القرض الفرنسي الذي كشف المستور ( جريدة الايام تعيد تركيب الملف )
بقلم: الدكتور خالد الصمدي
لطالما سقط الكثيرون في حبال التيار الفرنكوفوني الذي روج بكثير من المكر والدهاء لتسمية القانون الإطار بأنه “قانون فرنسة التعليم” وذلك من أجل تهيئة الرأي العام لتحييده وتجميده، مع الاستمرار في التنزيل الفعلي لمشروع الفرنسة الذي بدأ في المدرسة المغربية مع إطلاق تجربة ما سمي بالباكالوريا الدولية سنة 2013 أي قبل صدور القانون الإطار بست سنوات ، هذه الباكالوريا التي لم تكن إلا بوابة لتدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية، حيث بدأت خيارا ثم اصبحت إجبارا، الى يوم الناس هذا ،
جريدة الايام تعيد تركيب الملف وتضعه في سياقه لتؤكد مرة أخرى بالنصوص وبالارقام أن الهندسة اللغوية المطبقة في المنظومة التربوية المغربية والتي تفرض تدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية هي خارج القانون الإطار ومخالفة لمقتضياته ، وأن هذا الوضع الغير مؤطر بالقانون ادى الى نتائج كارثية في الرفع غير المسبوق من نسبة الهدر المدرسي في الاعدادي ، وهذا جعل عددا من الفاعلين يدقون ناقوس الخطر ،
وقد ابرز هذا المسار بوضوح أن سردية “قانون فرنسة التعليم” التي روج لها إعلاميا لم تكن إلا فخا سقط فيه الكثيرون لتحييد القانون الإطار وتهييء النفوس لتجاوزه وتجميده ، وهو ما حصل بالفعل ولا يزال مستمرا الى الآن ،
ومرد هذا التجميد إلى كون هذا القانون جاء بمقتضيات واضحة في قضايا الهوية والانتماء التي تميز المنظومة التربوية المغربية ، وجاء بهندسة لغوية تقطع مع الأحادية اللغوية وتضع اللغات الوطنية واللغات الأجنبية في تدريس المواد العلمية والتقنية في مسار متوازن ، يضمن استقلالية القرار التربوي المغربي عن الهيمنة الفرنسية، مع إجراءات للتنزيل التدريجي لهذه الهندسة المتوازنة التي تعتبر أن اللغة العربية هي اللغة الاساس للتدريس مع الانفتاح الموزون على اللغات الأجنبية الاكثر تداولا في العالم طبقا لما ينص عليه الدستور ، وهو ما خيب آمال التيار الفرنكوفوني الذي كان يرغب إبان مناقشة القانون في تنصيصه صراحة على اللغة الفرنسية بعينها، فلم يفلح في ذلك حيث جاء نص القانون خاليا من هذا المقتضى بإطلاق ،
هذه القضايا جعلت التيار الفرنسي لا ينظر بعين الرضا الى هذا القانون , فقرر الدفع بكل الوسائل الممكنة في اتجاه تجميده وتجاوزه، مع فسح المجال للاستمرار في فرض هندسة لغوية وصفها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بنفسه بأنها خارج القانون وخارج النصوص القانونية الرسمية، فلما ظهرت مؤشرات فشل المشروع بوضوح بعد عشر سنوات من تطبيقه وارتفعت دعاوى مراجعة المسار والعودة بالموضوع الى جادة القانون ، خشي التيار الفرنكوفوني من طرح سؤال اللغة من جديد بحس وطني مغربي خالص فجاء القرض الفرنسي ليشكل طوق نجاة لانقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا المسار الفاشل مع الحرص ما أمكن على استدامة هذا الوضع النشار في ظل تجميد مرسوم الهندسة اللغوية، لانه يعلم انه إذا صدر هذا المرسوم طبقا للقانون فسيكون ذلك ضربة قاضية لمشروع الفرنسة المفروض برمته ،
لذلك نعتقد أن هذا القرض هو مؤشر واضح على أن مرسوم الهندسة اللغوية لن يخرج الى حيز الوجود حالا ولا مآلا على الاقل في ظل هذه الحكومة، وأن قدر المغاربة أن يقبلوا بالامر الواقع وتجاوز اول قانون لاصلاح التعليم في تاريخ المغرب ، إلى حين الانتهاء من إرجاع هذا القرض إلى أهله ، ولتذهب كل جهود إصلاح المدرسة المغربية الى الجحيم ، ما لم تكن هناك أصوات للعقلاء تعيد المنظومة إلى جادة القانون إنقاذا لابناء المغاربة وتقطع مع العبث الذي سماه جلالة الملك ” دوامة الإصلاح وإصلاح الإصلاح “