أخبارمجرد رأي

ما لا يجب أن تحجبه حماسة الاندفاع والتهور لتعديل مدونة الأسرة المغربية

 تأملات الدكتور عبد الله صدقي
ما لا يجب أن تحجبه حماسة الاندفاع والتهور لتعديل مدونة الأسرة المغربية
اِنقسمتِ الآراء شرقا وغربا، وراح كل واحد يُغني في سِرْبه بلا أي مسؤولية، وتضاربت المواقف والتعليقات، وكثُر اللغطُ بين مختلف الأوساط. لكن الذي غاب عن الكثيرين، أن الإسلام يُحرم الظلم،.
فالذي يريد أن يتحدث عن مدونة الأسرة، وَجب عليه أن يضع في الاعتبار أن المرأة هي أمُّه، وبنته، وأخته، قبل أن تكون زوجتَه، فما يطرأ على زوجته هو ما سيجري حتما على أقاربِه من الإناث. كما أنه وجب أن تضع المرأة في الاعتبار أن الرجل الذي تتحدث عنه المدونة، هو أبوها، وابنها، واخوها، قبل أن يكون زوجا لها.
ونحن نرى مآسي المطلقات، خاصة اللواتي طُلِّقن، وأصبحن يرعيْن أطفالهن، ويجتررْن الآلام والإهانات، ويُنالُ من كرامتهن، بل منهن من يستغلن في عفتهن، ويستسلمن لنهش الكلاب البشرية، لأجل الحصول على لقمة عيش لأطفالهن، من غير مأوى، ولا من يرحمهن وأطفالَهن…
ونحن إذ نتساءل، أهناك من يرضى لبنته أو لأمه، أو لأخته… أن تلحقهن هذه الإهانات والاستغلال الفاحش؟ لذلك وجب على المسؤولين على ملف تعديل مدونة الأسرة، في هذه المدة التي لا يتعدى مدة تعديلها ستة أشهر، أن يتدققوا في الأمر بشكل موضوعي وشامل، وذلك من كل جوانبه، ويشاركوا كل الفاعلين المختصين، في جميع الميادين، آخذين في الاعتبار ما هو متفشي في محاكم الأسرة، وما تعانيه الزوجات المطلقات من ويلات بعد الطلاق… وحتى إن كان الطلاق برغبتهن، (فالقط لا يفر من العرس) كما يقول المثل المغربي…
وكيفما كان الحال، وفي اعتقادي المتواضع، باعتباري خبير افي العلوم الإنسانية وعلم السوسيولوجيا، أن معالجة وتعديل المدونة، يتطلب منا، أن ندرس وضع الرجل والمرأة، إذ ليست المرأة المطلقة الوزيرة، او المطلقة ذات المنصب العالي، أو المطلقة الغنية، مثل تلك التي لا تعمل، ولا تشتغل، ولا تملك شيئا…
والدولة أيضا عليها أن تبحث عن الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق، إن كان ماديا، ونحن نعيش حاليا ظروف الغلاء في كل المواد، فعلى الدولة أن تتولى هذا الأمر وتصلح أجرة الرجل والزوجة والأطفال، وإن كانت نفسية، مثل اضطراب الشخصية، أو حالات إصابتها بإحدى الأعراض، فعلى الدولة أن تتولى رعاية الثقافة الأسرية مجانا، وتعالج من يعاني من الزوجين من المشاكل الشخصية لدى علماء النفس، ولدى المصلحين الاجتماعيين المتخصصين بالأسرة، وترعى أمر الأسرة والأطفال…أما إن تغاضت الدولة عن مسؤولياتها نحو الأسرة وتجاهلها، وانطلقت مما عليه الحال…فما علينا حينئذ إلا أن نبحث عن حلول داخل الأزمة، وداخل غياب للشروط الاجتماعية المساعدة لإيجاد الحلول الناجعة.
نقترح إذن في غياب للشروط الاجتماعية الواجبة، أن تُدرس الحالة الخاصة بوضع الرجل والمرأة المقبليْن على الطلاق، فإن كان الرجل ميسور الحال، والمرأة ميسورة الحال، ولا أولاد لهما، هنا وجب وضع حكما خاصا لحالهما، وأما إن كان الرجل يملك بيتا وطلق زوجته، فالأولى أن يترك لها البيت سواء كان لديها أولاد أو لا…
كما يجب أن تساعد الدولة الأسرة من خلال صندوق خاص للأسرة، بأن تساهم إلى جانب الرجل، حتى يكون التعويض لائقا بالأولاد، والكل يعلم ظروف الحياة… هذه أمثلة استئناسية فقط، ولذلك أرى أن الأمر يحتاج إلى متدخلين، ليس بالعاطفة، والحماس الفارغ، وإنما بالعقل، لإنصاف كل من الرجل والمرأة…
ونحن نعاين العديد من الأزواج يتوافدون على السجن، لأنهم لم يستطيعوا أن يؤدوا استحقاقات لأزواجهم المطلقات بعد الطلاق… فهل سنفتح بابا واسعا للسجن أمام الرجال الذين يطلقون، أم أننا سنجبر الرجال الذين طلقوا، حتى يبحثوا عن حيل تنجيهم من السجن والواجبات، أو أننا سندفع بالشباب ليعزف عن الزواج، الذي أصبح حربا بين المرأة والرجل، وبين رابح وخاسر… وقد نسينا قوله تعالى (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).سورة البقرة الآية 237.
فالزواج هو بناء أسرة سليمة، يرعى فيها الأبناء بسلام، بين عاطفة الأم والأب.
أما باقي الأمور الأخرى، التي تتعلق بحرية المرأة، فنرى أن الثقة والحب بينهما هما صمام الأمان، الذي يطبع العلاقة الناجحة بين المرأة والرجل، وليس الشك والغيرة المتهورة والحراسة النظرية المتواصلة، ووصاية الرجل على المرأة. وعقدة التفوق، والسلطة الزوجية لدى الرجل، إذ لنا أن نخوض فيما قال فيه الرسول ص، أنتم أعلم بأمور دنياكم.
فالزواج هو مودة ورحمة بين الزوج والزوجة، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الروم21
فإيانا والمغالطات التي يقدف بها بعض الجهلة، ليشعلوا نار الفتنة بين الرجل والمرأة، سواء من بعض النساء، أو من الحماسة المتهورة لدى بعض الرجال، الذين يلوون ألسنتهم ليا، لأنهم لا يخسرون شيئا في القول، (كل من تقوله من قول، فأنت مسؤول عليه، محاسب عليه) وذلك مصداقا لقوله تعالى (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق:18
نرجو ممن يلقي الكلام على أمر الأسرة على عواهنه، بلا تفكير ولا روية، وعلى قضايا الطلاق، وعلى أمر المرأة والرجل، في الشارع، أو في الطرقات، أو في السوق، أو لدى الدكاني… أن يكف عن الكلام، ويدع المتخصصين، العارفين، من مجالات القانون والعدالة، الدارين بما يتوافد على المحاكم من أمور الأسرة، والفقهاء وعلماء الاجتماع وعلماء النفس وغيرهم… فليس كل من هب ودب يستطيع أن يقول قولا سديدا في الأمر… والأمر متعلق بالمجتمع متعلق بالأجيال مرتبط بعمارة الأرض بخلف نظيف لا يلوث الحياة، ولا يفسد فيها… الأمر متعلق بقوله تعالى : ﴿ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ سورة الحج الآية 69
﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ سورة النور الآية15
نتمنى أن يتوفق الذين أشرفوا على تعديل هذه المدونة، بما فيه الخير لأسرنا المغربية، وبما يمكن أن يمسح الحزن على أوجه نسائنا ورجالنا، وأطفالنا، ويخفف على الأقل من المعاناة التي، اجترتها وتجترها أمهاتنا وبناتنا وأطفالنا ورجالنا.
فالرجل لن يسعد إلا إذا سعدت زوجته وأمه وبنته وأخته وخالته وعمته وأطفاله… والمرأة لن تسعد إلا إذا سعد زوجها وأبوها وأخوها وابنها،
كفى من الأنانية الذكورية، والأنانية الأنثوية، فالأسرة لن تنهض إلا بسعادة الزوجيْن، والتعاون فيما بينهما، وتقدير كل منهما للآخر، وعدم حط أحدهما للآخر… فالأسرة بين يديكما أيتها الزوجة وأيها الزوج، والأبناء أولى أن تحضنهم الأم، بدلا من الرجل في حالة الطلاق، لأن الأم لا يعوضها الرجل مهما بلغ من درجات الرحمة… هذه سنة الله في الأرض…
أما أنا فأقول حين يطلق الرجل زوجته، ما عليه إلا أن يدع البيت لها مع أولاده، لأنها ستربيهم فيها، ولن يجد الرجل أحدا يعوضها أبدا… ثم إنها ستتحمل مسؤولية كبرى، ( كان الله في عونها) مكسورة من الطلاق، وستبدأ رحلة المسؤولية وحدها، بلياليها وأيامها) علبينا أن نتمثل ذلك …
على الرجل الحر أن يساعدها على ذلك، ولو من بعيد بأكثر مما طلب منه القانون، (ولا تنسوا الفضل بينكم) …
والطلاق ميثاق غليظ بينهما، والله يفصل بين الزوج وزوجته…يقول تعالى﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾
﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ سورة الزمر الآية

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى