الواجهةمجرد رأي

“نقد العقل الزنجي” للفيلسوف الكاميروني آشيل مبيمبي.

عبد الكريم الطرابلسي
يناقش هذا الكتاب القضايا المتعلقة بالعنصرية، تاريخ العبودية، وتأثير هذه العوامل على العقلية الأفريقية من منظور غربي. كما يتناول كيفية تحول “العقل الزنجي” إلى مفهوم استُخدم للإقصاء والتهميش في المجتمعات الرأسمالية. ومع ذلك، يشدد مبيمبي أيضًا على أن هذا العقل الزنجي يحمل هوية مميزة وقوة إبداعية تتجاوز الإقصاء وتحمل رمزًا للحياة والطاقة.
مقولة آشيل مبيمبي في كتابه “نقد العقل الزنجي” تمثل نقطة حاسمة في فهم العلاقة بين العنصرية والنظام المعرفي الغربي. يسلط مبيمبي الضوء على كيف أن التصورات الغربية للعقل الأفريقي (أو “العقل الزنجي”) قد جرى تشكيلها من خلال تاريخ طويل من القمع والاستغلال، بدءًا من تجارة العبيد عبر الأطلسي وصولاً إلى العولمة الحديثة. هذه التصورات لم تكن مجرد تهميش أو إقصاء للأفارقة، بل كانت تهدف إلى نزع إنسانيتهم وتحويلهم إلى أدوات اقتصادية وثقافية في خدمة النظام الرأسمالي.
### *أبعاد فلسفية:*
1. *العنصرية كمنظومة معرفية:*
مبيمبي يرى أن العنصرية ليست مجرد ظاهرة اجتماعية أو سلوك فردي، بل هي منظومة معرفية متجذرة في الفكر الغربي. هذه المنظومة قامت بتشكيل العقل الأفريقي على أنه عقل غير قادر على التفلسف أو المشاركة في التطور الحضاري. من هذا المنطلق، يعتبر الزنجي مجرد “آخر” مقارنةً بالعقل الأوروبي المتحضر، وهذا ما يرسخ التفاوت الثقافي والحضاري بين الشمال والجنوب.
2. *تحول الإنسان إلى صورة وسلعة:*
وفقًا لمبيمبي، أحد أبرز مظاهر الاستعمار هو تحويل الأفارقة إلى صور وسلع. البشرة السوداء أصبحت علامة على التفوق أو الانحطاط الثقافي، والإنسان الأفريقي بات مجرد “قبو حي لرأس المال”، أي مادة اقتصادية تُستغل دون اعتبار لذاته الإنسانية. هذا يشير إلى نزع الإنسانية وتحويل الجسد والعقل إلى أدوات اقتصادية، وهو ما يساهم في ديمومة الهيمنة الاستعمارية والرأسمالية.
3. *الزنوجة كهوية مقاومة:*
على الجانب الآخر، يطرح مبيمبي مفهوم “الزنوجة” كهوية إيجابية ورمز للمقاومة. الزنوجة ليست مجرد استسلام للواقع العنصري، بل هي تعبير عن الرغبة في الحياة والإبداع والقدرة على العيش في ظروف متعددة ومعقدة. الزنجي هنا يصبح رمزًا للطاقة المرنة والقادرة على تجاوز الإقصاء والتهميش.
### *نقد إنساني:*
1. *نزع الإنسانية والكرامة:*
أحد أكبر انتقادات هذه المقولة من منظور إنساني هو إصرار النظام الرأسمالي والاستعماري على نزع الإنسانية والكرامة من الأفراد بناءً على لون بشرتهم. هذا التصور يتجاهل حقوق الإنسان الأساسية ويختزل الفرد إلى مجرد عنصر اقتصادي أو ثقافي تابع للهيمنة الغربية.
2. *إعادة تعريف “العقل” و”التحضر”:*
المقولة تدعو إلى إعادة تعريف المفاهيم التقليدية للعقل والتحضر. العقل الزنجي ليس أقل قدرة على التفكير أو الفلسفة، ولكنه تم نزع الشرعية عنه من قبل نظام معرفي قائم على العنصرية. إعادة التفكير في هذه المفاهيم ضرورية من أجل بناء منظومة معرفية أكثر عدالة وإنسانية.
3. *الزنوجة كرمز للتعددية والتعايش:*
النقد الإنساني يشدد على أن الزنوجة كما يصورها مبيمبي ليست فقط هوية مقاومة، بل رمز للتعددية والتعايش. الزنوجة ليست قيدًا بل هي تعبير عن قدرة الإنسان على التكيف والإبداع والعيش في ظروف معقدة ومتعددة. هذا يمكن أن يكون درسًا عالميًا للبشرية في كيفية تجاوز الصراعات والتعامل مع التنوع البشري.
### *خاتمة:*
كتاب “نقد العقل الزنجي” يقدم رؤية فلسفية وإنسانية نقدية للتاريخ والمعرفة والعنصرية. من خلال تحليله للعنصرية كمنظومة معرفية وتحويل الإنسان إلى سلعة، يكشف مبيمبي عن التحديات التي تواجه الإنسانية في سعيها نحو العدالة والمساواة. وفي الوقت نفسه، يدعو إلى إعادة تعريف الهويات والمفاهيم التقليدية بطرق تعزز من قيمة الإنسان وتحتفي بالتنوع البشري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى