أخبار وطنيةالواجهة

لماذا تقدمت ماليزيا وتأخر المغرب ؟

أبو المجد عبد الجليل

    تتمثل المشكلة البحثية التي يدور حولها هذا المقال في معرفة سبب عدم تحقق الدولة التنموية في المغرب، في حين أن مؤشرات تحقق الدولة التنموية قد توافرت في الحالة الماليزية.

    واختيار نموذج ماليزيا ومقارنته مع المغرب لم يكن من باب الترف الفكري، بل تم طبقا للشروط التي يتطلبها البحث المقارن، والذي يشترط وجود قدر معين من التشابه والاختلاف بين البلدين موضوع المقارنة.

    وهكذا عند المقارنة بين النموذجين يلاحظ على المستوى الديني أن المغرب وماليزيا دولتين يجمعهما الدين الإسلامي والانتماء لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وعلى المستوى السياسي، فماليزيا ملكية دستورية فيدرالية والمغرب ملكية دستورية موحدة. وعلى المستوى الديمغرافي هناك نفس الكثافة السكانية تقريبا، إذ يصل تعداد السكان في ماليزيا إلى أكثر من 32 مليون نسمة سنة 2019، ويبلغ عدد سكان المغرب تقريبا 34 مليون نسمة، حسب إحصاء سنة 2014. فلماذا نجح نموذج الدولة التنموية في ماليزيا بينما لم يتحقق هذا النموذج التنموي في المغرب ؟

    هذا التساؤل طرحه غي سورمان Guy Sorman ، الكاتب والمحلل الليبرالي الفرنسي/الأمريكي في كتابه الشهير بعنوان “أبناء رفاعة الطهطاوي: مسلمون وحداثيون” وبحث عن الأسباب التي ساعدت البعض عن النمو والتطور كماليزيا، وعدم تمكن المغرب من التنمية.

    في البداية يؤكد غي سورمان في مؤلفه القيم أن الإسلام لا يمنع التنمية إذا ما فُهم على حقيقته. بل ويمكن القول إنه يحبذها ويشجع عليها. لماذا؟ لأن القرآن الكريم هو الكتاب المقدس الوحيد الذي يثني على الغني ولا يدينه، وذلك على عكس الإنجيل وكتب البوذية. ولأن النبي نفسه كان تاجرا بل ويشتغل عند امرأة غنية وعظيمة هي خديجة بنت خويلد. وبالتالي فالنجاح المادي في الإسلام هو دليل على الاصطفاء والاختيار من قبل الله. وهذا يشبه موقف اللاهوت البروتستانتي التقدمي كما درسه ماكس فيبر في أطروحته الشهيرة عن العلاقة بين اللاهوت الكالفيني والرأسمالية.

    بالنسبة للمعرب يتساءل غي سورمان في فصل خاص بعنوان لماذا المغرب فقير ؟ وبجيب غي سورمان أنه غداة الاستقلال في عام 1956، كان المغاربة فقراء ولكن لم يكونوا بؤساء. كانت الفوارق الاجتماعية أقل، وكانت الآمال كبيرة. بدأ الخبراء بانه يكفي أن تعهد مهمة تطوير، وتخطيط المغرب لدولة قوية وإضافة مساعدات غربية، ولابد ان يكون الازدهار، كما اعتقدوا، نتيجة حتمية. أربعون سنة فيما بعد، غدت الدولة بدينة، الخطط مهملة، المساعدات منفقة، ولكن النخبة القريبة من الحكم أصبحت أغنى، لاسيما بعد ما يعرف بمغربة الأراضي سنة 1973 .

    وعلى الرغم من أن المصادر الطبيعية لا تنقص المغرب، وبشكل خاص الفوسفاط، يبقى المغرب قليل التطور، دخل الفرد الشهري تضعه ضمن الشعوب الأكثر فقرا في العالم، نصف سكانه أميون.

    صحيح ان اقتصاد المغرب، حقق نجاحات خاصة في السنوات الأخيرة، فقد تمكنت المغرب، خلال العقدين الماضيين، من مضاعفة ناتجها الإجمالي من 41.6 مليار دولار عام 1999 إلى 121.4 مليار عام 2019 لتصبح بذلك القوة الاقتصادية الخامسة في إفريقيا، كما تحولت إلى واحدة من أكثر الدول جذبا للاستثمار في القارة السمراء.

    غير أن هذه النجاحات لم ير الكثير من المغاربة منها شيئا، فلا عائدات ولا فوائد مباشرة على حياتهم اليومية، فالمظاهر السلبية ما زالت منتشرة على غرار الفقر والبطالة، وخاصة عند فئة الشباب التي تعتبر أكبر الفئات في المجتمع المغربي.

    وهكذا نجح المغرب في جلب الاستثمارات وتطوير الاقتصاد لكنه فشل في تحقيق التنمية المنشودة، فالفقر زاد والتهميش ارتفع والفوارق البنيوية بين المدينة والبادية، المركز والهوامش، ازدادت حدتها وبلغت مستويات قياسية.

    ولعل المرتبة المتأخرة التي يحتلها المغرب على مستوى مؤشر التنمية الدولي، تؤكد ما ذهب إليه غي سورمان فالتقارير الدولية والوطنية تؤكد لتساع دائرة الفقر، واتساع الفجوة بين الطبقتين الاجتماعية الاقتصادية العليا والدنيا وتآكل الطبقة الوسطى، مما يشير إلى تفاوت طبقي كبير. ويبلغ مؤشر جيني للمغرب 40,9 في المئة، أي أنه يكاد أن تحسن منذ العام 1998. وهذا الرقم هو الأعلى في شمال أفريقيا (باستثناء ليبيا، الغارقة في وحول الحرب الأهلية)، تليه تونس ثم الجزائر ومصر.

    وقارن غي سورمان بين نجاح التجربة الماليزية والفشل الاقتصادي العربي –المغرب وغيره- وأكد أن سببه الاقطاعية في نلك المجتمعات وبأخطائها الاقتصادية أكثر من الاعتبارات الدينية.

    فقد كانت ماليزيا قبل نحو أربعة عقود مجتمعــاً زراعيـاً لا يعرف سوى زراعة الأرز والمطاط وبعض النباتات والفاكهة، و اقتصاده قائم على تصدير المواد الأولية.. للتحول إلى واحدة من أهم الدول المصدرة للسلع والتقنية الصناعية في منطقة جنوب شرقي آسيا، واستطاعت الانتقال من بلد فقير إلى بلد غني إذ انتقل معدل الفقر من 70٪، إلى أقل من 5٪.. و انتقل دخل الفرد السنوي من 350 دولار ليصبح في الوقت الحالي أزيد من 18000 دولار.

    و المسار التنموي الماليزي في السبعينيات متأثرا باقتصاديات النمور الأسيوية المتقدمة آنذاك منها جمهورية كوريا، وكوريا الجنوبية، جمهورية الصين، تايوان، هونغ كونج وأخيرا جمهورية سنغافورة بعد أن كانت تعتمد وبشكل كبير على التعدين والزراعة وأخذت بالتحول تدريجيا نحو جعل اختصاصها اقتصادا مصنعا بالدرجة الأولى، وقد كانت التجربة اليابانية في كل هذا الملهم الرئيسي في العمليات التصنيعية على حد قول رئيس وزرائها السابق مهاتير محمد” الاتجاه شرقا”، ولم تكتفي ماليزيا فيها بالصناعات الخفيفة والمتوسطة بل طورت قدراتها لتصبح بعد سنوات قليلة من الدول لآسيوية الصاعدة في مجال الصناعات الثقيلة. رغم أنها لا تملك موارد ضخمة، ولكن بفضل إدارتها الواعية والرشيدة والمتسمة بالكفاية والنجاعة اللازمتين حيث حققت نسب نمو عالية سواء على المستوى الإقتصادي أو الإجتماعي .

    كما استطاعت ماليزيا تجاوز أزمات اقتصادية خانقة، عصفت بدول جنوب شرقي آسيا في العام 1997، حيث رفضت الخضوع لوصفات و توصيات “صندوق النقد الدولي” والبنك الدولي” لعلاج أزمتها، بل عالجت المشكلة من خلال برنامج اقتصادي وطني متميز، وتعبئة الطاقات والاستثمار في الإنسان، بالإضافة إلى اعتماد الحكامة الجيدة في التدبير المتعلق بالإدارة وتسيير المرفق العمومي.

    وختاما نذكر بما سمي سنة 2005 بتقرير الخمسينية، العمل الذي أنجزه باحثون مغاربة كحصيلة شاملة لخمسين سنة من الاستقلال، والذي تم إعداد ملخص له تحت عنوان “المغرب الممكن”.

    هذا التقرير أريد له أن يكون خريطة طريق للبلاد، والبعض وظفه للتعبير عن طموح سياسي جديد، ولأن التقرير كان يتحدث عن الماضي، فقد كان منسوب الجرأة والاحتفاء به كبيرا، لكن مع توالي الأعوام واختلاف السياقات، توارى التقرير، وما عاد أحد يتحدث عنه، ببساطة لأننا خلال العشرين سنة الأخيرة أعدنا إنتاج كثير مما جاء انتقاده في تقرير الخمسينية، وهذا أحد الأعطاب التي أفقدت المغرب القدرة على تحقيق تراكمات إصلاحية في التنمية والديمقراطية والعقلانية. وبعبارة أخرى المغرب لم يستخلص الدروس والعبر من الماضي. وكما كان كارل ماركس يردد مقولات لملهمه ومعلمه فريدريك هيجل، من أهمها “التاريخ يعيد نفسه”، حيث يقول ماركس ” هيجل يلاحظ أن جميع الحقائق والأشياء العظيمة الأهمية في تاريخ العالم تحدث مرتين. لكنه نسي أن يضيف أن المرة الأولى كمأساة وفي المرة الثانية كمهزلة “. Comme une farce وما نراه الآن هو المهزلة.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى