مجرد رأي

هل تنجح إسرائيل حيث فشل الظهير البربري؟

مصطفى كرين

قلنا دائما ألا شيء يحدث صدفة، وكذلك الحرب الفتن، كلها تحدث لأن جهة ما خططت لها. وقلنا دومًا أن هزيمة اليوم مثلها مثل فتنة اليوم، هي نتيجة حتمية لأخطاء سياسة الأمس.
صحيح أن في السياسة أخطاء، لكن هناك فرق شاسع بين أخطاء السياسة وسياسة الأخطاء.. لأن أخطاء السياسة واردة لكنها قابلة للتدارك، أما سياسة الأخطاء فهي عملية تراكمية سرعان ما تصبح غير قابلة للإصلاح، وينطبق هذا الأمر بالضبط على مسألة ما بات يعرف ب”التطبيع” وما يرتبط به من اتفاقيات، وبالشكل الذي تسير عليه الأمور، إذ لم يعد التطبيع مجرد موقف سياسي خلافي بين مكونات المجتمع المغربي، وحتى بين الفاعلين السياسيين ببلادنا، أو حتى بين الدولة والشارع، بل هو في الطريق لأن يصبح مشكلة بنيوية داخل المجتمع والدولة في المغرب، تنذر بأسوأ العواقب على المديين المتوسط والبعيد.
وإذا كان لا يخيفني شخصيا وجود علاقات تجارية ودبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، على اعتبار أنها لا تمس السيادة، وتبقى دائما قابلة للمراجعة والتعديل وحتى الإلغاء، فإن بعض التطورات الأخيرة أصبحت فعلا مصدراً حقيقيا ليس فقط للقلق بل للذعر، وأذكر هنا حدثين أساسيين : يتعلق الأول، ولست أفشي سرا هنا، بما تداولته الصحافة الدولية خلال الأسبوع المنصرم بخصوص توقيع المغرب، الذي ناضل بإصرار لإخراج القواعد الفرنسية والأميركية من البلاد، على “اتفاقية للتعاون في مجالات الدفاع والاستخبارات والتدريب العسكري والأمن والصناعة”، ويعتزم المغرب حسب نفس المصادر منح إسرائيل، من خلال هذه الاتفاقية، الإذن بإقامة قاعدة استخباراتية عسكرية للجيش الإسرائيلي في مدينة أفسو التي تقع جنوب إلى الجنوب من الناظور ببضع عشرات من الكيلومترات.
وغني عن القول أن هذه القاعدة ستشكل عبئا سياسيا وأمنيًا كبيرًا على بلادنا، فضلا عن كونها ستشكل بابا للاختراق الفعلي للسيادة المغربية، فالإسرائيليون في الناظور، لن يتجسسوا على الجزائر وإسبانيا فقط، بل ستصبح المعلومة الأمنية والعسكرية المغربية، ليس فقط في متناولهم بسهولة، وإنما أيضا قابلة للتلاعب والتوظيف وفقا لاستراتيجية إسرائيل ومصالحها أولا وأخيرا. كما سيوفر ذلك لإسرائيل قاعدة متقدمة للعبث بالانسجام والأمن الداخلي لكل دول المنطقة، خصوصا أنه لا أحد يجهل النشاط التحريضي الذي تقوم به في أوساط السكان الأمازيغ لتفكيك النسيج الاجتماعي المغربي والتسرب من خلال الشقوق التي تعمل على خلقها بين المغاربة، بشهادة جاكوب كوهين نفسه.
ولا ننسى أن فرنسا التي “أبدعت” الظهير البربري، اخترقتنا من الجهة الشرقية للمغرب أيضا. ومن حقنا أن نطرح السؤال التالي: ما مصلحة إسرائيل في وجود قاعدة عسكرية استخباراتية لها بشمال شرق المغرب؟
لا أدعي امتلاك الحقيقة حول نوايا تل أبيب بهذا الشأن، لكن طبيعة المنطقة بين الريف في المغرب، والقبايل في الجزائر ليست بريئة، وما سيخلفه النشاط الاستخباراتي في المنطقة من تأثير على مستقبل العلاقات المغربية الجزائرية وفرص التقارب والمصالحة بين البلدين لا يتطلب الكثير من التفكير. سيصبح بإمكانها عمليا وعملياتيا تأجيج العداوة والفتنة مع الجيران بشكل عام وغير مسبوق، بما في ذلك إمكانية استدراج المغرب والجزائر لحرب إقليمية مدمرة لن يكون أحد مستفيدا منها أكثر من إسرائيل نفسها، لأن الأمر لا يتعلق هنا بالجزائر فقط، بل، وهذا هو الأخطر، سيصبح في متناول تل أبيب أن تسمم العلاقات الاستراتيجية مع إسبانيا والتشويش على المصالح السياسية والاقتصادية بين البلدين، على اعتبار أن عزل المغرب عن محيطه الجيوسياسي سيجعله أكثر ضعفا وهشاشة وأكثر انصياعا للضغط والابتزاز وأكثر استعدادًا للارتماء في أحضان أمريكا وإسرائيل. لذلك فالتهديد يتعلق أساسا بالسيادة الوطنية.
لكن هناك في خطة إسرائيل للحصول على موطئ قدم عسكري وأمني ببلادنا ما هو أدهى وأمر، ويتعلق الأمر بالحدث الثاني: وهو المتعلق بالأخبار المتداولة في الإعلام هنا وفي إسرائيل، حول استعداد العديد من الإسرائيليين الاستقرار وبكثافة في المغرب في ما يشبه هجرة جماعية منظمة نحو المغرب، وخصوصا ببعض المناطق مثل نواحي مراكش والصويرة ومكناس وآسفي.
وإذا كان حق اليهود المغاربة في العودة للبلاد كمواطنين، غير قابل للتصرف ويخضع للقوانين الجاري بها العمل، فإن الذي يجب أن يطرح للنقاش والتقنين، لما يتسم به من خطورة بالغة، هو إمكانية توجه القادمين من إسرائيل نحو بناء أحياء أو مدن خاصة بهم ومقتصرة على اليهود، بما يحيلنا عمليا على ما يشبه المستوطنات.
ولست في حاجة للتذكير ولا للتدليل على خطورة وتبعات هذا الأمر، لأنه يشرعن عمليا بناء تجمعات سكنية بناء على معايير سياسية أو عرقية أو دينية، وهو ما لا يجب أن يسمح به، وإلا سنجد نفسنا غدا أمام أحياء للمسلمين الشيعة وأخرى للمسلمين السنة وثالثة خاصة بالأمازيغ ورابعة مخصصة للعرب وخامسة مقتصرة على الكاثوليك وسادسة خاصة بالأرتودوكس… وهذا أسهل وأقرب مدخل للفتنة الأهلية، التي ستشرعن بدورها التدخل الدولي في السيادة الوطنية تحت ذريعة حماية أقليات معينة، وكلنا نتذكر كيف تدخلت العديد من الدول الأوروبية في السيادة المغربية تحت ذريعة الدفاع عن “المحميين” خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.. والوضع الذي نثيره هنا أشد وأعقد كثيرا من الحرب نفسها إنها الفتنة .
لذلك يجب وضع المؤسسة التشريعية أمام مسؤوليتها التاريخية في أن تثبت وطنيتها وقدرتها وجدارتها، وأن تسارع إلى بلورة قانونين عاجلين: قانون يمنع بناء مدن أو أحياء ببلادنا من شأنها خلق مناطق في المغرب مقتصرة على بعض المغاربة وممنوعة على البعض الآخر بسبب العرق أو الدين، لأن ذلك سينتهي حتما بحرب أهلية تؤدي إلى تفكك البلاد. وقانون ثان يجعل كل ملكية عقارية مر عليها زمن محدد (ربع قرن مثلا) دون أن تشكل موضوع استغلال أو بيع أو تفويت من طرف مالكيها، تصبح بقوة القانون ملكا للدولة المغربية تتصرف فيها حسب المصلحة العامة، وذلك كي لا يرث أبناؤنا ولا ترث السلطة في المغرب، واقعا ملغوما وقابلا للانفجار في أية لحظة.

Abdeslam Hakkar

عبد السلام حكار مدير الموقع وصحفي منذ 1998 عضو مؤسس بالتنسيقية الوطنية للصحافة والإعلام الإلكتروني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى