الواجهةمجرد رأي

عزمي بشارة: احتجاجات جامعات أميركا من إنجازات الصمود الفلسطيني.

 

أجرى المفكر العربي المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عزمي بشارة، مقابلة مع التلفزيون العربي، تناول فيها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بالقراءة والتحليل. وانقسم اللقاء إلى 3 محاور، الأول: تناول مفاوضات صفقة التبادل وعملية رفح على وقع جدل أميركي وإسرائيلي، والثاني: تصورات ما يسمى “اليوم التالي”، والثالث: احتجاجات طلبة الجامعات وتهم معاداة السامية.
وانطلق بشارة في مقابلته، من ناحية “تعثر مفاوضات صفقة التبادل”، واقتحام جيش الاحتلال مدينة رفح. مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة كانت تعلم عن نية إسرائيل الدخول إلى رفح يوم الثلاثاء. أمّا بالنسبة إلى المفاوضات، فقد أوضح أنه “لم يكن لها أي أساس نتيجة عدم وجود تفاهم على وقف إطلاق النار في قطاع غزة والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي منه”، مشيرًا إلى أن إسرائيل ترفض وقف إطلاق النار.
عزمي بشارة: لن يكون هناك يوم تالي في غزة لا توجد فيه مقاومة
وقال بشارة، إن الخلاف “من الصعب جسره، ويتم جسره بصياغات لغوية، ولكن يعود الاختلاف على تفسيرها”. مضيفًا: “حماس تقول إنها تتفاهم مع جميع الفصائل على وقف إطلاق النار، وبعد ما مرت به غزة شعبها، لن يقبلوا بأقل من وقف إطلاق النار، والمجتمع الفلسطيني لن يقبل بأقل من وقف إطلاق نار”. في المقابل، قال بشارة إن “إسرائيل تقول إنها لم تنهي المهمة، أي مهمة القضاء على حماس، أي تشير إلى أنها تقبل بتحرير الأسرى وبعض التراجع والانسحاب، لكنها تريد استمرار الحرب”.
وأوضح بشارة أنه في يوم الثلاثاء “تم التوصل إلى شيء شبيه في ورقة باريس المكونة من ثلاثة مراحل، مع عدم وجود خلاف حقيقي على مفتاح التبادل، وحماس أصرت على الانتقال بشكلٍ فوري بين المراحل”. مؤكدًا على أن ما قُدم “مرونة من حركة حماس، لكن إسرائيل لا تريد وقف إطلاق النار. نتنياهو يقول علنًا: نريد تحرير الأسرى والقضاء على حماس، وطبعًا هناك تناقض بين الأمرين، ولكن هذا ما يعلنه، وهو يرهن عملية القضاء على حماس باحتلال رفح، ويجب أن نأخذ بجدية مسألة احتلال رفح، إذ يوجد نقاش في إسرائيل حول كيفية دخول رفح وليس على دخولها من عدمه. إذًا كيف يحصل اتفاق في هذه الظروف؟”.
وتابع بشارة أن الأساس للتفاوض الآن، هو “أساس سياسي حول كسب الرأي العام، فالمقاومة مرنة وتريد وقف إطلاق النار، بينما إسرائيل تريد هدنة مؤقتة وبعدها تواصل الحرب، بعد أخذ أسرها. لكن الإجماع الفلسطيني، كله يريد وقف إطلاق النار، وليس أقل من ذلك”.
أمّا حول حركة الاحتجاج في إسرائيل، فقد قال بشارة إنّه “يوجد تجذر أكثر لمطالب حركة الاحتجاج في إسرائيل، بمعنى أنها أصبحت تهتف بوقف إطلاق النار، وتتهم نتنياهو بعدم الاكتراث في حياة الأسرى، وربما هناك عناصر من حركة الاحتجاج السابقة التي كانت قائمة قبل الحرب دخلت الآن، وسيتبين حجم هذا الاحتجاج بعد نهاية الحرب دون تحرير الأسرى، أو بعد دخول رفح دون تحرير الأسرى أو عندما يجدهم موتى، وبعد دخول رفح ستكون الفضيحة الكبرى”.
وعن رهان نتنياهو، أوضح بشارة أن “الرهان الرئيسي له هو إطالة زمن الحرب لكي يبقى، وكما أنه يؤمن بأنه في الإمكان الانتهاء من إدارة حماس لغزة، ويريد أن يعلن بعد رفح، أن إمكانية عودة حماس إلى حكم غزة انتهت، والآن نتفاوض مع الأطراف التي يمكن أن تحكم غزة، ويعتقد أن هذا ممكن، كيف؟ بالقصف. ولكن من سلوك حركة المقاومة تنتظره مفاجآت وهم مستعدون للمعركة بوصفها معركة فاصلة”.
ولفت بشارة النظر إلى أن فصائل المقاومة عادت إلى مناطق كثيرة في قطاع غزة بقوتها مثلما حصل في حي الزيتون، وفي أحيان أكثر لا يفعلونها ويريدون الاحتفاظ بقوتهم لـ”اليوم التالي”، وهذا لا يلتقطه نتنياهو، و”لن يكن هناك يوم تالي لا توجد فيه مقاومة على ما يبدو”.
وواصل صاحب كتاب “فلسطين: مسائل في الحقيقة والعدل”، الحديث عن عملية رفح وما وصف بـ”الخط الأحمر الأميركي والحديث عن الخلاف بين بايدن ونتنياهو”، قائلاً إنّ هناك خلاف حقيقي بين بايدن ونتنياهو، ولكن على الأدوات. موضحًا أن “حلفاء إسرائيل وعلى رأسهم الولايات المتحدة يشعرون بالحرج من أمرين: طول الحرب ومن عدم قدرة إسرائيل على القضاء على المقاومة، وهذا العدد من الضحايا المدنيين والجرائم المرتكبة التي باتت محرجة، وهذا الأمر الرئيسي. هم يتفقون مع إسرائيل، أي بايدن وإدارته، على هدف القضاء على حماس، بالمعنى الذي يعبرون عنه على اعتبار عدم قدرة حماس على العودة إلى إدارة غزة وتشكيل تهديدات أمنية. لكن رغم الاتفاق على الهدف، يريدون تحقيقه بما لا يحرجهم خارجيًا، والآن أصبح داخليًا، والرأي العام الداخلي في الولايات المتحدة أصبح مُحرجًا، خاصةً أنه من معسكر الحزب الديمقراطي، والخلاف حقيقي بهذا المعنى”.
وفي نفس النقطة، تابع بشارة: “يتفقون على أن دخول رفح لا بد منه للإعلان عن القضاء على حماس، ولكن من ناحية ثانية يريدون أن يدخلوا رفح بدون حجم الفضائح الذي حصل حتى الآن، ويتوقعون حدوث فظائع أكثر، نتيجة حجم السكان، ولذلك يحرصون على ما يسمونه خطوط حمراء، ولكن لا يوجد تغير حقيقي في الدعم والمساندة بالمال والسلاح والأهم بالمساندة السياسية”.
أمّا عن تصريح بايدن بتعليق إرسال بعض القنابل إلى إسرائيل، وضح بشارة هذه المسألة بقوله: “تصريح بايدن انتخابي، ولكن نتحدث عن قنابل تزن 2000 طن، وهي فضيحة كبرى، إذ لن يصدق أحد في الدنيا إلقاء هذه القنابل على منطقة مكتظة دون أن تؤذي مدنيين”.
ووصف بشارة رد الفعل الإسرائيلي، بالقول إنّ “هناك فجورًا في التصريحات الإسرائيلية مقابل حرمانهم من الحصول على قنبلة تزن 2000 طن أمام منطقة مثل رفح تكتظ بالسكان. الأسلوب الإسرائيلي أسلوب معروف لدينا من البكائيات المستمرة، وفيه ليس فقط نكران للجميل ولكن نوع من الردح ولعب دور الضحية في كل الأحوال ومهما كان، وفي هذه الأحوال ضد أهم صديق لديهم والذي لم يكن من الممكن الاستمرار بدونه في الحرب أكثر من شهر، وهو بايدن، وتعاملهم معه بهذه الطريقة يقول كل شيء عنهم وعن نكران الجميل من قبل حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل”.
ولفت بشارة النظر، إلى أن تصريحات بايدن تشير إلى تعليق إرسال القنابل، وهذا لن يمنع إسرائيل من الاستمرار في الحرب، لأن بقية الأسلحة متوفرة لديهم والدعم الأميركي مستمر.
وبالعودة إلى المفاوضات، وزيارات مدير المخابرات الأميركية للمنطقة، قال بشارة: “لا تستطيع أن توفق بين من يرفض وقف إطلاق النار بأي ثمن وهذا بالنسبة له خط أحمر، ومن يعتبر إطلاق النار خط أحمر، ولا يستطيع العودة بدون وقفه”، مشيرًا إلى أن “الشيء الوحيد الذي كان ممكنًا، وعبر عنه طرف في الولايات المتحدة، هو الاعتقاد بإمكانية التوصل إلى وقف إطلاق النار ولكن تدريجيًا، بحيث تكون هدن طويلة إلى درجة يصعب بعدها العودة إلى إطلاق النار، وهذا الطرف ربما يمثله وليام بيرنز أو جو بايدن نفسه، إذ في بعض المحادثات مع قادة الدول كان يتحدث عن صعوبة العودة إلى إطلاق النار بعد الهدن، ومن ثم يُخلق مزاج عالمي يُصعب العودة إلى إطلاق النار، وإذا كان يوجد صيغة وسط هي هذه، أي إسرائيل لا تعد بوقف إطلاق النار، ولكن الولايات المتحدة تؤكد ولا تعد بصعوبة العودة إلى إطلاق النار”.
وعودة إلى موقف حركة حماس، قال المفكر العربي إنه”بالنسبة إلى حماس، هذا غير كاف وتريد ضمانات ولا أحد يريد تقديم هذه الضمانات، وحاولت حماس بسبب ذلك إدخال صياغات للنص، كلها تشي أن التهدئة تعني وقف إطلاق نار دائم، فيما كانت إسرائيل ترفض هذه الصياغات، وإسرائيل لم تتح المجال لمن يفكر بهذه الطريقة في الولايات المتحدة أن يُعبر عنه في الصياغة، ولا تريد أي صيغة يمكن تفسيرها أن وقف إطلاق النار”، مشيرًا إلى أنه “يجري التفاوض على كل الأمور الأخرى ويتم التوصل إلى تسويات، وتبقى هذه العقدة ويفشل كل شيء. والهدف الآن إلّا يظهر أي أحد أنه لا يريد التفاوض”.
وأكد بشارة على أن “إسرائيل واضحة في هذا الأمر، بل هي تصعد أثناء المفاوضات وتقصف أكثر، ولا تظهر أي حسن نية”.
“اليوم التالي” وإفلاس إسرائيل
وعن النقاش المستمر عن “اليوم التالي”، قال بشارة إنّ “7 أكتوبر صدمهم، وخرجت إسرائيل للحرب بناءً على اعتبارات عدة، مثل استعادة هيبة الردع واستعادة توازن المجتمع وضمان عدم تكرار 7 تشرين الأول/أكتوبر، وتحرير الأسرى والقضاء على المقاومة وجعل غزة غير قابلة للحياة. واستغلوا الحرب لفعل أمور أخرى في الضفة الغربية مثل توسيع الاستيطان والتخلص من بؤر المقاومة في مخيمات الضفة وتهجير عدة مناطق، ومراجعة العلاقة مع عرب الداخل”.
وأضاف أن كل ما فعلته إسرائيل كان “من دون خطة لـ’اليوم التالي’ أو ’استراتيجية للخروج’ باللغة العسكرية، ويطرحون كلام عن وجود قوة فلسطينية محلية بالتعاون مع قوة دولية، ومرة راهنوا على العشائر -رغم أنها لا تشكل قوة فعلية-، أو قوى محلية أخرى مثل أجهزة أمن سابقة وبالتعاون مع دولة عربية أو قوى دولية”، مضيفًا: “كل هذا كلام نظري، ولا يوجد أي أساس واضح له حتى الآن، أي لو تركوا غزة الآن، سوف تستلمها حماس، القوة المنظمة على الأرض ما زالت حركة حماس وفصائل المقاومة، لا أقول لا توجد قوى أخرى، ولكنها غير قادرة على إدارة القطاع”.
وعن سلوك الأميركي في هذا السياق، أشار إلى قيام واشنطن بـ”إشغال 6 دول عربية لإعداد تصورات لكيفية الوصول إلى حل الدولتين، واجتمعت 6 دول عربية وقاموا بإعداد الأوراق، وبعد نهاية هذه الاجتماعات رفض بلينكن كل هذه التصورات، واعتبر كل ما كتب غير مقبول، والواضح أن الولايات المتحدة لا تريد شيء”، مشيرًا إلى أن بلينكن قال إن هذه سنة انتخابات وليس لدينا بديل، ووصف سلوك أميركا بـ”الفوضى والتخبط الحقيقي، ووصل إلى درجة أن رئيس حكومة إسرائيل يقول إنه سوف نسلم معبر رفح إلى شركة، وليس صدفة أنه في يوم احتلال رفح أعلن عن إنجاز الميناء الأميركي”.
وأوضح بشارة أن “الولايات المتحدة لا تمتلك أي تصور حقيقي، أمّا الكارثة في الجهة المقابلة هي عدم وجود من يستغل انعدام وجود تصور، وإن كانت دول عربية راغبة بالانخراط والدخول إلى غزة، ولكنها لا تستطيع الدخول وحركة حماس بهذه الحالة، أو لا تجرؤ على إعلان المشاركة في إدارة قطاع غزة على دبابة إسرائيلية بعد قضاء إسرائيل على حماس”.
وأكد على أنه لا يوجد أي تصور لـ”اليوم التالي” سوى كلام “من نوع ما قاله مستشار الأمن القومي الإسرائيلي هنغبي”.
في السياق نفسه، استمر في القول: “لا يوجد في المقابل طرف فلسطيني واحد يقول نحن القادرون على إدارة الضفة وقطاع غزة وهذا تصورنا والعالم يجب أن يقبله، لأن هذا يتطلب وحدة وطنية، ويوجد فراغ سياسي [من إسرائيل وأميركا]، ولا يوجد طرف فلسطيني يقول أفلستم، ويوجد حدود لسياسات القوى والحرب وسيكون عليكم العودة للشعب الفلسطيني، ونحن الشعب ولدينا قيادة موحدة من كافة الفصائل وهذا تصورنا، وهذا ما هو ناقض الآن واستغرب أنه لا يحصل. السلطة تشارك في اجتماع السداسية ويعتقدون بأن الأمر يحل بالورق وهم ليس كذلك، لأنه في النهاية هناك موازين قوى”. وواصل القول: “نظرتي، من ناحية هناك إفلاس إسرائيلي، ومن ناحية أوضاعنا العربية والفلسطينية متشائمة”.
وعودة إلى الموقف الإسرائيلي، قال صاحب كتاب “من يهودية الدولة حتى شارون: دراسة في تناقض الديمقراطية الإسرائيلية”، مفككًا كلام مستشار الأمن القومي الإسرائيلي عن “اليوم التالي” والحديث عن “وجود بديل لحماس يتكون من قوات محلية وأجنبية”، إن “كلام هنغبي، الذي جعله مشروطًا بالقضاء على حماس، يعني أن الجيش الإسرائيلي يكون في قطاع غزة، في مكان ما أو أماكن متعددة وجاهز للاقتحام لضرب جيوب المقاومة وهذا يعني حرب عصابات مديدة من تحت وفوق الأنقاض، وهو احتلال أو يعني صيغة أخرى من صيغ الاحتلال، لكن من سيقبل أن يأتي من الخارج بهذه الظروف إلى غزة”.
وتابع المفكر العربي: “قد تقبل المقاومة إلّا تكون في إدارة قطاع غزة، والمقاومة تدرك أنها لا تستطيع أن تدير الخراب في ظل الحصار، ومن ممكن أن تقبل في حكومة أخرى توافق عليها، ولكن ليس حكومة تفرض عليها، وأي حكومة تفرض من الخارج أو محاولة كهذه ستفشل، وسيكون خراب مديد، وهذا سيفشل التصور الإسرائيلي عن الأمن والحديث عن عدم تكرار 7 تشرين الأول/أكتوبر”، مضيفًا أن “المقاومة ستكون جاهزة للقبول بحكومة أو إدارة تتفق عليها، ونعود هنا إلى مرجعية وحدة وطنية ضمن إطار برنامج يقود إلى دولة فلسطينية، ولا أفهم لماذا لا يقبل الأميركان بذلك، وهذا يشي بعدم وجود عقل سياسي استراتيجي، يوجد فقط إدارة أزمات يومية وسياسة بالمياومة، والمنطقي لمن يريد حل سياسي، أن يقبل بهذا الخيار الوحيد الممكن، والذي يحل القضية بتسوية عادلة”.
وتابع بشارة حول التسوية، قائلًا: “لا يوجد حركة تحرر وطني في التاريخ تنتصر عسكريًا، لكن الاستعمار الاستيطاني يصل إلى نتيجة أن التكلفة أصبحت غير ممكنة ويصل القمع إلى مداه وسياسة القوة لم تعد تنفع، إذ في كل يوم تزداد الحاجة إلى رفع منسوب القمع وصولًا إلى الإبادة ولا ينتهي الموضوع، وعندها يستنتجون أنه لا حل إلّا التفاوض والوصول إلى حل عادل”. مشيرًا إلى أن رابين وصل إلى هذا الاستنتاج بعد الانتفاضة الأولى، لكن لم يتخذ قرارات قاطعة بحل عادل، وحينها كانت الرغبة الإسرائيلية بالاعتراف في القيادة الفلسطينية دون الحل، أي “تحول الاعتراف بالقيادة إلى حل، وتأخذ هذه القيادة أعباء الاحتلال ولكن ليس حلًا عادلًا”.
وأعرب المفكر العربي عن اعتقاده أنه “بعد غزة، لا يوجد خيار، ماذا ستفعل إسرائيل أكثر مما فعلت في غزة؟ يجب أن تحل القضية. أمّا ما هو ناقص هو طرف يجعل أي شيء آخر مستحيل، أي طرف فلسطيني موحد لا يمكنهم من أي خيار آخر سوى الحل العادل”.
انتفاضة الجامعات
وعن انتفاضة الجامعات الأميركية والتي انتشرت في العالم، قال بشارة إن”ما يحصل مهم جدًا ومفصلي، ويكاد يكون الإنجاز الثاني للصمود الفلسطيني بعد إحباط عملية تهميش قضية فلسطين بالتطبيع وغيره”. مضيفًا: “في حالة الشباب والجامعات، الأمر ليس جديدًا كليًا وأشرت إلى هذا الأمر في كتاب ’فلسطين: مسائل في الحقيقة والعدل’، هناك جيل ما بعد الحرب الباردة المتحرر من الأيديولوجيات ويحكم على قضايا الشأن العام من منظور أخلاقي وفي هذا الجيل يوجد تعاطف مع قضية فلسطين ونفور من إسرائيل، تحديدًا نتيجة فترة ترامب والتحالف مع نتنياهو، وحتى في أوساط الشباب اليهود. لكن هناك قفزة حصلت بعد تشرين الأول/أكتوبر، وهي قفزة مهمة بالتأكيد، ولم نشهد منذ النكبة هذا التفاعل مع قضية فلسطين من قبل جامعات النخبة، وهو أمر جوهري لأن هؤلاء قادة في المستقبل، وطبقيًا لهم تأثير على النخب والبلدان التي وصلوا منها، وهناك نواة صلبة من أبناء المهاجرين الفلسطينيين في الولايات المتحدة، ويعلبون دورًا هامًا لأن القضية ليست أخلاقية لهم فقط بل هي قضية هوية”.
وفرق بشارة بين حراك الجامعات الحالي والحراك أثناء حرب فيتنام، قائلًا: “الحراك ضد حرب فيتنام كان فيه مصلحة ذاتية، وفي هذه الحالة هو تضامن مع شعب آخر ولا يوجد ضرر مباشر مما يجري في غزة. دولتهم مشاركة بشكلٍ حقيقي، وبالإضافة إلى القضية الأخلاقية هناك مسؤولية مواطنية، أي أين تذهب ضرائب بلادهم وكيف تشارك في جريمة الإبادة الجماعية”.
وأضاف أن”ما يجري مهم سياسًا وأخلاقيًا ويجب تشجيع الطلبة على التوسع وليس الانغلاق، وهذه فرصة للتأثير على الرأي العام الأميركي على المدى بعيد”، مشيرًا إلى أهمية الولايات المتحدة والدول الغربية بالنسبة إلى إسرائيل، إذ “لم تتمكن من خوض حرب بهذا الحجم، ولا تستطيع الاستمرار لأسبوع واحد بدون الولايات المتحدة، وعلاقتها مع الولايات المتحدة مصيرية، ولذلك التأثير على الرأي العام في أميركا حاسم، بعد المقاومة والصمود”.
ونوه بشارة إلى ضرورة وجود لغة عدالة من المقاومة الفلسطينية، تعرف كيفية مخاطبة الرأي العام الأميركي. مشيرًا إلى أن المقاومة الفلسطينية، تتخذ طابع حركة تحرر بشكلٍ أكبر وهي مقاومة وطنية ولكنها خطابها بدء على الأقل وما زال خطابًا دينيًا، داعيًا إلى ضرورة “معرفة كيفية مخاطبة هؤلاء الطلبة، وسر قضية فلسطين هو كونها قضية عادلة وقضية تحرر وطني، ولهذا يجب الاهتمام ورعاية هذه الحركات ودفعها للانتشار من أجل زيادة التأثير على المجتمع الأميركي”.
وذكر بشارة في الإمكانية الهائلة التي تنطوي عليها حركات الطلاب، مثل حركة الطلاب في عام 1968 في فرنسا والولايات المتحدة وحركة السلام في السبعينات، التي تمكنت من تغيير ثقافة المجتمعات الأميركية تمامًا، وانعكست بشكلٍ كبير على المجتمع، والآن يظهر ذلك في معركة حقيقية على حرية التعبير والتحرر الوطني وتأثير هذه الحركات أكبر مما نراه، لأنها تنعكس على الخطاب واللغة والوعي، ولهذا اليمين الأميركي مرعوب من ارتباط هذا التحرر الفردي والجماعي في قضية فلسطيني و”يثير جنونهم”، كما أن إسرائيل قلقة جدًا مما يجري على مستوى الجامعات.
وأشار بشارة إلى سلمية حراك طلبة الجامعات في أميركا، وقارنه في حملة “حياة السود مهمة”، وقال إنه أكثر سلمية من الحراك ضد حرب فيتنام، وفي هذه الحالة يتم استفزاز حراك الطلبة من قبل أنصار إسرائيل أو الصهاينة من أجل إحداث صدام وعنف.
وحول انعكاس الحراك، نوه إلى إمكانية أن نرى تأثير حراك الجامعات الأميركية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما أن بايدن بدأ يظهر الخشية منه ويشعر بالتهديد.
معاداة السامية والإزاحة
وقال بشارة إن تهمة معاداة السامية أصبحت وسيلة للإزاحة، من أجل احتكار دور الضحية وتغيير الموضوع القائم، موضحًا: “مجرد استخدام كلمة إبادة، تتهم بمعاداة السامية، لأن هذا بالنسبة لهم يعني تجريد إسرائيل من صفة الضحية”، ووصف ذلك بـ”الإرهاب الفكري” وضرورة الرد عليه والمجادلة بأن هذا ليس عداء للسامية، بل محاولة “ربط اليهود بإسرائيل هو معاداة السامية الفعلية”.
ونوه بشارة إلى أن معاداة السامية “عنصرية قبيحة، وكانت نتيجتها المحرقة النازية”، مقدمًا شرحًا وافيًا لظهور الظاهرة، من ناحية اجتماعية واقتصادية وسياسية بغطاء ديني في أوروبا، وكيف تبلورت في وقت لاحق بناءً على “نظرية الأعراق”، وهي نظرية سقطت علميًا.
وتابع بشارة، الذي قدم محاضرة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حول “تهمة العداء للسامية واستخدمها”، قائلًا: ” بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبح هناك نفور دولي من العداء للسامية، وأصبحت هي العنصرية الوحيدة التي يحاسب عليها قانونيًا في الغرب”، مضيفًا: “أكثر عنصرية مرفوضة ومحاربة ويوجد عليها إجماع في الغرب، هي العنصرية ضد اليهود”.
وعن استدخال الصهاينة لمعاداة السامية في نقد إسرائيل، قال: “هي محاولة سياسية أيديولوجية بائسة لإخضاع هذا المفهوم لمصلحة إسرائيل”. في هذا السياق، لفت بشارة النظر إلى تعريف “التحالف الدولي لتذكر المحرقة”، والذي كان تعريفًا مقبولًا لكن نشطاء صهاينة وضعوا 11 مثالًا ضمن التعريف، كلها تتعلق في نقد إسرائيل، وأصبحت كلها تتعلق في معاداة السامية، ووصف ذلك بـ”التزوير والأمر غير المعقول”.
قال عزمي بشارة: هناك خلاف حقيقي بين بايدن ونتنياهو، ولكن على الأدوات. موضحًا أن “حلفاء إسرائيل وعلى رأسهم الولايات المتحدة يشعرون بالحرج”
وحول التهديد الإسرائيلي للمحكمة الجنائية الدولية وإمكانية توجيه اتهام للمستوى السياسي في إسرائيل، قال إن الهجوم الإسرائيلي هدفه دفن أي محاولة من المحكمة للتحرك في المهد”.
وفصل بشارة الفرق بين المحققين في المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام للمحكمة كريم خان، مشيرًا إلى أن فريق المحكمة هو قانوني ويهتم بحقوق الإنسان، لكن خان لديه حساباته ويتعرض للضغوط السياسية.
وختم بشارة حديثه، بتناول أهمية ما نتج عن التهديد الإسرائيلي ضد المحكمة وتصريحات نتنياهو ضد حراك الجامعات، موضحًا أن “إسرائيل في الماضي لم تكن في حاجة إلى هذا كله، كانت مهيمنة في الرأي العام الغربي بدون استخدام القوة، والآن يحتاجون إلى الشرطة وتهمة معاداة السامية والتهديد وقمع حرية التعبير وتهديد المحكمة الجنائية الدولية. ومجرد الحاجة إلى استخدام عناصر القمع في الديمقراطيات لكي يفرضوا خطابهم هذا دليل ضعف”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى