مجرد رأي

الاحتلال يوسع دائرة التصعيد… وإيران توسع دائرة الغموض

الاحتلال يوسع دائرة التصعيد… وإيران توسع دائرة الغموض
===
لئن كان اغتيال القائد إسماعيل هنية في طهران ضربة مؤلمة للمقاومة، إلا أنها دأبت على تقديم قادتها فداء للقضية، فلم يمنعها ذلك من استئناف مسيرتها، لكن الحدث كان اغتيالا للسيادة والهيبة والسمعة الأمنية للجمهورية الإيرانية.

وضع الحدث قدرة إيران على الرد على المحك، وبات الجميع يترقب الرد الإيراني الذي يفترض أن يكون بمستوى الحدث، حتى وإن أتى ضمن قواعد الاشتباك المعروفة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي التي تمنع التصعيد إلى درجة الحرب.

غموض الموقف حول طول أمد تأجيل الرد الإيراني، أثار العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت طهران تقوم بعملية تخدير للاحتلال قبل أن تقوم بالرد المفاجئ، أم أنها تماطل في الرد تجنبا للتصعيد والانجرار إلى حرب إقليمية.

لكن هذا الغموض اتسعت رقعته بعد التصعيد الإسرائيلي بالغارات المتكررة على بيروت وتفجيرات أجهزة النداء والأجهزة اللاسلكية لعناصر حزب الله، واغتيال كبار قادة الحزب، وتسديد ضربات موجعة لقوة الرضوان التي توصف بأنها العمود الفقري للحزب ورأس حربته.

اتسعت دائرة الغموض حول الموقف الإيراني بعد هذا التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله، حيث أن الحزب هو جزء أساس في الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، وأقوى أذرع طهران وأقوى أوراقها في التفاوض مع الغرب، ومع ذلك كان موقفها باهتا حيال هذا التصعيد، ما فتح باب التكهنات حول ما إذا كانت إيران قد تخلت عن حزب الله من أجل التفاوض بشأن برنامجها النووي.

على الرغم من ذهاب العديد من التحليلات في هذا الاتجاه، إلا أنه مشوبٌ من حيث معايير الربح والخسارة، إذ سوف يؤدي تخلي إيران عن حزب الله، إلى تبديد ما يعرف بمحور المقاومة، وفقدان طهران لأذرعها وما يترتب عليه من ضعف نفوذها في المنطقة، إضافة إلى خسارة أوراق تفاوضية مع الولايات المتحدة، ومع ذلك فالمقابل (إحراز تقدم في الملف النووي) محفوف بمخاطر التقلبات السياسية، فليس هناك ضمانات دائمة في هذا الشأن، وما قد تجنيه إيران اليوم في ملفها النووي قد تخسره بعد عام، أو عدة أعوام.

تصريح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأسبوع الفائت فاقم من الغموض حول الموقف الإيراني، حيث تضمن القول إن الأمريكيين إخوة للإيرانيين، وأن إيران لا تعادي الولايات المتحدة، وأكد أن بلاده التزمت ضبط النفس، بعد أن سعى الاحتلال عبر اغتيال هنية في طهران إلى جر إيران لحرب إقليمية. على الجانب الآخر، تجاوز نتنياهو الخطوط الحمر، وانتهك قواعد الاشتباك، ونقل ثقل الحرب إلى الشمال، وبات من المؤكد أنه يسعى لحرب مفتوحة مع حزب الله لتقويض قوة الحزب وإعادة عشرات الآلاف من المستوطنين إلى مستوطناتهم في الجليل الأعلى.

نتنياهو يبدو أنه ربح معركته في الداخل، فصوت المعارضة والشارع الإسرائيلي الناقم على حكومته، بسبب ملف الأسرى، بدأ في الخفوت وكأن رئيس الوزراء الإسرائيلي فرض الأمر الواقع، وأيقن الجميع أنه ذاهب إلى أبعد مدى في التصعيد، من دون الاكتراث للتبعات والمخاطر، وكلما أطال نتنياهو أمد الحرب كان ذلك بمثابة طوق النجاة من المحاسبة في الداخل الإسرائيلي.

ليس لدى نتنياهو ما يخسره، وهو يثق تمام الثقة في الدعم الأمريكي حال نشوب حرب مفتوحة مع حزب الله، لذلك هو يضغط بقوة، وهذا الضغط بدوره يضع قدرات الحزب على المحك، فهل يتحمل الضربات ويكتفي بتوجيه ضربات ذات تأثير محدود، ضد أهداف إسرائيلية تحفظ ماء الوجه، أم يقوم بتوسيع دائرة الاستهداف لمرافق مدنية واقتصادية كبرى في تل أبيب، من شأنها أن تردع نتنياهو عن التصعيد؟ قطعا هذا الخيار الأخير لا يمكن أن يتم إلا بعد أن تسمح إيران التي تقود محور المقاومة.

ويتردد السؤال بصيغة أخرى: هل جاء التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله نتيجة الاطمئنان إلى خروج إيران من معادلة الرد؟

أكاد أجزم باستحالة أن تدخل إيران في حرب مفتوحة مع الكيان الإسرائيلي لأن هذا يعني أنها دخلت في حرب مع الولايات المتحدة والغرب، وإيران تدرك جيدا أن النتيجة سوف تكون محسومة لصالح خصومها، لفارق القوة، ولا يمكن لها التعويل على روسيا كمعادل، لأنها مشغولة في الحرب على البوابة الشرقية لأوروبا، ولا على الصين التي تنشغل بتجهيز مفاجآت لهذا العالم، وكلا الدولتين (روسيا والصين) تربطهما بإيران مصالح قوية، لكنها لا ترتقي لدرجة التخندق مع إيران ضد أمريكا وحلفائها، لأنه سوف يعني اندلاع حرب كونية ثالثة.

إذا وجدت إيران نفسها في مفاضلة بين المشروع والدولة، حتما ستختار الدولة وتفضل تقويض المشروع أو إرجاءه، وهذه حسابات منطقية جدا، لذلك ستظل إيران باقية على قواعد الاشتباك المتبعة، وتقوم بالرد من خلال الأذرع، أو بشكل مباشر، وبضربات محدودة لا توسع رقعة الصراع.

الأمر نفسه يتوقع حدوثه من الأذرع الإيرانية، والتي تمثل إيران رافدها الأوحد، وبالتالي سوف يتحمل حزب الله الضربات الإسرائيلية، ويقوم بالرد بما لا يجره إلى حرب شاملة. وفي الوقت نفسه لا يتوقع إقدام جيش الاحتلال على غزو بري للبنان، لأنه أكثر كلفة واستنزافا له، حيث إنه سيتعرض حينها لسيناريو مشابه لما يحدث من المقاومة في غزة، والتي تعتمد على الأنفاق وحرب العصابات.

لكن في حال الغزو البري وشن حرب إسرائيلية شاملة على الحزب، فسوف يكون مفترق طرق للعلاقة بين إيران وحزب الله، إما أن تتدخل، وهذا غير وارد للأسباب التي سقناها، وإما أن تظل على صمتها، وتتخلى عن محور المقاومة، وتترك الحزب يعمل منفردا ويفك ارتباطه بها، هذا ما تجيب عنه الأيام المقبلة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
===
إحسان الفقيه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى