أدريان داريا
بقلم أبو ايوب
أدريان داريا بالفارسية تعني مياه البحر الحمراء ، قصة حاملة نفط عملاقة إيرانية احتجزتها سلطات جبل طارق بأمر من إحدى المحاكم الأمريكية عهدة دونالد ترامب ، كانت متوجهة نحو سوريا لإفراغ حمولتها في تحدي قوي للعقوبات الاقتصادية الغربية و الأوروبية خاصة ، عقبه جاء الرد الإيراني قويا و متحديا من خلال الاستيلاء عسكريا على ناقلتي نفط بريطانيتين ، محذرين في نفس الوقت البحرية الأمريكية من مغبة التدخل ثم اقتادوهما تحت أعين القوات الامريكية نحو ميناء بندر عباس .
بعد تماطل بريطاني أمريكي و محاولات الالتفاف على موضوع الاحتجاز بذريعة أن الأمر يتعلق بالقضاء ، كان الرد للمرة الثانية قويا و محذرا من أفعال القرصنة التي تقوم بها أمريكا و بريطانيا المخالفة للقانون الدولي ، فضلا عن متابعة طاقم السفينة أمام القضاء بتهمة انتهاك المياه الإقليمية الإيرانية ….انتهت عملية تقليم الأظافر هذه وفق شروط مخترع الشيخ مات ( الشطرنج ) إيران، قلت انتهت…. بتراجع أمريكا عن موقفها و بإفراج سلطات جبل طارق التابعة للتاج البريطاني عن حاملة النفط الإيرانية ، و السماح لها باستكمال إبحارها نحو وجهتها الشقيقة سوريا ، وقتذاك تم تغيير إسم الناقلة الى أدريان داريا .
مناسبة الكلام الحرب الوجودية المستمرة منذ عقود بين إيران و أمريكا بمنطقة الشرق الأوسط و الخليج الفارسي ( تسميته وفق القانون الدولي) ، و حتى لا نرجع لإيران الشاهنشاهية سبعينيات القرن الماضي ما بعد الثورة الاسلامية و بهدلة أمريكا عبر سفارتها بطهران ( رهائن السفارة) ، نكتفي بسرد لأقوى محطات المواجهات بين الطرفين سياسيا و عسكريا و اقتصاديا و صناعات متميزة خاصة الطب و المعلوميات و العتاد الحربي ايران الماردة او العدو اللدود لأمريكا بالمنطقة التي استطاعت رغم العقوبات الامريكية و الحصار الغربي عموما الذي فرض عليها ، ان تبقى واقفة الند للند في مواجهة امريكا بجرأة و دقة و تنفيذ بدون خسائر ، على سبيل المثال
* الجرأة على أسر عشرات من قوات المارينز بمياه الخليج أيام عهدة باراك اوباما بعد اختراقهم مياهها الاقليمية ، عملية انزال عسكري وثقتها ايران صورة و صوتا و هم يعرفون عن انفسهم ، فيديو تناقلته مختلف المنابر الاعلامية الدولية و الصحافة العالمية على راسها الامريكية ، صفعة تلقتها امريكا و تبقى كذلك بالرغم من الافراج عن اسرى المارينز بعد مفاوضات بين صانع السجاد و امريكا مولات الهامبورغ ، من بين ما اسفرت عنه كذلك الافراج عن جزء من الاموال الايرانية التي جمدتها امريكا من بوابة العقوبات ، و بما ان الامر يتعلق بالجرأة ارتأيت التطرق لثان و ثالث و رابع …
* تمزيق دونالد ترامب الاتفاق النووي مع ايران امام انظار العالم ، بنبرة متعالية متغطرسة طالب ايران للتفاوض من جديد و فرض شروطا ، تزامن الحدث مع حرب التحالف العربي على اليمن السعيد ، و كلنا يعلم ان لأمريكا اليد الطولى في هذه الحرب ، هي من تحمي التحالف في مجلس الامن الدولي ، و هي من تزود بالسلاح و المعلومات الاستخباراتية …هي من ترسم الخطط و التحالف ينفذ و اعلامه يروج للانتصارات ….دخول ايران على الخط قلب المعادلة راسا على عقب ، رفعت ايران من نسبة تخصيبها لليورانيوم ، سلحت قوات الجيش الشعبي و حزب الله العراقي ، عززت قدرات المقاومة الفلسطينية على رأسها حركة الجهاد الاسلامي و حماس بعد ثوبتها و رجوعها لطوق الممانعة ، التسليح الحديث و النوعي لحزب الله اللبناني ، فضلا عن تواجدها العسكري بسوريا، كما سلحت و دربت بل انخرطت مباشرة الى جانب الحشد الشعبي في مواجهة دولة الخلافة التي زرعتها امريكا بالعراق امعانا في التفرقة ، فضلا عن رفضها المطلق مناقشتها لملفها الصاروخي
على ذكر تطور قدرات ايران الصاروخية لا سيما المضادات الجوية ، و كجواب من ضمن اخرى متعددة على التمزيق الترامبي الشهير ، احسن ما أستشهد به اسقاط المسيرة الامريكية RQ 9 غلوبال هاوك بمياه الخليج بواسطة صاروخ خرداد ايراني الصنع من علة 16 كلم و جمع حطامها ، مع استثناء طائرة تجسس امريكية مأهولة بعدما وجهوا لها امرا فوريا بمغادرة الاجواء الايرانية قبل استهداف و اسقاط الاولى ، و كأني بعملية الاسقاط اخطار لامريكا بأن صانع السجادا قادر على كشف تحركاتهم على مدار الساعة ، فضلا عن كونها رسالة ذات حمولة انسانية من خلال استثناء المأهولة من القصف ، رسالة بعثت للشعب الامريكي .
* اغتيال امريكا ترامب ممزق الاتفاق النووي، للجينرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس و رفيقه المهندس قائد الحشد الشعبي العراقي لم يأتي من فراغ او صدفة ، بل تم العزم علي تنفيذه امريكيا بتنسيق مع بريطانيا و اسرائيل ، بعد انهزام الصنيعة الغربية داعش بالعراق و سوريا و تفرعاتها كجبهة النصرة مثالا لا حصرا ، اي بما معناه ، استهذاف المخطط الامريكي الغربي الحربائي المتعدد الاقنعة ، تارة بحقوق الانسان و تارة بنشر الديموقراطية و اخرى بمحاربة الارهاب … بينما هم من يزكونه و يدعمونه كما شاهدنا بالعراق و تناقلته بعض الفضائيات منها العربية كقناة الميادين ( سلاح الجو الامريكي يوفر الحماية و التغطية الجوية لاعادة انتشار قوات داعش )
كنتيجة لهذه التطورات ، استفاق ترامب على خبر الرد القاسي العسكري الايراني على اغتيال سليماني و رفيقه ، باستهذاف صاروخي دقيق لقاعدة عين الأسد الامريكية شمال بغداد ، و في رسالة انسانية ثانية للشعب الامريكي ، قامت ايران باخطار السلطات العراقية بتوقيت القصف و الهدف قبل دقائق من انطلاق الصواريخ الايرانية ، و هي تعلم ان الرسالة ستصل للجنود الامريكيين الذين احتموا في الملاجئ ، صور ما حدث ذاك اليوم تناقلتها السي.اي.ان الامريكية و قناة الحرة و الجزيرة و الميادين و فرانس 24…..ليمرغ انف ترامب في التراب بعدما توفقت و تفوقت ايران بتميز في استقطاب الراي العام الامريكي
و كذلك فعلت بجرأة متعالية يوم ارسلت خمس حاملات نفط لفنزويلا في تحد صارخ للعقوبات الامريكية المفروضة على نظام مادورو …، متوعدة برد قاس في حال اقدمت امريكا على اعتراض او احتجاز الناقلات الخمس ، بالتالي فقدت امريكا المزيد من هيبتها عهدة ترامب المتغطرس المتعالي و عجلت بوأد مستقبله السياسي و هكذا كان .
* دية اغتيال قاسم سليماني و رفيقه كما اعلنتها ايران وقتذاك ، اخراج أمريكا من منطقة الشرق الاوسط و الخليج الفارسي رغم ما يتطلبه الامر من تضحيات ، اي بمعنى الاستفراد بالربيبة اسرائيل اداة امريكا بالمنطقة و خادمة المصالح الغربية الى جانب الدول الوظيفية ( الامارات و ما تمثله من احتياط نقدي) ، لتمويل حروب رائدة الارهاب العالمي و زعيمة الاقتصاد الراسمالي المتوحش ، و قد حققت بالفعل مكاسب و انجازات معتبرة في هذا المضمار ، بحيث تمدد نفوذها و تقوى على صعيد المنطقة بشكل رهيب ابعد النوم عن جفون الميريكان و قض مضجع العم سام بكل من اليمن و العراق و سوريا و لبنان و فلسطين ، بل تعداها لجغرافيا أرحب بكثير نحو الادغال الافريقية ( نيجيريا و جنوب افريقيا ) موريتانيا و الاطلالة على الساحل الغربي للقارة السمراء ، دول الساحل و الصحراء عبر مدهم بالسلاح ( بوركينافاصو و النيجر و مالي ) ، فضلا عن النقلة النوعية في علاقات ايران مع الجزائر استكمالا لطوق حصار النفوذ الامريكي الاسرائيلي بافريقيا و المنطقة المغاربية .
* ما يحدث اليوم من تطورات متلاحقة و متغيرات متسارعة بالشرق الاوسط و الخليج ، سواء ما تعلق منها بالصلح و التقارب مع القطب السني السعودية ، او ما يجري حاليا من حرب استنزاف ضروس بين المقاومة الفلسطينية و اسرائيل ، و على ضوء فتح جبهة جنوب لبنان شمال اسرائيل مع حزب الله اللبناني ، وما تخللها من استهذاف للتجمعات الاستيطانية ، و في ظل الترقب الشديد للحاصل في جبهة الجولان ، فضلا عن التهديد الحوثي باستهذاف القواعد الامريكية بالخليج في حال مشاركة امريكا في الحرب الاسرائيلية ، و ما اعلنت عنه ايران من دعم قوي بالمال و السلاح و المعلومات مع احتمال دخولها الحرب مباشرة ، دفعت امريكا الى استعراض للقوة في محاولة يائسة لاستعادة بعض من هيبة افتقدتها بكل من اوكرانيا و افغانستان من قبل و العراق…. من خلال ارسال حاملة الطائرات جيرالد فورد لشرق الابيض المتوسط ، و قطع بحرية لتأمين الحماية لاسرائيل فضلا عن اقامة جسر جوي لنقل السلاح و العتاد ، متوعدة في نفس الوقت سوريا و لبنان بالويل و الثبور و عظائم الامور …
بالتالي يتأكد بأن الغباء الامريكي ليس له حدود و لا يستخلص الدروس و العبر من هزائمه ، و هو يعلم جيدا انه انهزم باوكرانيا في حربه ضد روسيا خرج منها اقتصاده منهكا ، كما خسر جميع معاركه في حديقته الخلفية بالامريكيتين و مع الصين ايضا ، و يعلم ايضا أنه مني بخسارة مدوية في مواجهته مع كوريا الشمالية كما حدث بالامس البعيد بفيتنام و الكومبودج و اللاووس ، لكن الغباء في بعض الاحيان يدفع بصاحبه الى الانتحار بعيون مفتوحة و عن غير قصد ، و دون ادراك بالفخ الذي نصب اليه بتخطيط مدروس بعناية فائقة تزامنا مع اقتراب موعد الانتخابات الامريكية ، فهل ارسال حاملة الطائرات يعتبر خطوة نحو المشاركة في الحرب ؟ ام مجرد مزايدات عنترية و حملة انتخابية سابقة لأوانها لكسب اصوات اللوبي الصهيومسيحي بالولايات المتحدة الامريكية ، تعزيزا لحظوظ الحزب الديموقراطي بالفوز في الانتخابات المقبلة مقتبل السنة القادمة ؟
* المؤكد عدم رغبة بايدن بحرب اقليمية بالشرق الاوسط ، حرب ان حصلت ستتطور بالضرورة الى حرب جهوية بما يشبه حربا عالمية ثالثة ، هذا ما يؤدي الى حالة استثناء و تأجيل الانتخابات الامريكية الى حين انتهاء الحرب ، امر لن يتقبله الشارع الامريكي و لا الرأي العام ، من شأنه توسيع الشرخ الحاصل بالجبهة الداخلية و ارتفاع اصوات كثيرة منددة شاجبة معارضة لحروب بلادهم عبر العالم ، لا سيما و ان خسائر امريكا بافغانستان و العراق لا زالت ترخي بظلالها و تداعياتها على مخيلة الشعب الامريكي ، رؤية الثوابيث و اعداد المصابين بالحمق في صفوف الجنود القدامى لم و لن تعد تطرب اسماعا و لا تدغدغ عواطفا و لم تعد مفخرة اصلا .
خسارة أمريكا هذه الحرب في ظل التحولات الدولية و ظهور أقطاب جدد و قوى اقتصادية و عسكرية رافضة لمجمل السياسات الأمريكية ، و لمقارباتها في التعاطي مع الأزمات و الإشكاليات الدولية على رأسها قضية فلسطين ، تبدو خسارة محتملة جدا، أجمع عليها خبراء عسكريون ، قادة كبار محالون على التقاعد و رؤساد دول سابقون ، محللون سياسيون و أقطاب رجال الإعلام و مفكرون ، كما أجمعوا على بداية الإنعزالية الأمريكية و الانزواء على الداخل حفاظا على ما تبقى من ماء وجه و كبرياء أنف مرغ في التراب تباعا ، تعرية حقيقة أمريكا للعالم أجمع ، يعود الفضل فيها بكل تأكيد الى محور و حلفاء يتمدد طوعا و كرها على حساب حلف و أدوات وظيفية أين مالت الريح يستميلون ، كما أنه راجع إلى دونكيشوتية النهج السياسي الأمريكي المتغطرس المتعالي و القواسم المشتركة بين الحمار و النسر ( شعاري الحزب الديموقراطي و الجمهوري) …
باي باي أمريكا عنوان الحاظر و المستقبل و ما هي إلا مسألة وقت ، و بروز عالم متعدد الأقطاب أصبح حقيقة بادية للعيان ، كما أن زوال إسرائيل أصبح قاب قوسين أو أدنى و المتنبئ به قبل 2030 على أبعد تقدير ، كما هي أيضا حقيقة القدرات التسليحية النوعية و الخبرات الميدانية التي اكتسبتها المقاومة الفلسطينية إلى أن أصبحت تمثل رقما يصعب تجاوزه في معادلات الشرق الأوسط ، و إن هي تمادت في سياساتها العدوانية التوسعية و لم تستجب للضمير الحي العالمي و إنهاء احتلالها و الإعتراف بحل الدولتين ضمن حدود 67 ، الحل الوحيد الضامن لوجودها و تقبلها من دول الجوار ، فمآلها الشطب من الخريطة و مصيرها المحتوم هجرة جماعية معاكسة نحو الشتات كما ذكرت في الثوراة و القرآن ، ترادفا مع أفول نجم بنو القينقاع و بنو قريضة الخليج و اهتزاز عروش من والاهم من بني النظير و بنو كليب شبه الجزيرة العبرية ، عفوا و معذرة العربية .