغطرس ولا إنساني، حيث يرتكب المجازر والمحارق في غزة، أمام مسمع ومرأى العالم، دون احترام لحقوق الإنسان ولا حتى لقواعد الحرب المتعارف عليها.
ولذلك، يردف الطالب، ندد اليهود المغاربة الذين لم يهاجروا إلى الكيان الصهيوني بهذه المجازر وبالتطبيع مع إسرائيل، وعبروا عن رفضهم للأطروحة الصهيونية للقضية الفلسطينية.
بدوره، أكد الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع عزيز هناوي، أن التطبيع الثقافي والإعلامي والسينمائي هو من أخطر أشكال العلاقة مع الاحتلال.
وشدد هناوي لـ “الاستقلال” أن التطبيع السينمائي والفني يكتسي خطورة مضاعفة، لأنه يستهدف السردية الأصلية للقضية الفلسطينية، وبشكل مواز يخترق الذهنية والعقل الجماعي للشعب المغربي، لبث الرواية الصهيونية.
وذكر المتحدث ذاته، أنه في الفترة الأخيرة تضاعف حجم هذا التطبيع، أي على المستوى الإعلامي والسينمائي والفني، عبر إبراز الجالية المغربية في إسرائيل.
والحال أنهم ليسوا بجالية، بل هؤلاء مهاجرون ذهبوا إلى أرض فلسطين وأصبحوا جزءا من العصابة الصهيونية، وفق قوله.
وأبرز هناوي أنه في السنوات العشر الأخيرة، لوحظ وجود تصاعد كبير في وتيرة استضافة السينمائيين الصهاينة بالمغرب، وإنتاج أفلام وثائقية تدعي أنها مغربية، لكن بمضمون صهيوني.
واسترسل: “لاحظنا تصاعد وتيرة تكريم بعض المنتجين السينمائيين والوثائقيين، من الذين أصبحوا محترفين في المادة الصهيونية”.
ومن ذلك ما وقع في مهرجان طنجة السينمائي، وفي احتفالية سابقة للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وعبر التلفزة المغربية التي تحتفي بهذه الإنتاجات، وفق قوله.
حضور إسرائيلي
وشاركت إسرائيل في الدورة السابقة لمهرجان الناظور الدولي للسينما والذاكرة المشتركة، الذي نظم بين 22 و27 أكتوبر/تشرين أول 2022.
ركز المهرجان على الأعمال والأفلام المتعلقة بالعدالة الانتقالية، أي عمليات السلام والمصالحة التي حدثت في العقود الأخيرة.
وشهدت الدورة مشاركة أفلام من المكسيك وكوبا وغواتيمالا وكولومبيا والأرجنتين والعراق وفلسطين وإسرائيل، وأرمينيا وأوكرانيا وبوروندي والكونغو والجزائر وتونس ومصر والمملكة المتحدة وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا والمغرب.
وفي رده على الأمر، أعلن الكاتب والناقد محمد أقضاض، انسحابه من لجنة التحكيم كما رفض تكريمه به، قائلا إنه لن يقبل المشاركة في تظاهرة سينمائية “يحضرها العديد من الوجوه الإسرائيلية”.
وأوضح أقضاض، وفق موقع “الجريدة 24” المحلي، في 4 ديسمبر 2022، أنه يرفض بشكل قاطع حضور التظاهرة السينمائية، بسبب انضمام إسرائيليين للجان التحكيم بالإضافة إلى مشاركة فيلم لهم في لائحة الإقصائيات.
وأكد المتحدث “على كون إسرائيل كيانا زرعته الدول الاستعمارية في قلب الشرق الأوسط بما فيه المغرب الكبير وحمته قصد التحكم في المنطقة، وهذا الاقتناع جعلني أتساءل عن مسوغ الحضور الإسرائيلي الكثيف في هذا المهرجان”.
وأوضح الناقد أنه قرر إلغاء مشاركته ضمن لجنة تحكيم المهرجان وفي ندوة السينما والتنمية، كما رفض التكريم الذي خصص له من طرف إدارة التظاهرة.
وتساءل: “ما المشترك بين ذاكرة منطقة الريف وباقي المغرب وإسرائيل؟ ولماذا تسابق منظمو المهرجان إلى التطبيع الثقافي معها؟”.
المسار التطبيعي بين المغرب وإسرائيل على المستوى الفني والسينمائي تواصل بشكل متنامٍ، سواء في الأراضي المحتلة أو عبر مهرجانات سينمائية بالمغرب.
وفي هذا الصدد، نُظمت ندوة في إطار مهرجان حيفا السينمائي الـ38، في المدينة الفلسطينية المحتلة استعرضت آفاق التعاون المغربي الإسرائيلي في قطاع السينما.
ووفق ما قال موقع “هسبريس” المحلي، 12 أكتوبر 2022، تعد هذه جلسة النقاش الثانية حول السينما المغربية في المهرجان، بعد لقاء مفتوح شاركت فيه المخرجات المغربيات اللائي عرضت أفلامهن في دورة مهرجان حيفا (نظم من 8 إلى 17 أكتوبر 2022).
وفي تصريح صحفي، أوضح يارون شامير (Yaron Shamir)، المدير الفني لهرجان حيفا السينمائي، أنه خلال دورة هذه السنة “أردنا التركيز على حضور السينما المغربية، وبالخصوص النسائية”.
وأضاف: “هذا الاختيار كان موفقا؛ حيث كان الإقبال على الأفلام المغربية كبيرا خلال هذه الدورة مع عرض سبعة منها، إذ إن قاعات العرض كانت مليئة، وهذا يعود أيضا إلى كون العديد من اليهود منحدرين من المغرب ويقبلون على الثقافة المغربية”.
واسترسل شامير: “نحن فخورون أيضا بحضور خمس مخرجات في المهرجان، وهو ما سيفتح المجال للتفاعل بين السينمائيين ويشكل أساسا لشراكات في المستقبل لإنتاجات مشتركة”.
مسار تطبيعي
في السياق ذاته، شهدت الدورة التاسعة للمهرجان الدولي – السينما والبحر في سيدي إفني جنوبي البلاد، مشاركة 17 فيلما قصيرا من المغرب، إسبانيا وبريطانيا وسلطنة عمان ومصر والكيان الصهيوني والعراق والجزائر وسوريا.
ووفق موقع “إسرائيل 24” العبري، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، فقد شاركت تل أبيب في لجنة تحكيم الفيلم الروائي القصير ممثلة في المخرجة أليكساندر كيرين.
وكانت إلى جانب المخرج المغربي عبد الرزاق زيتوني، والممثلة الأمازيغية زاهية زاهيري، والمخرج تيري غورن من فرنسا، والمخرج بيدرو بابلو من إسبانيا.
وردا على الانتقادات التي وجهت لمشاركة إسرائيل في هذا الحدث السينمائي، قال مدير المهرجان، يوبا أبوبركا، إن لإدارته الصلاحية في اختيار لجان تحكيمها حسب ما تراه مناسبا لإشعاع المغرب والمساهمة في تعزيز مكانته السياحية المتميزة للمنطقة.
وتابع: “لا يحق لأي كان أن يتدخل في اختيارات المهرجان والدول المشاركة به؛ أما الكلام عن التطبيع وغيره من الشعارات الفارغة التي سلبت عقول الكثير لعقود من الزمن لم تعد صالحة والوطن قبل كل شيء”، وفق تعبيره.
وغير بعيد عن مدينة سيدي إفني، سلطت الدورة الثامنة عشرة لمهرجان أغادير الدولي للسينما والهجرة، الذي نظمته جمعية “المبادرة الثقافية” ما بين 13 و18 ديسمبر 2022، الضوء على توطيد العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ومساهمة الفنون، ومن بينها السينما، في تعزيز الروابط الثقافية بين الدول.
وذكر بلاغ لرئيس مهرجان السينما والهجرة إدريس مبارك، أن “تكريم الثقافة اليهودية في المغرب وتسليط الضوء على مساهمة الثقافة والسينما في الشراكة (بين الرباط وتل أبيب) هو أيضا وسيلة لخلق فضاء للحوار والوئام والتسامح بين الأجيال الحالية والصاعدة”.
وبهذه المناسبة، جرى تنظيم محاضرة، بمشاركة مدير مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط ديفيد غوفرين كضيف شرف، تم خلالها تسليط الضوء على تنوع ومتانة هذه العلاقة، ومناقشة سبل تعزيز التبادل الثقافي بين البلدين.
وضمن فعاليات النسخة الثامنة عشرة من هذه التظاهرة الثقافية، جرى تنظيم معرضين فنيين من قبل بول دهان، مؤسس ومحافظ متحف الفن اليهودي المغربي ببروكسل.

وخلص بلاغ رئيس مهرجان السينما والهجرة إلى أن “أبناء الجالية اليهودية المغربية، هم اليوم أحد أعمدة الثقافة الإسرائيلية في المجال التلفزي والمسرح والأدب والأغنية والشعر والسينما”.
وفي المسار التطبيعي أيضا، عقدت لجنة الفيلم في الداخلة ومهرجان الرباط لسينما المؤلف، اجتماعا مع ممثلي وزارة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، في إطار الدورة الـ76 لمهرجان “كان” بفرنسا، من أجل تدارس سبل التعاون في المجال السينمائي.
وبحسب “وكالة المغرب العربي للأنباء”، 23 مايو/أيار 2023، أفاد بلاغ للجنة الفيلم بالداخلة بأنه جرى خلال هذا اللقاء، التأكيد على الدور الذي يضطلع به المغرب كبلد منفتح ومتعدد الثقافات، وكوجهة سينمائية جعلت كبرى الشركات العالمية للإنتاج السينمائي تختاره لتصوير الأفلام.
وأضاف البلاغ أنه جرى الاتفاق على فتح باب التعاون في المجال السينمائي، من أجل تبادل الخبرات والزيارات، والسعي إلى الإنتاج المشترك للأفلام، إضافة إلى الجانب المتعلق بالتكوين والمشاركة في المهرجانات السينمائية.
كما جرى الاتفاق على زيارة وفد سينمائي إسرائيلي، المغرب، من أجل التحضير لإنتاجات سينمائية مشتركة، خاصة تلك المتعلقة بالمكون الثقافي اليهودي في المملكة.
لوبي ضاغط
توقف الناقد الفني والسينمائي مصطفى الطالب عند محاولات أنصار إسرائيل من داخل الصناعة السينمائية في التأثير على عموم الفنانين فيما يخص قضية فلسطين.
وقال الطالب لـ “الاستقلال”، إن هذا الأثر الذي يتركه صناع السينما الموالون لإسرائيل، هو الذي يجعلنا نفهم عدم تكتل السينمائيين المغاربة في إطار معين للتعبير عن رفضهم لما يفعله جيش الاحتلال بغزة، وتضامنهم مع الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية.
ونبه المتحدث ذاته إلى أن بعض الأصوات الثقافية المغربية الفرنكفونية عدت ما فعلته المقاومة الفلسطينية من هجوم على مستوطنات غلاف غزة “إرهابا”، مرددين “ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إثر معركة طوفان الأقصى”.
وأردف الطالب: “لذلك جاءت التنديدات بالإجرام الصهيوني عبارة عن مبادرات فردية من هنا وهناك، من طرف بعض الفنانين والممثلين والسينمائيين، في حين هناك من لم يستطع التعبير عن مواقفه خوفا من الإقصاء والتهميش”.
وشدد الناقد الفني والسينمائي، أن الجرائم المرتكبة من قبل الاحتلال بغزة، جعلت التطبيع الثقافي والفني والسينمائي جريمة في حق الشعب الفلسطيني، وفي حق هؤلاء الأطفال والنساء الذين يستهدفهم القصف الصهيوني الهمجي.
وبين أن انخراط العديد من الفعاليات الثقافية والفنية والسينمائية الغربية في المهرجانات والمظاهرات التضامنية مع غزة، ودعوتها إلى قطع الصلة مع الكيان الصهيوني ومؤسساته الجامعية والثقافية، كان له وقع كبير على مسار التطبيع الثقافي والفني ببلادنا وبالوطن العربي ككل، رغم أنه لم يأخذ أشكالا نضالية واضحة إلى الآن بمنطقتنا العربية.
بدوره، توقف الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع عزيز هناوي، عند مسؤولية النخب المغربية في مواجهة هذا الاختراق الهدام، والمهدد لأفكار المجتمع وأسسه وثوابته.
وأردف هناوي لـ “الاستقلال” أن مسؤولية النخب الثقافية والسينمائية والإعلامية ثابتة لمواجهة هذا الخطر الدائم، بأن تشكل جبهة مقاومة للاختراق الصهيوني.
وشدد الناشط الحقوقي والسياسي، أن هذا الاختراق لا يسيء فقط لفلسطين، بل فيه خطر على المغرب نفسه.
فهو يهدد المجتمع المغربي وفسيفساءه، حيث يجرى عد المكون الصهيوني يهوديا أو العكس، ويصبح لا فرق بين اليهود المغاربة وبين الصهاينة.
ولأن هذا الأمر يهدد السردية الوطنية، دعا هناوي النخب الثقافية والسينمائية والفنية إلى التحرك، والانتقال من مربع الصمت والراحة، إلى الاشتباك الثقافي والفني والسينمائي، حفاظا على الوطن، ودفاعا عن القضية الفلسطينية العادلة.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى