تربية وتعليممجتمعمجرد رأي
خاطرة من قلب معلم مكلوم بعد التفرقيشة الأخيرة ليوم الاحد
بقلم : محمد صمري أبو ريحانة *
كلام موجه لمن يزايد على المعلمين الرسل ويتنطع على كرامتهم ويزقزق في قنوات الإعلام المأجورة تشفيا وشماتة…
اسمع جيدا ولا تجيب :
هل ركبت ظهر الحمار والبغل ودقت من رفسهما وركلهما.
هل ركبت البيكوب والسطافيط من الخلف بدون باش باكرا مع الابقار والعجول فتبولت وزبلت عليك.
هل طاردتك صاروفات الكلاب في المسارب والشعاب ونالت من تضاريس جسدك وحملوك إلى الفيلاج ليحقنك البيطري….
هل جلبت الماء من البئر بالدلو والركوة والسطل وأدرت الطورنيك فانفلت من بين يديك وفلغت راسك.
هل قطعت المسافات الطوال مشيا على الأقدام من أجل قرطاس شموع سيدي حجاج وعلبة سجائر كازا وصندوق للوقيد.
هل رضخت العقارب تحت وسادتك وطاردت الافاعي والحيات والعناكب والرتيلاء وعقارب الريح الصفراء من زوايا الخربة التي تسكن فيها.
هل تقاسمت يوما طعامك مع تلامذتك و جلبت لهم الدواء على حسابك.
هل أوقدت النار في الصباح الباكر لتدفئ اجسام تلاميذك المرتعشة.
هل عانيت من كيد المقدم والشيخ عند كل سوق أسبوعي
هل عانيت من انتظار المفتش لشهور من اجل نقطة تقربك من الهروب نحو مكان آخر .
هل ركبت jib الگرطيطة لرجال الدرك وقضيت ساعات طوال بالمركز الترابي وانت تدافع على شرف زميلة تحرش بها احد فراعنة الدوار في غز النهار.
هل قمت بتصبين ملابسك جانب حوض البئر ونشرتها على شوك البحيرة ونشرت معها حتى تجف.
هل كنت تكوي ملابسك ووزرتك بالمكراج الساخن كلما هممت بالسفر.
هل شاركت يوما في محاربة حمى المستنقعات بالدوار وفوجئت يوما انك مصاب بالملاريا …..
هل كنت قادرا على تحويل ظهرك إلى جسر يعبره التلاميذ للوصول إلى حجرة الدرس عندما تمطر وتتقطع السبل.
هل اشتريت يوما ايها المتنطع علما وطنيا من مالك وأعليته مرفرفا
فوق سقف الفرعية.
هل غرقت في الوحل والطمي حتى الصرة عند سقوط المطر وانت في طريقك إلى الفرعية.
هل حملت على كتفيك لمسافات طوال دراجتك بعد ان ابتلعت الوحي وتعطل محركها فحل الفتق ضيفا سريعا على بطنك.
هل كنت قادرا يوما على وصف مضاد حيوي دون خوف لفلاح
ومزارع مريض فنلت عطفه ورضاه بعد التشافي.
هل ذقت يوما من سطوة المخزن بكل تلاوينه وانت تناصر صغار الفلاحين ضد الحگرة وسرقة الأعلاف المدعمة…
هل ساهمت يوما من حوالتك المخرومة مع الجماعة لاستكمال بناء
المسجد وتأتيته وانت لا تصلي.
هل كنت قادرا يوما على رأب الصدع والرتق بين أفراد القبيلة الواحدة من تداعيات جروح الانتخابات.وتكون مؤثرا ومحبوبا وكلمتك مسموعة.
هل سبق لك ان حولت الجناح الخلفي للقسم غرفة للنوم تحت سقف يجود بقطرات باردة تخترق بطانيتك.
هل عانيت من صدمة زميل انتحر ذات صباح دون سابق إعلام
بعدان ضاقت به السبل في هذا الخلاء المترامي الفج وهو قادم من قلب الحاضرة والجامعة.
هل تستطيع ان تنام بسلام دون كوابيس وفرعيتك تجاور المقابر المنسية التي تشبه قبورها فزاعات مخيفة في واضحة النهار.
هل حرمت يوما من حضور جنازة صديق او حبيب قبل الدفن…
هل كنت تسمع دائما كلمة مسكوكة تعكس تجليات الحگرة (معلم مسكين( كلما مررت من جموع الدوار او الفيلاج.
هل ارتعدت وقفزت من مكانك وانت تسمع زعيق الكلاكسون بعد غياب طويل عن المدارات الحضرية.
هل رأيت يوما في ليلة مقمرة تزاوج الافاعي والحيات .
هل كنت يوما مجبرا على حضور طقوس المرفودة إلى ضريح أحد الاولياء حتى لا تنعث بالملحد والمتكبر…
هل كنت تدخل فراشك عند مغيب الشمس وحيدا في الفيافي .
هل كنت تستغيت برجال الدوار ليقتنوا لك قفة الاسبوع نيابة عنك.
هل حملت البطارية لمسافات مشيا على قدميك فهتك الماء القاطع ملابسك..
هل سقط الحنگور عدة مرات في صحن غدائك او گميلتك.
هل عانيت من مضايقات وقوالب فقيه الدوار .
هل اشتقت يوما للجريدة وكأس القهوة والحمام والجلوس مع الصاحبة.
هل كنت قادرا على تعلم مهارة حقن الأبر والامصال من كثرة مجالسة ممرض الدوار وعتق مرضى الدوار.
هل كنت قادرا على التحدث بكل ثقة في أمور الدين وانت ضيف في وليمة بالدوار.
هل قطعت المسافات لتسأل مقدم الدوار عن رسالة جاءت من الأحباء قد تضيع في قب جلبابه في زمن لا هاتف فيه .
هل حملوك ذات يوم على ظهر حمار ليوصلوك إلى الطرق المنجورة قصد زيارة الطبيب.
هل عانيت من تحرشات مستشاري الجماعات القروية الذين يبيضون وجوههم على حسابك ظلما مع القائد والخليفة.
هل كنت تتغوط لسنين في الحر والبرد في الخلاء حيث لا مراحيض ولا صنابير ولا كاغيظ رطب..
هل سبق ان حاصرك المطر والرعد والبرق في ارض خلاء حيث لا سقيفة ولا مضل ولاملاذ
هل رقعت باب ونوافد وسقف حجرتك الدراسية بالميكا والكونتر بلاكي في وجه الرياح والمطر .
هل تقدر ان تتحول في ايام معدودات إلى سكليس تجيد إصلاح أعطاب الطفطافة والدراجة ….
هل هتكوا حرمة حجرتك وأتلفت وسرقت كل محتويات قسمك .
هل كنت تتنقل لكلومترات مشيا على الأقدام لسحب حوالتك من الإدارة آخر كل شهر.
هل كنت تلجأ لأطوسطوب لساعات طوال على قارعة الطريق لساعات طوال تحت حر الشمس ولسع البرد ثم تعود أدراجك خائبا لفرعيتك.
هل تحملت قساوة العزلة في الفيافي لسنين طوال لا ماء ولا كهرباء سوى الشيح والريح… فقط صوت المذياع بموجات مشوشة .
هل كنت قادر على قراءة و فك طلاسم عقود البيوع والمخارجات
هل كنت تطلع على المذكرات في حينها …..
هل منعت من متابعة دراستك الجامعية ظلما في زمن لم تكن فيه ماستر تاع الله يستر …
هل كان حلمك ان تدخل المدار الحضري وتظفر بقسم في المدينة بعد نفي يفوق 18 سنة…
هل ذقت مرارة عقود الزواج البيضاء التي كانت قالبا يتسلل البعض
منه لدخول المدينة على حساب من يستحقون…
هل ….هل…..هل…تدخل سوق راسك وتدع المعلمين يحيون بسلام
تلك عذابات شيوخ رعيل الثمانينات الذين تقاعدوا بعد اربعين سنة من الكد ناضلوا زمن الجمر والرصاص وتحملوا الكثير من الويلات وخدموا النقابات بصدق وطهرانية نضالية ،وان تقاعدوا لازالت الغصة تعلو حناجرهم بعد ان غمطوا حقهم في التفرقيشة الأخيرة يوم الأحد الأسود…
فلا رجوع للأقسام صاغرين غاضبين ،اصبروا وصابروا وشمروا
وقاوموا غذر الرفاق وان النصر لقريب…
محمد صمري أبو ريحانة*